د. أيمن مراد
لم تكن أبداً فكرة الهجرة إلى مكان آمن حال تعرض البلاد لخطر داهم هي أحد الحلول المطروحة في ذهن المصري القديم كما كان الحال عند بعض الجماعات والشعوب الأخرى، بل كان المصري القديم ينظر لأرضه على أنها جنته التي سوف ينقلها معه إلى العالم الآخر بعد موته. فلربما يعتقد البعض أن فكرة الشهادة في سبيل الدفاع عن الوطن هي مفهوم حديث عند المصري، إلا أن التاريخ يثبت أن هذا المفهوم لطالما كان مكونا فطريا أصيلاً في شخصية الإنسان المصري القديم عبر التاريخ.
يبدأ سجل أشهر شهداء العسكرية المصرية بالملك "سقنن رع" الذي استشهد في معركة أثناء مقاومة الغزاة الهكسوس، ولحق به نجله كاموس، هو آخر ملوك الأسرة السابعة عشر التي كانت مدينة طيبة عاصمتهم واستشهد وهو يحارب الهكسوس، واستكمل مشوار والده وطارد الهكسوس إلى أن وصل مشارف عاصمتهم أواريس في الدلتا لكنه استشهد قبل أن يقضى عليهم بالكامل وخلفه أخوه أحمس الأول مؤسس الأسرة الثامنة عشرة والمملكة الحديثة الذي أكمل الحرب وطرد الهكسوس من مصر، كاموس ترك قصة كفاحه على وثيقتين، إحداهما معروفة باسم لوح كرنافون والثانية لوحة حجرية عثر عليها في الكرنك سنة 1954.
وفي العصر الحديث اتخذت الدولة المصرية في التاسع من شهر مارس من كل عام يوماً للشهيد، وهو ذكرى استشهاد الفريق أول عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، وذلك فى عام 1969 حينما توجه للجبهة فى حرب الاستنزاف ليتابع بنفسه نتائج قتال اليوم السابق، وأثناء وجوده على الجبهة في الموقع رقم 6 شمال الإسماعيلية والذي لم يكن يبعد عن مرمى نيران العدو سوى 250 متراً، انهالت نيران المدفعية الإسرائيلية على الموقع وأصيب الفريق رياض وفارق الحياة خلال نقلة إلى مستشفى الإسماعيلية، وخرج الشعب بجميع طوائفه فى وداعه مشيعين جثمانه بإجلال واحترام ممزوجين بالحزن العميق. وقد نعاه الرئيس جمال عبدالناصر ومنحه رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية التي تعتبر أكبر وسام عسكري، ومن ثم تم اختيار يوم 9 مارس من كل عام، بعد انتصار حرب أكتوبر ليكون يومًا للشهيد.
وتتزامن ذكرى يوم الشهيد مع الجهود التى تبذلها القوات المسلحة والشرطة من أجل الحفاظ على مصر من دنس أهل الشر، والقضاء على الفئات الضالة والجماعات الإرهابية، فهى تخوض حربًا حقيقية ضد الإرهاب، سطر رجالها بدمائهم قصصًا جديدة للتضحية والفداء تضاف لشهداء أكتوبر، ونجحوا فى تدمير البنية التحتية للإرهاب فى سيناء.
كما قدمت مصر عبر التاريخ شهداء لا يُعدوا ولا يُحصوا في حروبها ضد التتار والمغول، فهى دائمًا وأبدًا مقبرة الغزاة ودرع حماية المنطقة بأكملها، وقدمت خيرة شبابها ورجالها إبان الحملة الفرنسية وطيلة فترة الاحتلال الإنجليزى من أجل جلاء المستعمر، وكان المصريون فى مقدمة المدافعين عن فلسطين فى حرب 48، وتجلت بطولة أبنائها خلال العدوان الثلاثى على بورسعيد، وخلال حرب الاستنزاف التى أعقبت نكسة 1967، وفى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 معركة العزة والكرامة.
ولا زالت مصر تقدم شهدائها من خيرة أبنائها من الجيش والشرطة في حربها على الإرهاب الأسود، حيث امتزجت دماء الآباء بالأبناء على أرض سيناء دفاعا عن الأرض والعرض.