رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


رمضان كريم فلا تبخلوا على أنفسكم

2-4-2022 | 12:30


حسين عثمان,

شهر رمضان المبارك بمثابة شهر ضبط النفس في حياتي، فاصل سنوي إجباري أتوقف فيه مع نفسي لأدون ملحوظات على هوامش عام مضى، وأضع الخطوط العريضة على هوامش عام جديد، أعود فيه بذاكرتي سنوات طويلة إلى الوراء، الكل يعود في رمضان إلى حياته الأولى، محل ميلاده وطفولته وصباه وشبابه، وما أجمل أن تكون من مواليد حي تاريخي عريق، ينتمي له جموع المصريين وجدانيًا، حي السيدة زينب رضي الله عنها، فلا تغادر الذاكرة ملامح أيام صيامي الأولى هناك، مقابل مكافآت مالية رمزية من الوالد رحمة الله عليه، تدرجت حتى صار الصيام خالصًا لله، مع أول يوم صمدت فيه حتى أذان المغرب.

كما تستعيد النفس عافيتها في رمضان، بذكريات صحبة الوالد أيضًا رحمة الله عليه، في رحلة رمضانية يومية مثلت بذرة هوى صوفي، يشكل ملمحًا رئيسيًا في تكوين كل من نشأ وعاش في حضرة آل البيت، كنا نذهب يوميًا لأداء صلاة العصر في أحد مساجد القاهرة التاريخية، قبل أن نقرأ القرآن إلى ما قبل صلاة المغرب، وفي ذهاب الرحلة وإيابها يحكي الوالد بعضًا من سيرة صاحب المقام الرفيع، وما يتصل بها من سيرة المكان، فيحلق الخيال بك بعيدًا تعايش الأحداث والشخصيات، إلى أن تجتهد وتبحث وتقرأ لتحصد عنها المزيد من المعارف، الصوفية الحقة فلسفة روحية إيمانية خالصة، وليست أبدًا أضرحة ودراويش وأساطير.


قيمة الوقت هي الأغلى في الحياة، وألمس بركته بحق في رمضان، الشهر الكريم يجبرنا على إعادة تنظيم أيامه ولياليه، قياسًا على مواقيت صلاوات الفجر والمغرب والعشاء والتراويح، الوقت متاح طويلًا فيما بين هذه المواقيت، لإنجاز مهام العمل وأداء الشعائر والعبادات ولقاء الأهل والأقارب والأحباء وممارسة الهوايات، فقط لا تجعل زمام الوقت يفلت من بين يديك، ولا تترك نفسك لشيء على حساب آخر، ضع لنفسك أهدافًا تسعى لتحقيقها على مدار أيام الشهر المبارك، أهداف روحية وعملية واجتماعية وشخصية، جدد روحك وفكرك ووجدانك، لا تجعل النوم سيد الموقف، ولا تستسلم لفكرة أنك صائم عن الحياة بأكملها، لمجرد أنك صائم عن الطعام والشراب.


رمضان هذا العام يأتي بعد عامين تلاشت فيهما ملامحه التاريخية، بفعل انتشار وباء كورونا وتوابعه الأربعة، ولا نتوقع بعد رفع القيود جميعها هذا العام، إلا عودة مفعمة بكل اندفاع نحو تعويض ما فات، صلاة التراويح وموائد الرحمن وتجمعات الأهل والأقارب والأصدقاء والزملاء، البشائر في صلاة التراويح الأولى أمس لا تبشر بالخير، الإجراءات الاحترازية على إطلاقها غير موجودة إلا نادرًا، ولا أتوقع أن يختلف الأمر كثيرًا طوال أيام الشهر الكريم في تجمعات الناس بالمنازل أو الأماكن العامة، ترتفع معدلات انتشار الوباء وتوابعه في مصر، بعد تزايدها في الخارج بنحو شهرين إلى ثلاثة شهور، والموجة السادسة في الخارج تزيد لنحو شهر الآن.


أيضًا يتزامن الشهر الفضيل هذا العام مع موجة غلاء عالمية لم نسلم منها في مصر بطبيعة الحال، وهو ما يفرض ضرورة ترشيد المصروفات من ناحية، ويعظم من أهمية التكافل الاجتماعي من ناحية أخرى، صحيح أن الدولة بذلت أقصى ما في وسعها ولا تزال حتى توفي احتياجات المواطنين في رمضان، كما تواصل العديد من الجمعيات الأهلية جهودها الفاعلة دعمًا لطبقات تظل أكثر احتياجًا، إلا أن الجهود الذاتية لكلٍ منا في موقعه مطلوبة حتى ولو في الدوائر الصغيرة المحيطة، خاصة وأن الحكومة لا تصادف حتى الآن توقعات المواطنين في مواجهة جشع التجار، رمضان كريم فلا تبخلوا على أنفسكم، وهو الآن بين أيديكم.