رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


المثقفون والثورة

8-2-2017 | 12:23


بقلم: أحمد بهاء الدين

 

هذه مقدمة كتاب د. مصطفى عبدالغنى “المثقفون وعبدالناصر” كتبها الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين قبل مرضه الأخير

حتى الآن لا يوجد تعريف شامل، وعلمى، للمثقف.. فالمثقفون طبقة غريبة يصعب وصفها: هل تشمل المهتمين بالعلوم الإنسانية أم بالعلوم الطبيعية أم أولئك العسكريين الذين لهم عدد كبير من الاجتهادات فى هذا الحقل؟؟ باختصار، ملاحظات كثيرة تزيد من (إشكالية) التعريف سواء على المستوى الفكرى أو الإجرائى.

وتتعدد الاهتمامات والتفريعات كلما اقتربنا من التعريف.

إن اليسارى يرى أن اليساريين هم المثقفون واليمينى لا يخرج عن ذلك فى إطار انتمائه الأيديولوجى.. وهلم جرا.. كما أن علاقة المثقف بالسلطة بشكلها النظرى تزيد المشكلة تعقيدا.. ما هى طبيعة هذه العلاقة؟ وحين يصبح المثقف هو السلطة، أين المثقف؟ لدينا المثقف فى صورته: محام، قاض، أستاذ جامعة، صحفى...إلخ إذا تولى منصباً رسمياً تحول إلى وضعية أخرى.

السؤال يظل معلقا: كيف تحول المثقف إلى سياسى؟

المهم هنا أن نضع فى أذهاننا موضوع خروج المثقفين من السلطة أو دخولهم إليها، الآثار التى تعكس نفسها على المصطلحات.

حين يصبح المثقف (كادرا) فى منصب سياسى، فإنه لا يخرج عن الإطار الجديد الذى وضع فيه، وبالتالى، فإن كلمة المثقف هنا لا تعنى- بالضرورة- أن ينتمى إلى المعارضة، فإذا دخل النظام خرج من صف المعارضين، وإذا ظل فى صف المثقفين كثيراً ما يعد فى مواجهة النظام.. وهذا يصنع فارقاً بين كون المثقف داخل السلطة أو خارجها..

وهى مسألة يجب التنبه إليها حسب الدور الذى يمنح لهذا المثقف أو ذاك فى هذا المنصب أو غيره..

ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن المثقف ليس بالضرورة أن يظل معارضاً، فقد يتحول فى اليوم التالى إلى حاكم، ويظل أبلغ مثال من تاريخنا إسماعيل صدقى، إن كتب التاريخ عندنا تعتبره (عدو الشعب)، غير أننا لابد أن نعترف أن إسماعيل صدقى- بوجه خاص- يظل أهم المثقفين المصريين إذ سبق جيله بأكمله فى إدراك قضايا كثيرة، وفهم استراتيجياتهم منذ فترة مبكرة، فى حين أن جيله من المثقفين- فى أغلبهم- كانوا بعيدين عن إدراك كثير من القضايا التى عرفها صدقى وتعامل معها بذكاء.

إسماعيل صدقى لا أعرفه بشكل شخصى، غير أن هذا المثل الذى جاء عفو الخاطر، إنما جاء ليؤكد أن هذا المثال كان متقدماً فى إدراك ما يحدث عنه، عن غيره، وبوجه خاص فى الاقتصاد السياسى، وكانت له فيه أفكار وآراء فى غاية الأهمية، ومع ذلك، كانت حكومته تتعارض مع إرادة الشعب بموقف معين، ومن هنا، يمكن أن نتصور كيف كان يعى القوانين الأساسية لفهم الرأسمالية الصناعية..

أن نكون معه، أو ضده، فإن ذلك أمر آخر.

وهذا لا يقلل من وجود صدقى ضمن دائرة المثقفين.

وهو ما يحتم علينا الإسهاب أكثر حول طبيعة المثقف.

المثقف:

من الضرورى أن نؤكد فى هذا السياق ليس من الضرورى أن يكون المثقف التقليدى هو المثقف التقدمى، كما أنه ليس من الضرورى أن يكون المثقف التقدمى هو المثقف المعارض..

وما دمنا بصدد التاريخ، فلنصعد أكثر، ونعود إلى طرح السؤال الأول، والمهم، من هو المثقف؟

ونحاول أن نطرح تصوراً آخر للمثقف: دوره طبيعته.

إن المثقف ليس فارساً مدججاً بالسلاح، يرتدى دروعاً حديدية لا يخترقها الرصاص ويتأهب ليخوض معركة.. المثقف- فى رأيى- هو ابن مجتمعه، ابن ظروفه التاريخية، ولا أريد أن أضع المثقف بكل ما له وحوله أمام الفحص التاريخى وفى ضوء تقدير العوامل الإنسانية.

ولندع المثقف المعاصر، المؤيد أو المهادن، ونعد إلى التاريخ الوسيط أو القديم، لنرى- عبر تداعى الأسئلة- كيف كان أبو الطيب المتنبى:

هل هو مثقف أم لا؟ أضف إليه كل الشعراء العرب الذين تركوا لنا أعظم التراث.. لقد كان المتنبى كالشعراء لا يختلف مع الأمير على قصيدة، وإنما على القيمة المادية التى تمنح، وفى الوقت نفسه، فإن المتنبى- كشاعر كبير- لم يكن ليستطيع أن يختلف مع الأمير اللهم إلا إذا استطاع الفرار منه، لا يستطيع المواجهة، وفى الوقت نفسه، لا يستطيع الاستغناء، ولعل البيت الذى أطلقه فى ذلك الوقت على كافور، كاف لتلخيص موقف المثقف كله يقول:

لا تشتر العبد إلا والعصا معه

إن العبيد لأنجاس مناكيد

هل نذكر متى قال المتن هذا البيت؟ ولماذا؟

لا يجب أن يعتقد البعض أننى أهاجم المثقف، لكنه الواقع.

وما حدث مع المتنبى كان يحدث فى أوربا وبنفس الحالة، لقد كان الشاعر فى حماية خليفة أو فى رحاب بلاط، لقد كان المثقف فى الغرب وحتى القرن التاسع عشر (١٩ ميلادى) كان لابد- مفكر أو أديب- أن يكون فى رعاية سلطة تحميه حتى جاء جان جاك روسو وفولتير اللذان كانا يبشران بالثورة، لقد كان لهما نوع من الحماية بشكل أو بآخر فى ذلك الوقت، لماذا؟ لأن حماية البلاط أو السلطة كانت تأخذ أشكالاً مغايرة لكنها لا تختلف قط عن الجوهر، ولقد استبدل بالخليفة أو الحاكم أمراء الإقطاع، ثم الحماية المعنوية، وقد كان ذلك بالنسبة لكل الاهتمامات: فكرية أو أدبية.

كان الواقع فى الشرق العربى هو هو فى الغرب الأوربى.

وقد ظل قائماً ومعترفاً به حتى ظهور الجمهور فى الدولة المدنية كما نعرفها اليوم..

وقد كان هذا التطور فى تغيير شكل الحماية يتخذ أمثلة كثيرة، وسوف نكتفى منها هنا، بالموسيقى.. ظهرت فى البداية موسيقى الحجرة، وحين جاءت مرحلة الجمهور، بدأ التطور يأخذ أشكالاً عدة وهى مرحلة متأخرة نسبياً، إذ أصبح- حتى- العازف الموسيقى يستطيع أن يعتمد على سلطة أخرى (ليست الآن وساطة أمير أو إقطاعى)، وإنما على الجمهور، وظهرت القاعات الكبرى،، إلى غير ذلك من مظاهر تطور الفن الموسيقى، الشىء نفسه حدث بالنسبة للمثقفين فى الفروع الأخرى، وفى مجالات الإبداع السياسى والاجتماعى والفكرى..

إن قوة أؤ ضعف المثقفين الذين تحركهم رسالة التغيير كان لابد أن يكون لهم نوع من الحماية لا الضمانات الشخصية، أما الآن، فيتحرك المثقف فى إطار جديد تماماً، إنه إطار التعليم، تأثير الجمهور، السلطة الديمقراطية تأثير الرأى العام.

حين أصبح الأمر يرتبط بجمهور وصحف ورأى عام تغير الأمر.

أريد أن أقول: إنه قبل مائة عام لم تتردد فى أى كتاب كلمة أو تعبير (الرأى العام) فهذا التعبير شىء جديد علينا، شىء يحمينى، يحدد موقفى، صفة أستند إليها، أحس أننى أنهض برسالة، هذا الرأى العام لم نعرفه من قبل، وإن كان موجوداً فى أوربا فى وقت متأخر ثم تدعم فى مؤسسات برلمانية وحزبية وصحفية وجامعية.. إلى غير ذلك، فذلك كله لم يكن موجوداً فى تاريخنا نحن.

ربما يبدو ذلك خارج الموضوع لكنه لا ينفصل عنه قط..

نحن الآن جزء من عالم مختلف، الأمية عندنا تزيد على خمسين فى المائة، هلى يعتقد أحد أن المثقف حين يحس أنه فى العراء، بدون حماية، مدنية، هو المثقف الذى يحس أنه فى منطقة المجتمع المدنى بكل ما فيه من مؤسسات ورأى عام إلى غير ذلك؟.. إن الكاتب عندنا لا يجد من يحميه، فإن هناك درجة من المخاطرة، ومع ذلك، يجب أ نشجع المثقف فى هذا العالم ونحن نتذكر أن المثقفين عندنا لاقوا الإعنات فى غيبة مؤسسة مدنية واعية: هل نذكر ابن حنبل الذى سجن فى عهد المأمون لقضية لا قيمة لها؟ هل نذكر الحلاج، قضيته والمصير الذى انتهى إليه؟

من المؤكد أن مؤسساتنا حتى الآن ضعيفة أقصد هذه المؤسسات التى تكون الرأى العام، المؤسسات التى تكون الرأى العام وتصنعه وتحاول الدفاع عنه مثل الجامعات والمجالس النيابية والقضاء والمؤسسات الصحفية .. إلى غير ذلك .

وهنا ألاحظ أن موقف المثقفين ضعيف ..

تابع التفاصيل في العدد الجديد في المصور الموجود حالياً في الأسواق .