تمام الكلام.. وحيدة الحكايات والريح
وحيدة بالبيت·· لا أحد معك·· لا أحد بجوارك·· يبتهج بمحاسنك·· يستأنس بمقامك، تغوصين في فراشك، تلتحفين بتفاصيل وجه سقفك المتدلي في رتابة اعتادتها عيناك المتعبتان الغارقتان في دموعهما·· بلا انقطاع·
تستغيثين بالصمت·· فلا ينطق وبالجمود فلا يهتز وبالحكايات التي لطالما أسعدت بها من حولك بفيض كريم من المحبة وحسن الصوت والتلاوة والألفاظ المنتقاة في عناية تخرج في وقع موسيقي يشغف الآذان ويثير الدهشة والرغبة الملحة في الاستزادة·
في تلك اللحظات والصراع الذي كان يمزقك ما بين الوجود واللاوجود والحب والجحود من قبل من كنت تعتبرينهم هم الحياة ذاتها·· بل سر الوجود فتطرحين سؤالاً رقيقاً·· مغموراً بفيض من الحنان والحيرة والمسؤولية والتضحية التي كانت هي طريقك ونبراسك في الحياة دوماً·· تقولين في ضعف بالغ من وطأة المرض: أنا لا أخشى الموت·· ولكنني أخشى عليكم فراقي وحزني؟ لأنني أعرف أنكم تحبونني؟ وقد حدث ما قلتِ وتوقعتِ·
أمي ترى ما الذي كان يسكن عينيك من صور والوحشة والوحدة كانت تفترس دفئك وأمنك؟ وتؤرق مخدعك·· فتبتهلين إلى خالقك·
أهي صور جميلة أم مؤلمة؟ وكيف جاء ترتيب صورتي من بين تلك الصور؟ وكيف رسمت على حائطك المزركش بالوجوه الملونة·· المتراصة في إطلالة قد تملأ صدرك ببعض الطمأنينة والقليل من الصبر·· أكانت تمنحك بعضاً من السكينة·· وربما السعادة؟ أم مزيداً من الآلام والأحزان والوحشة التي كنت تعانينها ولا أحد يستجيب؟
وكيف كان صباحك·· في ذاك اليوم الربيعي؟ ألم تخرجي أصابعك من تحت الغطاء الوثير لتجد ضالتها بعد دقيقة تقريباً من البحث عن مفتاح مذياعك القديم الذي أبيت أن تستغني عنه أبداً ورفضت كل ما قدم إليك من أجهزة صوتية جديدة براقة ومغرية·
فالقدم والأصالة هما زينتك اليومية وزادك التاريخي·
أمي لا أملك إلا أن أقول لك شيئاً الآن بعد أن هربت الكلمات من شاطئ بعيد بعيد ورحلت إليك أنت فقط، أم لا أملك إلا أن أقول لك شيئاً واحداً الآن تعلمته بعد فوات الأوان والمكان والإنسان وهو أن قيمة المحبين تزيد في قلوبنا وعقولنا ونفوسنا بعد فراقهم لنا ورحيلهم عنا سواء بالموت أو بالغربة·