شهداء السويس.. بطولات لا تُنسى
د. حسن محمود
تحتفى "الهلال" بيوم الشهيد والذى يوافق التاسع من مارس من كل عام؛ ولا توجد مناسبة أفضل من ذلك للاحتفاء وتمجيد شهداء معركة السويس الخمسة فى صد العدوان الإسرائيلي عقب حرب أكتوبر 1973؛ فعلى الرغم من مرور عشرات السنين لا يزال الجميع يتذكر بسالة أهالى السويس فى الدفاع عن مدينتهم، وكيف لقنوا الإسرائيليين درساً لن ينسوه رغم أن تسليحهم كان ضعيفاً (لا يذكر) مقارنة بتسليح العدو الإسرائيلي، والذى كان يتسلح بأحدث الأسلحة، إضافة لتزويده بجسر جوي من الولايات المتحدة الأمريكية فى حرب أكتوبر المجيدة.
وتضم قائمة الشرف لشهداء السويس كلاً من: إبراهيم أحمد سليمان، السيد أحمد أبوهاشم، فايز حافظ أمين، أشرف عبدالدايم عبدالرازق، إبراهيم محمد محمد يوسف، تخليداً لذكرى أبطال معركة السويس التى وقعت يوم 28 رمضان الموافق 24 أكتوبر عام 1973، عندما خرج أبطال السويس من منظمة سيناء العربية، لصد التسلل الإسرائيلى إلى مدينة السويس الباسلة بعد ثغرة أحدثها الإسرائيليون لتطويق الجيش الثالث وحصاره فى سيناء ومن ثم الذهاب إلى القاهرة لاحتلالها، ليلقنهم أبناء منظمة سيناء درسًا انسحبوا على أثره وحاصروا المدينة 101 يوم بعدما فشلوا فى احتلالها.
فعلى الرغم من مرور أكثر من 48 عامًا على معركة السويس، لا يزال السوايسة يتفاخرون بصمودهم ضد العدو الإسرائيلى وأنهم استطاعوا بعدد قليل من شباب المقاومة الوقوف أمام العدو الذى هرب حتى احتمى بالكيلو 101، ووقعت مفاوضات بينه وبين القيادة المصرية وقتها لتسليم ما تبقى من حطامهم البشرى والتسليحى.
ونعرض فى السطور المقبلة بعضًا من بطولات الشهداء الخمسة؛ أحد هؤلاء الأبطال، كان البطل الشهيد فايز حافظ أمين من بين 15 فدائيا (بعض المصادر تقول 16 فدائيًا)، كانوا نواة «منظمة سيناء العربية»، التى تأسست عقب نكسة 1967، من أبطال مدينة السويس وكانت هذه المنظمة تعمل بالتنسيق مع القوات المسلحة».
كان الشهيد فايز أمين من بين أول شباب السويس المنضمين إلى منظمة سيناء العربية، وكان حين انضمامه لصفوفها يعمل موظفا بشركة ( سينا للمنجنيز ) وكان قد شارك أيضا بعد عدوان يونيو 1967 ضمن كتائب المقاومة الشعبية التي تكونت في تلك الفترة.
كما شارك"فايز" في جميع العمليات الفدائية التي نفذتها المنظمة طوال حرب الاستنزاف مثل عملية ( وضح النهار ) يوم 5 نوفمبر 1969 التي استطاع خلالها مع زملائه( الشهيد مصطفي أبو هاشم والبطل محمود عواد والبطل أحمد العطيفي) في إتمام تلك العملية بنجاح ساحق وتمكنوا من آسر أحد الجنود الصهاينة والعودة إلى البر الغربي رغم تعطل اللنش المطاطي، الذى استخدموه في العملية، وهي إحدى العمليات التي يردد البعض إنها تُدرس فى الأكاديميات العسكرية العالمية حتى الآن.
ويروي أبناء السويس بطولة نادرة، كان بطلها فايز حافظ، والذي كان متابعًا لزميله وابن خالته أشرف عبد الدايم أثناء عملية الاقتحام من خارج باب القسم ولم يحتمل سقوط صديق عمره، فاندفع نحوه يطلق الرصاص والقنابل اليدوية في كل اتجاه وقتل الجندي الذي أصاب زميله وأجبر باقي الجنود الإسرائيليين على التراجع والابتعاد وحمل زميله أشرف عبد الدايم في محاوله لإنقاذه إلا أن رصاص الغدر من العدو أصابه في ظهره بعدة طلقات ليسقط شهيدًا محتضنا صديق عمرة ونالا الشهادة معا.
أحد أبطال السويس أيضا هو البطل الشهيد إبراهيم سليمان، وهو أحد شهداء الوطن، الذين لا يمكن نسيانهم ما بقيت الحياة، وهو من مواليد عام 1941 وفي شبابه مارس رياضة الجمباز وحصل على بطولة الجمهورية وكانت مهاراته وإمكانياته الرياضية تؤهله لأن يكون من نجوم رياضة الجمباز ولكنه القدر.
توفى والد البطل فعاد إلى السويس وترك القاهرة وعمل بإحدى شركات البترول بالسويس وانضم إلى المقاومة الشعبية ثم إلى منظمة سيناء الشعبية عام 1968م.
تميز البطل إبراهيم سليمان بتفوقه في استخدام جميع أنواع الأسلحة وجاء ترتيبه الثالث على دفعته المكونة من 352 من المتطوعين للدفاع عن الوطن ومنحه الرئيس جمال عبد الناصر نوط الواجب العسكري من الطبقة الثانية تقديرًا لما قام به من أعمال بطولية فى إخماد الحريق بشركة السويس للتصنيع البترول.
قام البطل مع رفاقه الفدائيين بعملية عبور وتمكنوا من قتل الكثير من جنود العدو وأحضر مع زملائه أول أسير إسرائيلي.
يوم 14 أكتوبر 1973، كان العميد أحمد حمدى نائب مدير سلاح المهندسين وقائد أحد ألوية الكبارى يشارك وسط جنوده في إعادة إنشاء كوبري لضرورة عبور قوات لها أهمية خاصة وضرورية لتطوير وتدعيم المعركة وأثناء ذلك ظهرت مجموعة من البراطيم متجهة بفعل تيار الماء إلى الجزء الذي تم إنشاؤه من الكوبري معرضة هذا الجزء إلى الخطر وبسرعة بديهة وفدائية قفز البطل إلى ناقلة برمائية كانت تقف على الشاطئ قرب الكوبري وقادها بنفسه وسحب بها البراطيم بعيدا عن منطقة العمل ثم عاد إلى جنوده لتكملة العمل برغم القصف الجوي المستمر وقبل الانتهاء من إنشاء الكوبري أصيب البطل بشظية متطايرة وهو بين جنوده كانت الإصابة الوحيدة والمصاب الوحيد لكنها كانت قاتلة واُستُشهد البطل وسط جنوده كما كان بينهم دائما.
وحمل البطل إبراهيم سليمان، جثمان الضابط الشهيد أحمد حمدى وعندما وضعه على الأرض قام بتقبيله وبدل ملابسه الملطخة بالدماء معه فتعجب صديقه محمود عواد من هذا الأمر وسأله عن سبب ما يفعل فأجاب إبراهيم سليمان : الشهيد الضابط أحمد حمدى كان شخصًا شجاعًا واُستُشهد من أجل البلاد وأتمنى أن أنال الشهادة مثله ولهذا ارتديت ملابسه لأكمل مسيرة كفاحه.
يعد البطل إبراهيم سليمان أول من ضرب وأصاب أول دبابة إسرائيلية من طراز سنتوريون بعد حصار مدينة السويس بالقرب من قسم الأربعين وكانت الشرارة والطلقة الأولى في المعركة فقد أعد سلاحه وتعامل مع الدبابة الإسرائيلية فتوقفت نظرا لتدميرها وقتل قائدها وعلت أصوات طاقم الدبابة بالصرخات المرعبة.
يروي البعض أنه بعد تمكن البطل إبراهيم سليمان من تدمير الدبابة الإسرائيلية يوم 24 أكتوبر عام 1973 الموافق 28 رمضان 1393 هجريًا ألقى سلاحه وقام بحركات بهلوانية وأخذ يصفق بقدميه مبتهجا وهو يصرخ .. يا أبو خليل يا جن.
أيضا قال البطل إبراهيم سليمان : يا خسارة يا ولاد الحرب هتخلص ومش حنول الشهادة.
كانت القوات الإسرائيلية تعتقد أن السويس مدينة للأشباح ولكنها فزعت من دفاع الأبطال عن مدينتهم ولذا جنود إسرائيل سارعوا بالهروب إلى مبنى قسم شرطة الأربعين بالسويس ولم يعد أمام أبطال السويس إلا اقتحامه وجاءت المبادرة من البطل إبراهيم سليمان ومعه فايز حافظ وأشرف عبد الدايم وإبراهيم يوسف، وتم وضع الخطة بحيث يستغل إبراهيم سليمان قدراته ولياقته البدنية في القفز فوق سور القسم وتمكن من تسلق مواسير المياه ولكن رصاصة غادرة من قناصة العدو أسقطته شهيدا فوق سور القسم وبقي جسده معلقا يوماً كاملاً، حتى تمكن الفدائيون من استعادته تحت القصف الشديد.
يذكر أهالي السويس، أن البطل إبراهيم سليمان قبل خروجه لتنفيذ العملية أعطى الشيخ حافظ سلامة، قائد المقاومة الشعبية، ظرفا به راتبه الشهري وساعة يد، وكان البطل يتمنى أن ينال الشهادة وها قد تحققت أمنيته كما أوصى الشيخ حافظ أن يقوم بدفنه بنفسه في لحد من يده في حالة استشهاده ولكن
لم تتَح الفرصة للشيخ حافظ أن يقوم بدفنه نظرا لانشغاله الشديد بإدارة المعركة ولكن إرادة الله تعالى شاءت أن يتم نقل جثمانه بعد 90 يومًا من دفنه من مكانه ليكون داخل سور مقابر الشهداء.
تم إنشاء مدرسة لتحمل اسم البطل الشهيد إبراهيم سليمان، وكذلك مسجدا باسمه في منطقة العوايد بالسويس، وكذلك تم إنشاء مدرسة باسم الشهيد فايز حافظ.
ذهب أبطال السويس إلى جنة الخلد وهم بإذن الله أحياء يرزقون، ذهبوا وتركوا بطولات لا تُنسى وإرثًا لا ينضب للأجيال المقبلة.