مزامير التلاوة.. الشيخ محمد صديق المنشاوي (30-10)
يأتي شهر رمضان المعظم وتتلألأ أصوات قراء القرآن الكريم، حيث تضم مدرسة التلاوة المصرية العديد من الأسماء البارزة التي تعدت شهرتها حاجز الزمان والمكان، أصوات من الجنَّة تشدو على أرض الكنانة، يمتازون بحلاوة الصوت ووضوح المخارج والتمكن من الأحكام والضوابط، فمصر هي مهد التلاوة، فكما قيل" نزل القرآن في مكة وقرأ في مصر" فغالبية مشاهير القراء مصريون، وهم من علموا العالم الإسلامى أصول وفن التلاوة بأصوات عبقرية متفردة، وأرسى العديد منهم أسس التلاوة، وكانت تلاوتهم لآيات القرآن الكريم مثار إبهار وتعظيم لكل من استمع إليهم، واستمد من أصواتهم شغفا لفنون التلاوة والإنشاد الدينى الجميل.
ويجتمع المصريون في شهر رمضان المبارك للاستماع إلى آيات الذكر الحكيم، من عدد من الشيوخ الذين أثروا في الوجدان المصري، وتقدم بوابة "دار الهلال" يومياً خلال الشهر المبارك مقطع إذاعي لأحد اشهر القراء الكرام.
محمد صديق المنشاوي إمام من أئمة التلاوة، ولد فى مركز "المنشأة" محافظة سوهاج سنة 1920م، فى بيت علم وفضل واهتمام بتلاوة القرآن الكريم وتدارسه، فوالده صديق السيد كان من القراءالمجيدين، اشتهر فى مصر، وله تسجيلات ما زالت تبث بإذاعة سوريا ولندن، التحق بكتـّاب القرية، وعمره أربع سنوات، وأتم ختم القرآن الكريم وهو فى سن الثامنة، وانتقل إلى القاهرة ليتعلم علوم القرآن ونزل فى ضيافة عمه، وعندما بلغ الثانية عشرة درس علم القراءات على يد الشيخ محمد مسعود الذى أعجب به، وأخذ يقدمه للناس فى السهرات، حتى بلغ الخامسة عشرة فاستقل.
ظل يقرأ فى المساجد والمحافل حتى اشتهر أمره وصار قارئاً معتمداً لدى الإذاعة، حاملاً لقب "مقرئ الجمهورية المصرية المتحدة"، لبى دعوة رؤساء بعض الدول للقراءة فى الخارج، كدعوة الرئيس الأندونيسى أحمد سوكارنو، برفقة نظيره الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، فبكى أثناء تلاوته لبكاء الجمهور المتواصل، وقد منحه سوكارنو وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، وحصل على وسام الاستحقاق من الطبقة الثانية من سوريا، أصيب الشيخ بدوالى المرىء منذ سنة 1966 حتى اختاره الرحيم لجواره الكريم، ليتوفاه عام1969م.
وقد نزل الذكر الحكيم على رسولنا الكريم بلسان عربي مبين، إلا أن لغة العرب كانت متعددة اللهجات، فأنزل الله كتابه موافقا لتعدد لهجاتهم من باب التيسير، فقد جاء هذا الدين برفع المشقة والحرج، وهكذا فقد يسّر الله عزّ وجلّ تلاوةَ هذا القرآن على الأمَّة في القراءات المتواترة، وأنزله على أحرف سبعة؛ لأنه هو الدستور الذي تحيا به أمة الإسلام.
ومن هنا نشأ علم القراءات، وهو اصطلاحًا ما تمت نسبته من القراءة إلى أحد أئمةِ القراءات العشر المشهورين، وقد عرف ابن الجزري القراءات بأنها: "علمٌ بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها مَعزوًا لناقله"، وقال الدمياطي: "علم يُعلم منه اتفاق الناقلين لكتاب الله تعالى واختلافهم في الحذف والإثبات والتحريك والتسكين والفصل والوصل، وغير ذلك من هيئة النطق والإبدال وغيره من حيث السماع".
وقد اقر رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – الصحابة الكرام على مختلف لهجاتهم، وكان يقرئ كل قبيلة بما يوافق لهجتها، فحرص ممثلوها أشد الحرص على ملازمة تلك القراءات التي يعلمهم إياها حرفا بحرف، وحركة بحركة.
وقد نقل التابعون هذه القراءات عن الصحابة بدرجة فائقة الإحكام والدقة والتجويد، وقد كرس ذوو الهمم العالية منهم حياتهم وأعمارهم وجهودهم لإقراء القرآن وضبط ألفاظه وتحقيق رواياته، وجعلوا هذه المهمة الرفيعة هدفهم الأوحد وشغلهم الشاغل، فأصبحوا أئمةً كمصابيح الدجي يقتدى بهم، ويؤخذ عنهم، وتشد إليهم الرحال، وقد نسبت القراءات إليهم.
وفي أواخر عهد التابعين؛ تسللت الكثير من مظاهر العجمة، وبعض من بوادر اللحن إلى القراءة، فانتفض علماء القرآن الفطناء، وأئمته الأتقياء، وعنوا بحصر القراءات وضبطها، وتحري أسانيدها، ونبذ ما شاذ من القراءات، فحازوا ثقة القراء واجتمع عليهم العلماء، وجابت شهرتهم الأمصار، إنهم أئمة القراءات العشر الأخيار، الذين تواترت قراءاتهم، وثبتت رواياتهم، ومن بين تلك القراءات التي اعتمدها العلماء:
1-نافع: وهو أبو رؤيم قارئ المدينة من تابعي التابعين توفي في المدينة196هـ، وراوياه هما: "قالون" وهو عيسى بن مينا المدني، و"ورش" عثمان بن سعيد المصري.
٢-ابن كثير: عبد الله بن كثير قارئ مكة تابعي توفي بمكة 120 هـ، وراوياه هما: "البزي" أحمد بن محمد بن بزة المكي، "قنبل" محمد بن عبد الرحمن المكي.
3-أبو عمرو: زبان بن العلاء البصري توفي بالكوفة 154هـ، وراوياه هما: "الدوري" حفص بن عمر، "السوسي" صالح بن زبان.
4-ابن عامر : عبد الله بن عامر تابعي دمشقي توفي بها سنة118هـ، وراوياه هما: "هشام" بن عمار الدمشقي، "ابن ذكوان" عبد الله بن أحمد القرشي.