أعمال صالحة تتعانق.. فتأخذ بيدك حتى تُدخلك الجنة
د. أسامة فخري الجندي,
عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاذَا يُنَجِّي الْعَبْدَ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: " الْإِيمَانُ بِاللهِ " فقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ مَعَ الْإِيمَانِ عَمَلٌ، قَالَ: " أَنْ تَرْضَخَ مِمَّا خَوَّلَكَ اللهُ أَوْ تَرْضَخَ مِمَا رَزَقَكَ اللهُ " قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لَا يَجِدُ مَا يَرْضَخُ؟ قَالَ: " يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ " قُلْتُ: إِنْ كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: " فَلْيُعِنِ الْأَخْرَقَ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ أَنْ يَصْنَعَ؟ قَالَ: " فَلْيُعِنْ مَظْلُومًا " قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعِينَ مَظْلُومًا؟ قَالَ: " مَا تُرِيدُ أَنْ تَتْرُكَ لِصَاحِبِكَ مِنْ خَيْرٍ لِيُمْسِكْ أَذَاهُ عَنِ النَّاسِ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ فَعَلَ هَذَا يَدْخُلِ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: " مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُصِيبُ خَصْلَةً مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ إِلَّا أَخَذَتْ بِيَدِهِ حَتَّى تُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ".
وبوقفة عميقة مع هذا الحوار الماتع بين سيدنا أبي ذر وسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ندرك بعض الأمور .
فقد ورد عن أبي ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: سألت النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ماذا ينجي العبد من النار ؟
فقال عليه الصلاة والسلام: ((الإيمان بالله )) وهذا هو الأصل ، وهو أمر بديهي ، والمؤمن هو من يطبق التعاليم الإيمانية ويحولها إلى واقع عملي .
فقال يا نبي الله: مع الإيمان عمل؟
سيدنا أبو ذر هنا يبحث عن العمل الذي يكون سببًا في النجاة ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : ((أن تعطي مما أعطاك الله )) أي : أن تنفق ، أن تعطي ، أن تتصدق ، أن تجود ، أن تكون كريمًا .وهذا باب عظيم لأن يكون الإنسان صاحب عطاء وجود وسخاء ، كما أننا لا نريد أن نختزل معنى العطاء في الال وفقط، فربما يكون العطاء مالًا أو علمًا أو حلمًا ... الخ.
قلت يا نبي الله: فإن كان فقيراً لا يجد ما ينفق أو ما يعطي؟
فقال:((يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر ))
قلت يا رسول الله: إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا أن ينهى عن المنكر؟
قال: ((فليعن الأخرق )) ، أي : ليعن ضعيفًا ـ فهناك من وهبه الله طاقات وقدرات وإمكانات ومواهب ليست عند غيره، فليستثمرها في أن يعين بها غيره أو من حُرم منها.
قلت يا نبي الله: أرأيت إن كان لا يحسن أن يصنع؟
قال: ((فليعن مظلوماً )) ، فهناك من وهبه الله وجاهة بين الناس أو نفوذًا يستطيع من خلاله أن يقف مع الحق ويجلب للمظلوم حقه ، فأدِّ حق هذه الهبة من الله (عز وجل) بإعانة المظلوم
قلت يا رسول الله: أرأيت إن كان ضعيفاً لا يستطيع أن يعين مظلوماً ؟
فقال عليه الصلاة والسلام: ((أما تريد أن تترك لصاحبك من خير؟))
أي : لا إعانة ضعيف، ولا نصرة مظلوم، ولا أمر بالمعروف، ولا نهي عن المنكر، ولا إنفاق، ولا شيء، فقال عليه الصلاة والسلام: ((ليمسك آذاه عن الناس )) ، إمساك الأذى والشر والفساد والقبح سبب رئيس للنجاة ، سبب رئيس لصناعة الخير والجمال ، سبب رئيس للإنسانية والمنطقية .
قلت يا رسول الله: أرأيت إن فعل هذا أيدخل الجنة؟
فقال عليه الصلاة والسلام: ((ما من مؤمن يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة)) .... [ شعب الإيمان عن أبي ذر]
ومن هنا تعلمنا على يد مشايخنا أن كل عمل طيب ينقلك إلى عمل أطيب، وكل ترك منكر ينقلك إلى ترك منكر أكبر، وهكذا، الخيرات تتلاحق، والأعمال الصالحة تتعانق، إلى أن تنجو من عذاب النار