أكد المشاركون في ملتقى الهناجر الثقافي الشهري، تحت عنوان «رمضان ومحبة الأوطان»، أن هناك ترابطًا بين الدين والوطن.
جاء ذلك خلال فعاليات ملتقى الهناجر الثقافي الشهري، بعنوان «رمضان ومحبة الأوطان»، تحت رعاية الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، الذي ينظمه قطاع شئون الإنتاج الثقافي برئاسة المخرج خالد جلال، بمركز الهناجر للفنون بحضور الفنان شادي سرور مدير عام المركز، وكوكبة كبيرة من المثقفين والكتاب ورجال الصحافة والإعلام.
عقد اللقاء بحضور الدكتور أسامة الأزهري مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، نيافة الأنبا إرميا الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وأدارت الملتقى الناقدة الأدبية الدكتورة ناهد عبد الحميد مدير ومؤسس الملتقى.
وقالت ناهد عبد الحميد إن ملتقانا اليوم مميز ومهم جدًا لأكثر من سبب، الأول لتوقيته في شهر رمضان الكريم، والثاني تشريف وتلبية الدعوة من قامات كبيرة يمثلون أهم مراكز الإشعاع التنويري في مصر وهما الكاتدرائية المرقسية بالعباسية والأزهر الشريف، هذه السبيكة المصرية الأصيلة، التي تعبر عن الشخصية المصرية صاحبة أقدم الحضارات، وصاحبة الحضارة الإسلامية التي يزيد عمرها عن 1400 عام.
وأشارت إلى أننا لو نظرنا إلى قرون التاريخ المتعاقبة، نجد أن أهم الملاحم والانتصارات كانت في شهر رمضان الكريم، ابتداء من غزوة بدر التي وقعت في السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة (624م)، وصولا إلى انتصارات أكتوبر المجيدة في العاشر من رمضان، ومازال جنودنا البواسل يستلهمون نفحات هذا الشهر الكريم في كل اتجاهات الاستراتيجية لهذا الوطن، ويستلهمون روح الانتصارات ضد خفافيش الظلام وأصحاب الفكر الإرهابي الذي أوقعنا في براثن التطرف والإرهاب سنوات، ولكننا تغلبنا عليه بإرادة الله سبحانه وتعالى، ثم الإرادة الوطنية المصرية.
وفي كلمته، أكد الدكتور أسامة الأزهري أن البابا تواضرس يعد رمزا من رموز المدرسة المصرية الوطنية العريقة، بكلمته الوطنية الخالدة التي قال فيها "وطن بلا كنائس خيرا من كنائس بلا وطن"، هذه الكلمة التي حفرت في قلوبنا جميعا كمصريين الامتنان والعرفان لهذه الكلمة الجليلة الصادقة، وهي ليست بغريبة على تاريخ الكنيسة المصرية العريقة، وعن معنى الوطنية قال إنها معنى ديني في المقام الأول، ومعنى إنساني ثانيا.
وأضاف قائلًا: "في تقديري أن ما أفرزته تيارات التطرف على مدى 80 سنة مضت، من غرس روح الريبة والتشكك والتشويه والتهجم والتفكيك لقيمة الوطن ومعناه وشرف معنى هذه الكلمة، حتى أحصيت عام 2014 وما بعده عند تأليف كتابي "الحق المبين في الرد على من تلاعب بالدين"، على مختلف صفحات ومواقع هذه التيارات لأرى كيف ينظرون إلى معنى وطن.. وجدت أفكارًا غريبة تشكل أفكار هذه التيارات المتطرفة لقيمة الوطن، يقولون إن الأوطان حفنة تراب لا قيمة لها، وحدود صنعها الاستعمار، وحب الوطن والحنين إليه كشعور الإنسان بالميل إلى المعاصي والآثام.. وغيرها".
وشدد على أنه قام بالرد على تلك الأفكار المغلوطة بما يفندها ويفحمها ويبين خطورة الغلط فيها، وفى تراث علماء الإسلام الكبار نجد أن كلمة وطن موقرة ومبجلة ومحفوفة بأسمى آيات البر والمحبة والولاء والانتماء، واستشهد بحديث عن الرسول ﷺ، وبأقوال الإمام الكبير فخر الدين الرازى، والإمام الأصمعى وغيرهما من العلماء والفقهاء، وأيضا من الشعراء والأدباء، الذين أجمعوا أن حب الوطن والحنين والانتماء إليه دليل على حسن خلق الفرد.
"باسم الإله الواحد الذي نعبده جميعا"، هكذا بدأ نيافة الأنبا إرميا كلمته، وهنأ الشعب المصري بصوم شهر رمضان متمنيا كل الخير والسلام لبلادنا وللعالم أجمع، وقال إن في هذا العام يتزامن شهر رمضان مع الصوم الكبير، فنجد الشعب المصري بأكمله صائما، وهذا هو المميز لمصر في احتفالاتها، وتجتمع الأسرة معا على مائدة الإفطار وتستقبل هذا الشهر بالفانوس المميز الذي يعلن قدوم رمضان، وأضاف أن الصوم يشعر الفرد بأخيه المحتاج، ويجعل بينه رحمة، ومن هنا جاءت موائد الرحمن، فيتشارك الجميع في الإفطار ويجلس الفقير والغنى على مائدة واحدة، وهنا لا ننسى الموائد الرمضانية التي كانت تقام في عصر البابا شنودة الثالث في العباسية بالمقر البابوى، وكانت تقام بالأزهر ووزارة الأوقاف، فيجتمع المسلم والمسيحي حول مائدة واحدة في وطن واحد، يقدم مشاهد تلاحم للشعب المصري في احتفال واحد.
وأوضح نيافة الأنبا إرميا، أن هناك ترابطا بين الدين والوطن، وجاءت الأديان للرقى بالإنسان ومن أجل سعادته وسلامه، ووطدت ودعمت فكرة الوطن، وعلاقة أفراد المجتمع معا، ففي المسيحية قال "أطلبوا سلام المدينة وصلوا لأجلها إلى الرب لأنه بسلامها يكون لكم سلام"، وجاء في الإسلام وقال ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾، فالأديان تحافظ على الوطن، والازدهار والنمو لا يأتي وسط التناحر في الحياة، ومفهوم المواطنة لمسته مع البابا شنودة الثالث حين قال "مصر ليست وطنا نعيش فيه ولكنه وطن يعيش فينا"، والمواطنة حقوق تكفلها الدولة لمن يحمل جنسيتها في مقابل الالتزام بما يطلب منه من واجبات نحو الدولة، فالوطن هو محبة غامرة جدا في قلوبنا تحمل العطاء بدون توقف، فالإنسان بلا وطن هو بلا هوية ليس له ماضي ولن يكون له مستقبل.
واستمتع جمهور الملتقى بفقرات فنية لفرقة المولوية بقيادة الفنان الدكتور عامر التونى، من التراث المولوى المصرى بما يشمله من موشحات وابتهالات موروثة، منها "يانفس عن الحب لا تتوقفى، روحى براح، يا مليحا قد تجلى.. وغيرها ".