مقاهي تاريخية| "مقهى الفيشاوي".. ملتقى رواد الفن والفكر (2-30)
لا يعلم الكثير أن المقاهي المصرية تعدّ جزءا يمثِّل تاريخا مهما من تاريخ جمهورية مصر العربية، وأنها ليست مجرد أماكن للتجمعات وقضاء أوقات الفراغ كما يظن البعض، فداخل مصر العديد من المقاهي ذات التاريخ والأثر، الذي يفوح منه عبق التاريخ، وقد شهدت المقاهي المصرية إنطلاقًا فكريًّا وثقافيًا كبيرًا، على مر حقبات زمنية مؤثرة استطاعت تغيير التاريخ، حيث جمعت المقاهي كافة الطبقات الاجتماعية أسفل سقفها، واكتسبت شهرتها من قامات مرتاديها، على كافة المستويات الفكرية والثقافية وفي مختلف المجالات، السياسية والفنية والأدبية وغيرها...
مقهى الفيشاوي هو أشهر مقاهي القاهرة وأقدمها، حيث يرجع تاريخه إلى عام 1979م، ويقع بحي الأزهر، كما أنه ملتقى رواد الفن و الفكر والثقافة مثل محمد عبده وجمال الدين الأفغاني، واكتسب المقهى الكثير من شهرته لأديب نوبل نجيب محفوظ، الذي كان مقهى الفيشاوي مكانه المفضل، حيث شهد المقهى الكثير من مسودات رواياته، وكان يلتقى هناك بمحبيه وأصدقاءه من الفنانين والمفكرين والكتاب، أمثال، إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ويوسف إدريس، ومن الفنانين كمال الشناوي وعزت العلايلي وكمال الطويل ومحمد الموجي والمطرب محمد عبد المطلب والمنشد الديني الشيخ محمد الكحلاوي، وغيرهم...
بدأ المقهى بفكرة بوفيه صغير أنشأه الحاج فهمي علي الفيشاوي، في وسط خان الخليلي، واستطاع أن يشتري المتاجر المجاورة له، ليستقطب رواده من المصريين والسياح.
ويشتهر المقهى بالشاي الذي يقدمه، حيث يقدم الشاي في إبريق معدني صغير، تفوح منه رائحة النعناع، على مائدة معدنية صغيرة، كما تقدم فيه النارجيلة (الشيشة) بنكهات مختلفة، وهو أكثر شيء يقبل عليه مرتادو «الفيشاوي» خاصة من الأجانب.
وينقسم المقهى إلى ثلاث حجرات..
أول حجرة تسمى «الباسفور» وهي مبطنة بالخشب المطعم بالأبنوس، ومليئة بالتحف والكنب العربي المكسو بالجلد الطوبي، وأدواتها من الفضة والكريستال والصيني، وكانت مخصصة للملك فاروق، آخر ملوك أسرة محمد علي، في رمضان، وكبار ضيوف مصر من العرب والأجانب.
وثاني حجرة أطلق عليها «التحفة» وهي اسم على مسمى، وهي مزينة بالصدف والخشب المزركش والعاج والأرابيسك والكنب المكسو بالجلد الأخضر وهي خاصة بالفنانين.
وثالث حجرة هي أغرب الحجرات فهي حجرة «القافية»، وكانت الأحياء الشعبية في النصف الأول من القرن العشرين تتبارى كل خميس من شهر رمضان في القافية، عن طريق شخص يمثلها من سماته خفة الظل وسرعة البديهة وطلاقة اللسان والسخرية، فكان يبدأ ثم يرد عليه زعيم آخر يمثل حيا آخر، ويستمران في المنازلة الكلامية حتى يسكت أحدهما الآخر.