سفيرات السينما.. معركة كاريوكا مع سوزان هيوراد (الجزء الثاني)
تناولنا في الجزء الأول دور السينما المصرية وأهدافها السامية، وأن دورها لم يقتصر على الترفيه وطرح قضايا المجتمع فحسب بل أيضا إتقان العمل السينمائي للمنافسة به خارج حدود الوطن العربي، ووضع مصر على خريطة العالم المبدع في هذا المجال، وكانت السفيرة الأولى الفنانة الرقيقة فاتن حمامة، وفي هذا الجزء نتناول دور الفنانة تحية كاريوكا كسفيرة وواجهة للسينما المصرية.
رواسب من تعسف هوليوود
فرت الفنانة سامية جمال من ذكريات قصة حبها مع فريد الأطرش وتركت القاهرة وذهبت إلى أمريكا لترقص في أعظم الملاهي، حيث رقصت في اثنتي عشرة ولاية أمريكية، لكنها حين ذهبت إلى هوليوود منعها كبرياؤها من أن تطلب عملا، وعادت إلى القاهرة بعد أن دعاها فشل قصة حبها إلى الفرار إلى أمريكا .. وربما الغيرة المهنية قد دعت الفنانة تحية كاريوكا أن تجرب السفر إلى هوليوود للعمل بها، لكن تحية سافرت أثناء موجة التعصب السائدة ضد مصر والعرب في منتصف الخمسينيات، فوجدت أن رؤوس الأموال العاملة في الحقل السينمائي تدين للصهيونية بالخضوع، لذلك تعثرت خطوات تحية وعادت إلى القاهرة، وقد تركت تلك المحاولة في نفسها رواسب.
حقق فيلم "شباب امرأة" نجاحًا مدويا وإيرادات عالية فشارك به منتجه رمسيس نجيب في مهرجان كان عام 1956، وسافر الوفد المصري يترأسه رمسيس نجيب وعلى رأسهم تحية كاريوكا .. ومن أول لحظة لفتت تحية الأنظار إليها، حيث ارتدت الملاية اللف التي نالت إعجاب الحضور، وأصبحت حديث النجوم المشاركة في المهرجان .. والتقطت لها الصور بجانب اللافتات العملاقة لفيلم شباب امراة التي كتبت عليها عنوان الفيلم بالفرنسية la sangsue وترجمتها (المستنزفة) وكتب تحتها بخط أصغر Chabab Emraa .
معركة تحية كاريوكا وسوزان هيوراد
برعت تحية كاريوكا في جذب الأنظار في أيام المهرجان وتكوين الصداقات وقد تكالب الحضور للحديث معها والتقرب منها وأصبحت مادة ثرية للصحف وكاميرات المصورين وقنوات التليفزيون آنذاك.. وتلك الإطلالة جعلت تحية في بؤرة الضوء وسحبت البساط من تحت أقدام باقي نجمات المهرجان مما جعل الغيرة تشتعل في قلوبهن.. وفي اليوم التالي أقيم حفل عشاء يتعارف فيه رواد المهرجان، وكانت منضدة الوفد المصري بالقرب من منضدة الممثلة سوزان هيورد المعروفة بميولها الصهيونية وعداوتها للعرب، وبعدما فعلته تحية بالأمس واستحواذها على الأضواء، قررت سوزان أن تنفث عن غيرتها فبدأت تتحدث عن همجية العرب ووصفتهم بالوحوش وتناولت الصراع العربي الإسرائيلي، وامتدحت إسرائيل وأحقيتها في وطن وأرض في قلب العرب.. ولم تكن سوزان هيوارد تعلم أن (المستنزفة) تحية كاريوكا تجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية أيضاً واعتمدت على أن الوفد المصري لا يفهم ما تقوله.. لكنها في غمرة حديثها وجدت تحية كاريوكا تقف وتزيح مقعدها بقوة وتندفع إليها لترد عليها بثورة عارمة ووجه غاضب بنفس اللغة التي تتحدث بها سوزان ووجهت إليها تحية أسوأ الشتائم والسباب ردا على إساءتها للعرب، ولم ينته الموقف عند هذا الحد، بل هناك من يؤكد أن تحية خلعت الحذاء لتضرب به سوزان التي صعقت من هول الموقف التي وضعت نفسها فيه وهمت بالانسحاب سريعا من الحفل.
كان هذا أشهر موقف حدث في مهرجانات السينما العالمية، فقد سبق ونوهنا أنه ترسب في نفس تحية ما واجهته من عداوة للعرب وتمجيد الصهيونية في هوليوود ، وما حدث في مهرجان كان يعد تنفيثاً لتلك الرواسب ويعد أيضاً موقفاً وطنياً قامت به تحية كاريوكا رداً على مزاعم من يدين للصهيونية، ولم يشغل بال تحية آنذاك وضع الفيلم وما قد يحصل عليه من جوائز، بل كان شاغلها الأكبر هو الرد بقوة على من يسئ لمصر وللعرب.. ومن الطريف أن استكملت تحية والوفد المصري باقي أيام المهرجان وحضور كل الحفلات والتقطت لها الصور مع نجمات السينما العالمية بعد أن لقنت سوزان الدرس.