مزامير التلاوة.. الشيخ عبد الباسط عبد الصمد (30-12)
يأتي شهر رمضان المعظم وتتلألأ أصوات قراء القرآن الكريم، حيث تضم مدرسة التلاوة المصرية العديد من الأسماء البارزة التي تعدت شهرتها حاجز الزمان والمكان، أصوات من الجنَّة تشدو على أرض الكنانة، يمتازون بحلاوة الصوت ووضوح المخارج والتمكن من الأحكام والضوابط، فمصر هي مهد التلاوة، فكما قيل" نزل القرآن في مكة وقرأ في مصر" فغالبية مشاهير القراء مصريون، وهم من علموا العالم الإسلامى أصول وفن التلاوة بأصوات عبقرية متفردة، وأرسى العديد منهم أسس التلاوة، وكانت تلاوتهم لآيات القرآن الكريم مثار إبهار وتعظيم لكل من استمع إليهم، واستمد من أصواتهم شغفا لفنون التلاوة والإنشاد الدينى الجميل.
ويجتمع المصريون في شهر رمضان المبارك للاستماع إلى آيات الذكر الحكيم، من عدد من الشيوخ الذين أثروا في الوجدان المصري، وتقدم بوابة "دار الهلال" يومياً خلال الشهر المبارك مقطع إذاعي لأحد اشهر القراء الكرام.
الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد سليم داود، أحد أشهر قراء القرآن الكريم في العالم الإسلامي، ويتمتع بشعبية كبيرة في أنحاء العالم لجمال صوته ولأسلوبه الفريد، و لُقب بالحنجرة الذهبية وصوت مكة.
ولد الشيخ عام 1927 بقرية المراعزة التابعة لمدينة أرمنت بمحافظة قنا جنوب مصر، وجده الشيخ عبد الصمد كان من الحفظة المشهود لهم بالتمكن من حفظ القرآن وتجويده بالأحكام، والوالد هو الشيخ محمد عبد الصمد، أحد المجيدين للقرآن حفظاً وتجويداً.
حين بلغ الشيخ عبد الباسط الثانية عشرة من العمر انهالت عليه الدعوات من كل مدن وقرى محافظة قنا، خاصة أصفون المطاعنة بمساعدة الشيخ محمد سليم، وفى عام 1950م ذهب إلى الاحتفال بمولد السيدة زينب، والذى كان يحييه عمالقة القراء المشاهير من كوكبة قراء الرعيل الأول بالإذاعة، فاستأذن أحد أقارب الشيخ عبد الباسط القائمين على الحفل أن يقدم لهم هذا الفتى الموهوب ليقرأ عشر دقائق، فأذن له وبدأ فى التلاوة وسط جموع غفيرة وكانت التلاوة من سورة الأحزاب، وعم الصمت أرجاء المسجد واتجهت الأنظار إلى القارئ الصغير الذى تجرأ وجلس مكان كبار القراء.
مع نهاية عام 1951 طلب الشيخ الضباع من الشيخ عبد الباسط أن يتقدم إلى الإذاعة كقارئ بها، ولكن الشيخ عبد الباسط أراد أن يؤجل هذا الموضوع، نظراً لارتباطه بالصعيد وأهله، ولكن الشيخ الضباع كان قد حصل على تسجيل لتلاوة الشيخ عبد الباسط بالمولد الزينبى، وقدم هذا التسجيل للجنة الإذاعة فانبهر الجميع بالأداء القوى العالى الرفيع المحكم المتمكن وتم اعتماد الشيخ عبد الباسط بالإذاعة عام 1951 ليكون أحد النجوم اللامعة فى سماء التلاوة.
وقد نزل الذكر الحكيم على رسولنا الكريم بلسان عربي مبين، إلا أن لغة العرب كانت متعددة اللهجات، فأنزل الله كتابه موافقا لتعدد لهجاتهم من باب التيسير، فقد جاء هذا الدين برفع المشقة والحرج، وهكذا فقد يسّر الله – عزّ وجلّ – تلاوةَ هذا القرآن على الأمَّة في القراءات المتواترة، وأنزله على أحرف سبعة؛ لأنه هو الدستور الذي تحيا به أمة الإسلام.
ومن هنا نشأ علم القراءات، وهو اصطلاحًا ما تمت نسبته من القراءة إلى أحد أئمةِ القراءات العشر المشهورين، وقد عرف ابن الجزري القراءات بأنها: "علمٌ بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها مَعزوًا لناقله"، وقال الدمياطي: "علم يُعلم منه اتفاق الناقلين لكتاب الله تعالى واختلافهم في الحذف والإثبات والتحريك والتسكين والفصل والوصل، وغير ذلك من هيئة النطق والإبدال وغيره من حيث السماع".
وقد اقر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الصحابة الكرام على مختلف لهجاتهم، وكان يقرئ كل قبيلة بما يوافق لهجتها، فحرص ممثلوها أشد الحرص على ملازمة تلك القراءات التي يعلمهم إياها حرفا بحرف، وحركة بحركة.
وقد نقل التابعون هذه القراءات عن الصحابة بدرجة فائقة الإحكام والدقة والتجويد، وقد كرس ذوو الهمم العالية منهم حياتهم وأعمارهم وجهودهم لإقراء القرآن وضبط ألفاظه وتحقيق رواياته، وجعلوا هذه المهمة الرفيعة هدفهم الأوحد وشغلهم الشاغل، فأصبحوا أئمةً كمصابيح الدجي يقتدى بهم، ويؤخذ عنهم، وتشد إليهم الرحال، وقد نسبت القراءات إليهم.
وفي أواخر عهد التابعين؛ تسللت الكثير من مظاهر العجمة، وبعض من بوادر اللحن إلى القراءة، فانتفض علماء القرآن الفطناء، وأئمته الأتقياء، وعنوا بحصر القراءات وضبطها، وتحري أسانيدها، ونبذ ما شاذ من القراءات، فحازوا ثقة القراء واجتمع عليهم العلماء، وجابت شهرتهم الأمصار، إنهم أئمة القراءات العشر الأخيار، الذين تواترت قراءاتهم، وثبتت رواياتهم، ومن بين تلك القراءات التي اعتمدها العلماء:
1- نافع: وهو أبو رؤيم قارئ المدينة من تابعي التابعين توفي في المدينة196هـ، وراوياه هما: "قالون" وهو عيسى بن مينا المدني، و"ورش" عثمان بن سعيد المصري.
٢- ابن كثير: عبد الله بن كثير قارئ مكة تابعي توفي بمكة 120 هـ، وراوياه هما: "البزي" أحمد بن محمد بن بزة المكي، "قنبل" محمد بن عبد الرحمن المكي.
3- أبو عمرو: زبان بن العلاء البصري توفي بالكوفة 154هـ، وراوياه هما: "الدوري" حفص بن عمر، "السوسي" صالح بن زبان.
4- ابن عامر: عبد الله بن عامر تابعي دمشقي توفي بها سنة118هـ، وراوياه هما: "هشام" بن عمار الدمشقي، "ابن ذكوان" عبد الله بن أحمد القرشي.