بعد طرح ٢٠٪ من أسهم بنك القاهرة خبراء: «تعويم الجنيه» يُخفض قيمة أصول البنوك والشركات التى سيتم طرحها فى البورصة
تحقيق: محمد حبيب - أميرة جاد
بطرح جزء من أسهم بنك القاهرة فى البورصة المصرية تكون الحكومة قد اتخذت أولى خطوات تنفيذ واحدة من تعهدات برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذى قدمته لصندوق النقد الدولى للحصول على قرض بقيمة ١٢ مليار دولار، وهو ما أفصح عنه صندوق النقد مؤخرا، والتى تضمنت تعهدا بطرح حصص من المشروعات العامة فى البورصة بقيمة ٥ مليارات دولار .
طرح بنك القاهرة ليس الطرح الوحيد للأصول العامة فى البورصة، فقد أعلنت وزيرة الاستثمار أنه بعد طرح أسهم من بنك القاهرة سوف يتم طرح شركة بترول من ثلاث شركات هى «أموك» و «إنبي» و«سيدبك» فى البورصة خلال الربع الحالى من ٢٠١٧.
تفعيل برنامج طرح الأصول العامة فى البورصة بعد تحرير سعر الصرف يثير تساؤلا مهما حول تداعيات تحرير سعر الصرف على الأصول العامة سواء كانت بنوكا أو شركات، وهل يمكن أن يبخس تحرير سعر الصرف قيمة هذه الأصول حاليا أم يصب فى صالح عمليات التقييم؟
الأسبوع الماضى تلقى قطاع الشركات المقيدة التابع للبورصة طلبا من بنك القاهرة لقيد أسهم البنك بجدول قيد الأوراق المالية «أسهم» برأس مال قدره ٢.٢٥ مليار جنيه موزع على ٥٦٢.٥ مليون سهم بقيمه اسمية قدرها ٤ جنيهات للسهم الواحد، وكان طارق عامر محافظ البنك المركزى قد أعلن فى تصريحات صحفية سابقة أنه يعتزم طرح نحو ٢٠ ٪ من أسهم بنك القاهرة للقيد والتداول فى البورصة.
بنك القاهرة هو المرحلة الأولى من برنامج الطروحات، الذى تعتزم الحكومة تنفيذه يتبعها المرحلة الثانية بطرح شركات بترول فى البورصة وذلك بحسب داليا خورشيد وزيرة الاستثمار، مؤكدة فى تصريحات صحفية أن برنامج الطروحات تقوم عليه وزارة الاستثمار ووزارة المالية ونائب محافظ البنك المركزى لبنى هلال، وتمت الاستعانة بأحد بنوك الاستثمار التابعة لبنك الاستثمار القومى التابع لوزارة التخطيط كاستشارى الطرح، ويقوم حاليا البنك بإعداد الدراسة التفصيلية حول أبرز الشركات التى سيتم طرحها ونسب الطرح والتقييم الأمثل.
خورشيد أعلنت أن برنامج طروحات يستغرق نحو ثلاث سنوات، وأنه سوف يبدأ خلال الربع الأول من ٢٠١٧، وأن الطرح سيتم فى البورصة المصرية، إلى جانب طرح شهادات إيداع للشركات المقرر البدء بها فى البورصات العالمية منها بورصتا لندن وناسداك دبي.
ويأتى على رأس الشركات التى سيتم البدء بها فى عملية الطرح، واحدة من شركات الإسكندرية للزيوت المعدنية (أموك)، والشركة الهندسية للصناعات البترولية والكيمياوية (إنبي) وشركة سيدى كرير للبتروكيماويات (سيدبك)»، بنسب الطرح ستتراوح بين ٢٠ و ٣٥٪ .
وأشارت الوزيرة إلى أنه يتم التنسيق حاليا مع بنوك الاستثمار والحصول على الموافقات اللازمة للطرح، وأن طرح الشركات فى البورصة يسبقه الترويج للمناخ العام للاستثمار ثم الترويج للقطاع، وصولا للترويج للشركة نفسها، وأكدت الوزيرة أن برنامج الطروحات هو جزء من مجال الاستثمار غير المباشر وهو برنامج متكامل، سيتم خلال فترة ٣ إلى ٥ سنوات، مؤكدة على ضرورة موافقة مجالس إدارة الشركات والجمعيات العامة لها على النسبة التى ستطرح من هذه الشركات فى البورصة.
وفيما يتعلق بتداعيات سعر الصرف على تقييم البنوك التى تعتزم الحكومة طرح جزء منها فى البورصة يقول الدكتور أحمد آدم الخبير المصرفي: إن تحرير سعر الصرف سيكون له تأثير سلبى على القطاع المصرفى بأكمله، وهو ما سيؤثر بالسلب على تقييمات هذه البنوك وقت طرحها فى البورصة، وأوضح آدم التداعيات السلبية لتحرير سعر الصرف على البنوك فى دراسة حصلت «المصور» على نسخة منها بعنوان «برامج الإصلاح الاقتصادى وتأثيراته على القطاع المصرفي»، حيث أكدت الدراسة أن كل زيادة فى سعر صرف الدولار تؤدى لابتعاد أصحاب الفوائض المالية للاتجاه للاستثمار فى الذهب والعقار والتمسك بالدولار كمخزن للقيمة وهو ما يعود سلباً على معدلات نمو الودائع .
وأشارت الدراسة إلى أن انخفاض هذه المعدلات له تأثيرات سلبية كثيرة أهمها :انخفاض معدل نمو الأصول؛ إذ إن هناك علاقة طردية بين معدل نمو الودائع ومعدل نمو إجمالى الأصول وكذا إجمالى الاستثمارات، وبالتالى فإن تحقيق معدلات نمو متعاظمة للودائع تتيح للبنوك تحقيق معدلات نمو متعاظمة بإجمالى أصولها وكذا استثماراتها، وهو ما يؤثر وبالتبعية إيجاباً على صافى أرباحها والعكس صحيح حال انخفاض معدل نمو الودائع .
كما أن انخفاض معدل نمو الودائع مع زيادة المصدر من أذون الخزانة سيؤثر على السيولة المتاحة بالبنوك، وهو ما سيدفع البنك المركزى لزيادة النقد المصدر، وخلال النصف الأول من العام الحالى زاد النقد المصدر والمتداول بواقع ٤٤,٧ مليار جنيه، حيث زاد النقد المصدر من ٣٢٤,٦ مليار جنيه نهاية العام الماضى إلى ٣٦٩,٣ مليار جنيه نهاية يونيه الماضى .
وأضافت الدراسة أن انخفاض معدلات نمو الودائع سيؤدى إلى مشكلة حادة بالسيولة المتاحة للبنوك خلال الفترة القادمة، وهو ما يحد من قدرة البنك المركزى على الاستمرار فى تدعيم الاحتياطيات الدولية لمصر من العملات الأجنبية من خلال ودائع البنوك بإصدار أذون خزانة بالدولار وكذا قبول ودائع من البنوك بالعملة الأجنبية، مع الوضع فى الاعتبار أن زيادة أسعار صرف الدولار ستؤدى إلى تحقيق بعض البنوك المصرية لفروق تقييم عملة سلبية ستحتاج لتكوين مخصصات لفروق تقييم العملة، مما سيؤثر سلباً وبالتبعية على معدلات نمو صافى الأرباح، بالإضافة أن الارتفاع بأسعار العائد على الودائع بهذا الشكل سيرفع من نسبة المخاطر على استثمارات البنوك خصوصاً فى مجال منح الائتمان، وهو ما سيؤدى لزيادة حجم المخصصات بالبنوك وهو ما سيؤثر على صافى أرباحه.
وأكدت الدراسة أن الارتفاع بأسعار العائد على الودائع وكذا سعر الائتمان والخصم سيرفع من تكلفة الموارد بما ستتزايد معه أسعار الفائدة على القروض والتسهيلات الائتمانية وهو ما سيؤدى لعزوف العملاء الجادين عن التعامل مع البنوك، مما سيؤدى لانخفاض معدلات نمو القروض سواء كانت قروض التجزئة المصرفية أو القروض المقدمة للشركات الكبرى وهو ما سيزيد من الكساد بالأسواق، بما سيؤثر سلباً على معدلات نمو الاستهلاك وبالتبعية على معدلات النمو الاقتصادى.
كل هذه السلبيات التى سيواجهها القطاع المصرفى وفقا للدراسة ستؤدى حتما إلى إضعاف سعر السهم نتيجة تراجع الأرباح لكل ما سبق من آثار لتحرير سعر الصرف على القطاع المصرفي.
ويرى الدكتور مصطفى النشرتى أستاذ التمويل والاستثمار أن قرار تعويم الجنيه وتخفيض قيمته واتجاه البنوك إلى شراء الدولار من الأسواق، تزامن مع ذلك موافقة البنك المركزى على إقراض الشركات التى ليس لها حصيلة دولارية وبالتالى زادت المخاطر على هذه البنوك، لأن سعر الدولار تضاعف وهذه الشركات ليست لها حصيلة دولارية، وبالتالى زادت مخاطر التوظيف فى البنوك وانخفض رأس المال ١٠٪ نتيجة زيادة المخاطر بسبب ارتفاع سعر الدولار وعجز الشركات عن تسديد القروض بالدولار فأصبح معدل كفاية رأس المال فى البنوك أقل من ١٠ ٪، وبالتالى باتت البنوك مهددة بالخروج من المنافسة؛ لأن رأس المال أقل من الحد الأدنى للمخاطر، وبالتالى الحل أمام البنوك هو زيادة رأس المال لتعود النسبة إلى ١٠ فى المائة، ومن ثم لجأ البنك المركزى لطرح أسهم من بنك القاهرة للبورصة كبداية لطرح بنوك أخرى.
وتوقع النشرتى أن يؤدى طرح بنك القاهرة والبنك العربى الإفريقى فى البورصة إلى نشاط البورصة؛ لأن هذه البنوك رابحة وهناك إقبال على أسهم البنوك أكثر من أسهم الشركات، مشيرا إلى أن مستشار الطرح عليه أن يأخذ فى اعتباره سعر التقييم للأصول بعد تحرير سعر الصرف وحسب القوائم المالية لكل شركة.
لكن الدكتور أحمد سليم الخبير المصرفى يستبعد تأثر تقييم سعر سهم البنوك، التى تعتزم الحكومة طرحها فى البورصة بعد تحرير سعر الصرف قائلا «بالعكس يمكن أن يؤثر تحرير سعر الصرف على قيمة الطروحات بالإيجاب وخاصة أن أى اكتتابات خارجية سيتم تحويلها بالجنيه المصري؛ لأن دراسات القيم للأسهم يتم احتسابها بالجنيه وليس بالدولار، وهو ما يجعل تحويل الاكتتابات الخارجية قيمتها أعلى بالجنيه، وأكد سليم أن المخاوف على قيمة الأصول العامة التى ستطرح فى البورصة ليست من تداعيات سعر الصرف وإنما الخوف كله يأتى من الوضع الاقتصادى الراهن، لافتا إلى أن الدول التى تبيع أصولها العامة وهى تعانى عجزا عاما يصل لـ ١٢٪ من الناتج الإجمالى المحلى ستبيع حتما بثمن بخس بينما الدولة التى تبيع وهى تعانى عجزا ماليا منخفضا سيتم تقييم أصولها بشكل أفضل من التى تبيع لسد العجز، وهى قاعدة تجارية بديهية، وألمح سليم إلى أن إعلان الحكومة الهدف من البيع هو إعادة الهيكلة لا يمثل فارقا حيويا فى الصورة التى ستصل لمشترى هذه الأصول؛ لأن الوضع الاقتصادى لمصر لا يخفى على أحد وإنما هى مصطلحات الجميع يعرف أنها لسد العجز المالي.
وحول خطوات التقييم للاسهم العامة فى البورصة يقول الدكتور هشام إبراهيم أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة قناة السويس: مبدأيا السهم يتم قيده بالقيمة الاسمية من رأسمال البنك ولكل سهم يكون له أربع قيم، القيمة الاسمية وهى التى يتم الإنشاء بها، والقيمة الدفترية وهى قيمة مرجعية ولا تمثل فارقا فى التقييم، أما النوع الثالث وهى القيمة العادلة وتحددها مؤسسات التقييم المختلفة وفقا للعديد من المعايير أهمها ربحية القطاع، وأخيرا القيمة السوقية ويتم تحديدها بعد القيمة العادلة وهى التى تعبر عن العرض والطلب على السهم ونشاطه أى أنها القيمة التى يتم التداول عليها، ويتم تقييد السهم بقيمته الاسمية، ثم يتم تحديد القيمة العادلة، ثم يحدد السوق القيمة السوقية، وحول تأثر تقييمات الملكية العامة التى ستطرحها الحكومة للقيد بالبورصة بتحرير سعر الصرف قال إبراهيم إن التعويم سيؤثر فقط على الأصول بالعملة الأجنبية سواء لدى الشركات أو البنوك، مؤكدا أنه بالنسبة للبنوك ٩٠ ٪ من الأصول بالجنيه و١٠ ٪ فقط مقومة بالعملة الأجنبية، لذا فالتعويم يؤثر فقط التوظيفات التى منحتها البنوك بالعملة الأجنبية والاعتمادات المستندية للعملاء.
لافتا إلى أن كل القطاعات تواجه ضغوطا هائلة وضخمة بعد تحرير سعر الصرف أثرت بالتبعية على أرباحها، وهو الأمر الذى يخفض من ربحيتها إن لم يحولها للخسارة، وهو ما يؤكد أن التقييمات السعرية للأسهم ستتأثر بشكل لا يمكن إغفاله.
الدكتور رشاد عبده رئيس منتدى الدراسات الاقتصادية يؤكد أن قرار التعويم سوف يؤثر بالسلب على تقييم الأصول للشركات والبنوك التى سيتم طرحها فى البورصة فى الفترة القادمة؛ لأن هذه الأصول أصبحت رخيصة بعد تخفيض سعر الجنيه وبالتالى هذه الأسهم ستكون رخيصة؛ لأن قيمة العملة تراجعت أمام الدولار وهذا ما شهدناه منذ تحرير سعر الصرف حيث حدث نشاط فى البورصة؛ لأن الأجانب قاموا بالشراء بعد انخفاض أسعار الأسهم نتيجة تراجع قيمة الجنيه امام الدولار، و «أعتقد أن ما حدث جزء من اتفاق صندوق النقد أن تحصل مصر على القرض مقابل تخفيض قيمة الجنيه ورفع الدعم والتعويم سيؤدى الى بيع أصول الشركات والبنوك بتراب الفلوس» وأن البورصة هى أكثر الجهات التى استفادت من تعويم الجنيه.
وأضاف رشاد عبده أنه على الحكومة أن تبحث عن موارد للتنمية المستدامة وليس فقط من طرح شركات فى البورصة، مشيرا إلى أن الأمر الجيد فى الطرح هو أن الدولة ترفع رأس المال وتبيع الزيادة فى البورصة وهذا أفضل، خاصة أن الطرح سيتم فى البورصات المحلية والعالمية وهو ما سيجذب موارد نقد أجنبى من الخارج.
وأشار عبده إلى أن تعويم الجنيه يؤثر على التطوير فى الشركات العامة بسبب ارتفاع أسعار الماكينات والخامات من الخارج وهو ما يؤخر من خطط التطوير بالشركات.
وكان الدكتور أشرف الشرقاوي، وزير قطاع الأعمال العام، قد كلف شركات قطاع الأعمال بعمل مسح شامل يتضمن ١٢٥ شركة، بالإضافة إلى ٩ شركات قابضة، لحصر الأثر المالى لـتعويم الجنيه على شركات قطاع الأعمال.
وقال الشرقاوى إن الشركات التى يجرى حاليا حصر أثر تعويم الجنيه عليها، تعد الأكثر استيرادا فى الخامات والمواد الأولية غير تامة الصنع، وأضاف: أن الشركات الأكثر استيرادا تتأثر أعمالها، لأنها مملوكة للدولة، فى حين يتنافس معها القطاع الخاص، فى كثير من القطاعات.
وتابع: فى المقابل هناك شركات تعمل على التصدير، وتنفذ عمليات تصدير، سيكون لها أثر إيجابى عند تحويل العملة من الدولار إلى الجنيه، وهو ما يجرى حصره أيضا.