د. علي عبد النبي,
أكثر من قرن من الزمان، يتم استغلال مصادر الوقود الأحفورى (فحم وبترول وغاز طبيعى)، لدرجة أنه لم يتسبب فقط فى مشكلات بيئية خطيرة، ولكنه استنفد أيضًا احتياطيات الوقود المحدودة، مما استلزم البحث عن طاقة بديلة نظيفة.
الهيدروجين هو ناقل للطاقة وليس مصدرًا من مصادر الطاقة المتعارف عليها، يعتبر الهيدروجين واعدًا للغاية فى تتابع تطور الوقود مع العديد من الفوائد التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية في ائتمانه، أهمها، أنه يحتوى على أعلى محتوى للطاقة لكل وحدة وزن من أى وقود معروف (142 كيلو جول/جم).
يعتبر التعامل مع غاز الهيدروجين أكثر أمانا مقارنة بالغازات الطبيعية الأخرى المعروفة، والحقيقة الأكثر أهمية هى أن الهيدروجين غاز صديق للبيئة، حيث أن احتراقه يطلق الماء فقط كمنتج تفاعل، هذه الميزات تجعل الهيدروجين مرشحا مثاليا لاستبدال الوقود الأحفورى.
على الرغم من أن الهيدروجين هو العنصر الأكثر وفرة فى قشرة الأرض، إلا أنه من الصعب العثور عليه كغاز هيدروجين، هناك طرق مختلفة لإنتاج الهيدروجين، وأشهر تكنولوجيات الإنتاج هى تلك التي تعتمد على إعادة تشكيل الهيدروكربونات، مثل إعادة التشكيل بالبخار، وإعادة تشكيل ثانى أكسيد الكربون، والأكسدة الجزئية.
من بين التكنولوجيات والمواد الخام المختلفة المتاحة اليوم، يتم إنتاج الهيدروجين بشكل أساسى عن طريق إعادة تشكيل الغاز الطبيعى بالبخار، تشير البيانات الفنية إلى أن ما يقرب من 47٪ من الطلب العالمي يتم إنتاجه عن طريق إعادة التشكيل بالبخار للغاز الطبيعى، و30٪ من إعادة تشكيل البترول وكذلك النافتا من مصافى تكرير البترول والغازات المنبعثة من الصناعية الكيميائية، و18٪ من تغويز الفحم، و4٪ من التحليل الكهربائى للماء، و1٪ من الكتلة الحيوية.
تعتبر الطرق الكيميائية للمصادر الأحفورية لإنتاج الهيدروجين هى العمليات الرئيسية للإنتاج، ويرجع ذلك أساسًا إلى الإنتاجية المرتفعة من الهيدروجين الذى يتم تحقيقه فى التفاعلات الكيميائية، مما يجعل هذه الطرق أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية، ومع ذلك، فإن إعادة تشكيل الهيدروكربونات مكلفة من حيث الطاقة لأن تفاعلاتها ماصة للحرارة، وتحدث هذه العمليات عادة فى درجات حرارة عالية (نحو 800 درجة مئوية)، بالإضافة إلى ذلك، فإن خطوات إعادة التشكيل تطلق كمية كبيرة من الغازات الدفيئة، مثل أول أكسيد الكربون وثانى أكسيد الكربون، أيضًا، يستخدم إعادة تشكيل الهيدروكربونات مواد غير متجددة وموادا أولية أحفورية. هذه الحقائق تتواكب مع هدف إنتاج مصدر بديل للطاقة النظيفة.
في الوقت الحاضر، أصبحت عمليات إنتاج الهيدروجين البيولوجية مهمة بشكل رئيسى لسببين: استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتشغيلها فى درجة الحرارة المحيطة وضغط الغلاف الجوى.
هناك طرق بيولوجية مختلفة لإنتاج الهيدروجين، مثل عمليات التمثيل الضوئى والتخمير، بدايةً، هذه التكنولوجيا تقوم على زراعة كائنات حية دقيقة، وفى ظل ظروف فسيولوجية معينة، يمكن لبعض من هذه الكائنات إنتاج هيدروجين.
عمليات إنتاج الهيدروجين بيولوجيا عن طريق الضوء، تستخدم الكائنات الحية الدقيقة وضوء الشمس فى إنتاج الهيدروجين من تقسيم الماء، وأحيانًا تحويل المواد العضوية، إلى هيدروجين. يعد هذا مسارًا تكنولوجًيا طويل المدى فى المراحل المبكرة من البحث، وله إمكانات طويلة الأجل لإنتاج الهيدروجين المستدام بتأثير بيئى منخفض.
هناك أربعة كائنات حية دقيقة يمكنها إنتاج الهيدروجين، وهى (1) الطحالب الخضراء، (2) البكتيريا الزرقاء، (3) البكتيريا الأرجوانية غير الكبريتية، (4) البكتيريا التخميرية الداكنة.
فى العمليات الحيوية الضوئية تستخدم الميكروبات ضوء الشمس كمصدر للطاقة. الكائنات الحية الدقيقة، مثل الطحالب الدقيقة الخضراء أو البكتيريا الزرقاء تستخدم ضوء الشمس فى تقسيم الماء إلى أكسجين وأيونات الهيدروجين. ثم يمكن دمج أيونات الهيدروجين من خلال طرق مباشرة أو غير مباشرة وإطلاقها كغاز هيدروجين.
فى عملية تحويل الكتلة الحيوية لإنتاج الهيدروجين عن طريق الميكروبات، عن طريق التمثيل الضوئى، تستخدم بعض الميكروبات ضوء الشمس كمحرك لتفكيك المواد العضوية.
هذه التكنولوجيا تواجه بعض التحديات منها، أن معدلات إنتاج الهيدروجين منخفضة، كما أن تقسيم الماء بهذه الطريقة ينتج منها الأكسجين، مما يثبط تفاعل إنتاج الهيدروجين بسرعة، ويمكن أن يكون مشكلة تتعلق بالسلامة عند مزجه مع الهيدروجين بتركيزات معينة.
تكمن العيوب الرئيسية لهذه التكنولوجيا فى كفاءتها المنخفضة حاليا، وحقيقة أنها تتطلب مساحة كبيرة من الأرض وكميات كبيرة من المياه.
يستهلك إنتاج الهيدروجين الحيوى الضوئى غاز ثانى أكسيد الكربون الموجود بشكل طبيعى لإنتاج الأكسجين والكتلة الحيوية، ومن ثمَّ فهى متجددة ومستدامة.
كما تواجه هذه التكنولوجيا صعوبات من حيث معدل إنتاج الهيدروجين المنخفض جدا، والكفاءة المنخفضة من الطاقة الشمسية إلى الهيدروجين، مما يجعله مسارا غير قابل للتطبيق تجاريا لإنتاج الهيدروجين فى الوقت الحاضر.
فى تكنولوجيا إنتاج الهيدروجين بيولوجيا عن طريق التخمير الضوئى، يتم تحويل بعض المركبات العضوية مثل، أحماض الخليك وأحماض اللبنيك وأحماض الزبد، إلى هيدروجين وثانى أكسيد الكربون بواسطة بكتيريا التمثيل الضوئى فى وجود ضوء الشمس فى ظروف لاهوائية.
أثناء التخمير الضوئى، يشارك كل من إنزيمات الهيدروجيناز والنيتروجيناز فى إنتاج الهيدروجين اعتمادا على الظروف الفسيولوجية للكائنات الحية الدقيقة.
فى إنتاج الهيدروجين بيولوجيا عن طريق التخمير يكون من مصادر متجددة، مثل النفايات السائلة والنفايات الصناعية والزراعية.
التخمير الداكن هو عملية الهضم اللاهوائى للمواد العضوية، ويعتبر أبسط عملية للحصول على الهيدروجين الحيوى. يحدث التخمير فى الظلام عند ضغط الغرفة، وعادة ما يظهر معدلات إنتاج عالية للهيدروجين بالمقارنة مع طرق التمثيل الضوئى.
فى عملية التخمير، تعتبر الكربوهيدرات مثل السليلوز، والهيميسليلوز، والنشا من المواد الأولية الشائعة المتوفرة مجانا فى الكتلة الحيوية النباتية والنفايات الزراعية.
هناك ثلاثة أنظمة رئيسية تستخدم فى تكنولوجيا إنتاج الهيدروجين بالتخمير، وهى، إنتاج الهيدروجين باستخدام التخمير الداكن لمخلفات الطحالب، وإنتاج الهيدروجين باستخدام التخمير الداكن لمادة خام من اللجنوسليلوز "كتلة حيوية خشبية"، وإنتاج الهيدروجين من خلايا التحليل الكهربائى الميكروبية باستخدام نفايات التخمير الداكن كمادة أولية.
من خلال التخمير الداكن "فى غياب الضوء"، تقوم الكائنات الحية الدقيقة مثل البكتيريا بتفكيك المواد العضوية لإنتاج غاز الهيدروجين. لزيادة معدل إنتاج الهيدروجين، يمكن هندسة البكتيريا من أجل زيادة نشاط التمثيل الغذائى.
فى إنتاج الهيدروجين عن طريق التخمير الداكن للكتلة الحيوية الخشبية "اللجنوسليلوز"، يستخدم حطب الذرة كمادة أولية، والنفايات الناتجة تستخدم كمادة أولية فى خلايا التحليل الكهربائى الميكروبية، وبالتالى، فإن تكامل التخمير للكتلة الحيوية الخشبية "اللجنوسليلوز"، يعتبر مستهلكا للنفايات.
من مميزات هذه التكنولوجيا، هى إمكان تواجد خلايا وخزانات نظام توليد الهيدروجين فى موقع العمل.
يمكن معالجة التخمير الداكن باستخدام مجموعة واسعة من المركبات العضوية كركيزة. إلى جانب استخدام الجلوكوز والكربوهيدرات البسيطة أو البوليمرات مثل النشا والسليلوز، فقد جذب التخمير الداكن اهتماما كبيرا نظرا لإمكانية استخدام النفايات العضوية لإنتاج الهيدروجين الحيوى.
فى تكنولوجيا التخمير الداكن أمكن استخدام مياه الصرف كركيزة محتملة لإنتاج الهيدروجين الحيوى، وجذب اهتماما كبيرا.
الآن أصبحت مياه الصرف ركيزة مخمرة لإنتاج الهيدروجين، وهى تمتلك معظم المعايير المطلوبة لاختيار الركيزة ، وهى التوافر والتكلفة والقابلية للتحلل البيولوجى. وأمثلة على مياه الصرف الصحى، نجد مياه الصرف الصحى الكيميائية، ومياه الصرف الصحى للماشية، ومياه الصرف الناتجة عن عمليات إنتاج الألبان، ومياه صرف مصانع الورق، والنفايات السائلة من النشا، ومياه الصرف الصحى لمصانع الأغذية، ومياه الصرف الصحى المنزلية، ومياه الصرف الصحى لمصانع نبيذ الأرز، ومياه الصرف الصحى القائمة على معامل التقطير والدبس، ونفايات قش القمح، ومياه الصرف الصحى لمصانع زيت النخيل، وكلها تعتبر ركيزة قابلة للتخمير لإنتاج الهيدروجين، جنبا إلى جنب مع معالجة مياه الصرف الصحى.
بذلك نستطيع أن نقول، إن استخدام مياه الصرف كركيزة قابلة للتخمر، يسهل من خلالها معالجة مياه الصرف الصحى، بالإضافة إلى إنتاج الهيدروجين.