رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


عن الصوفية في مصر

25-4-2022 | 22:06


د. شيرين الملواني,

ظهرت الخريطة الصوفية المصرية في صورتها الأولى في القرنين الثالث والرابع من الهجرة (كالملاتية أو القصاربة، والطيقورية، والخرازية، والحلاجية، والنورية، والجنيدية)، وأصبحت كلمة "طريقة" في هذين القرنين تشير إلى مجموعة الآداب والأخلاق التي تتمسك بها طائفة الصوفية.

لكن تعد فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين المرحلة الأهم في مسارها، حيث شهدت خلالها بلورة وتثبيت لهيكلها التنظيمي، وأصبحت أكثر انتشارًا وقبولًا في المجتمع المصري ،وخلال تلك الفترة لم يعد الانتماء للطرق الصوفية مقصورًا على الفقراء فقط بسبب الظروف الاجتماعية، فقد شهدت تزايدًا في إقبال الفئات الاجتماعية ذات الإمكانيات، مما أدى إلى تواجدها في كل بقاع الإقليم المصري من شماله إلى جنوبه.


ويمكن القول إن اتساع أو ضيق نطاق الخريطة الصوفية المصرية تحكمت فيه مجموعة من العوامل، يتمثل أهمها في حدود العلاقة بين السلطة والمتصوفة، إلى جانب مدى سيادة حالة الانتعاش للتيارات الدينية الأخرى التي تنسب نفسها للإسلام. 


ولإدراك التصوف لابد من معرفة كونه يتمثل في تصور الطريق إلى الله في صورة عدة مراحل؛ أولها المقامات والأحوال، فالمقامات كالتوبة والصبر والرضا واليقين والمحبة والتوكل، والأحوال كالقبض والبسط والفناء والهيبة، وهذه كلها فضائل وأحوال نفسية وأخلاقية تأتي ثمرة مجاهدة النفس. 


وللطرق الصوفية في مصر مرجعية؛ ويعتبر  العصر النبوي هو المرجع الأساسي، وبالتالي كل طريقة صوفية تربط أورادها بسند رجال يعيدها إلى أحد الصحابة أو إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- بذاته. وبصفة عامة، فإن التصوف المصري يعد أفضل أنواع التصوف المعتدل، ويستمد أصوله من الكتاب والسنة لأن الحياة الروحية تتماشى مع الطبيعة المصرية الهادئة المستقرة.

وتتفرع جميع الطرق الصوفية في مصر من أربع مدارس أو طرق رئيسية، هي: الطريقة الرفاعية، التي أسسها الإمام أحمد الرفاعي، والطريقة البدوية نسبة إلى مؤسسها السيد أحمد البدوي في مدينة طنطا، والطريقة الشاذلية، التي أقام صرحها أبوالحسن الشاذلي الحسيني بن عبد الله، وتعد هذه المدرسة من أكبر المدارس الصوفية في مصر، وقد لعبت دورًا مهمًا في حياة المصريين الروحية وعنها نقلت كل المدارس الصوفية الأخرى كل المبادئ والقيم والمناهج الصوفية. أما المدرسة الرئيسية الرابعة، فهي القنائية، والتي أنشأها عبد الرحيم القنائي بمحافظة قنا، وقدبمحافظة قنا، وقد اهتمت هذه المدرسة بدراسة ماهية الفرق بين الروح والنفس وضرورة الفصل فيها.


إن هناك  بعض الطرق نشأت بقصد  تشويه  وإفساد روح المجتمع الإسلامي، فبعض هذه الطرق يعمل في وضوح وبعضها يعمل في تكتم وخفاء.


تدعم الدولة في كثير من الأوقات الطرق الصوفية من خلال نقل احتفالاتهم عبر قنوات التليفزيون الرسمي، وحرص القيادة السياسية على إرسال مندوب عنها لتهنئة المتصوفة بذكرى ميلاد شيوخهم؛ وقد أدى هذا إلى مشاهدة المواطنين من غير المتصوفة لاحتفالاتهم، وبالتالي التعرف على مظاهر سلوكهم واحترامهم لقياداتهم، وهو ما كان ينتهي في كثير من الأوقات إلى جذب شريحة جديدة للطرق الصوفية، التي تتميز بالشفافية والوضوح والاعتراف بمصادر التمويل على عكس التنظيمات الأخرى التي تنسب نفسها للإسلام التي تقلق الراغبين في الانضمام إليها.


 كما تتميز أغلب الطرق الصوفية بسهولة الانضمام إليها  فأغلب الطرق المصرية تحرص على تسهيل الانضمام لها بعيدًا عن الروتين وترفض الاشتراكات المادية للعضو الجديد على عكس التنظيمات الدينية الأخرى ،بل تقدم وسائل تشجيعية للمشتركين الجدد على سبيل المثال كتب الأوراد الخاصة بهم.


إن رموز المتصوفة يحملون كاريزما خاصة ؛ سواء في الإدارات المركزية للطرق أو في الساحات في المحافظات، وهذا ما ساعد على تقرب العديد منهم، و نجدهم يحملون على عاتقهم معاونة كبيرة لجهاز الشرطة في المجتمع من خلال التحركات السريعة لمشايخ الصوفية في بعض المحافظات لحسم المشاكل الثأرية ، وهو ما كان يلقي قبولًا بين العائلات والقبائل الكبيرة في الريف المصري.


يوم بعد يوم يتزايد الدور الخدمي للطرق الصوفية، وقيام بعضها بإنشاء مراكز لتحفيظ القرآن الكريم ودور لرعاية الأيتام وصناديق الزكاة من أجل تقريب أبناء الطرق الصوفية ومختلف فئات المجتمع، سواء من المحبين أو المنتسبين لها.


بصورة عامة يبدو أن الطرق الصوفية لم تضع خطة تطورها لتوسع من انتشارها رغم أن الظروف الراهنة تخدم مصالحها، خاصة بعد مواجهة الدولة للجماعات الدينية التي تكفرها وتحاربها، وحرص القيادة السياسية على تطوير الخطاب الديني ليتناسب مع الوسطية والاعتدال اللذين هما أساس منهاجها الفكري والمجتمعي. واستكمالًا لما سبق يمكن وضع سيناريوهين لشكل الصوفية الجديد خلال العشرة سنوات المقبلة.


السيناريو الأول هو الكمون المؤقت، ويعني هذا  أن الخريطة الصوفية ستظل على شكلها الراهن خلال الفترة المقبلة، وما يدعم هذا السيناريو هو أن خريطة انتشار الصوفية المصرية، أخذت بعد ثورة 30 يونيو، شكلًا جديدًا، ثم عادت إلى أماكنها المركزية في القاهرة الكبرى، رغم أن عودة القبليات والعصبيات إلى دورها السياسي والاجتماعي خلال تلك الفترة، والتي ظلت بعيدة عن المشهد المصري طوال فترة حكم الإخوان، كانت من الممكن أن تدعمها بقوة لتملأ الفراغ الاجتماعي الذي تركته جماعة الإخوان وغيرها.


السيناريو الثاني هو التراجع، وهذا السيناريو يعني أن الحالة الصوفية ستشهد خلال الفترة المقبلة تراجعًا كبيرًا في المجتمع المصري. وهذا يرجع إلى اتجاه بعض الطرق الصوفية الكبيرة إلى لعب دور سياسي في المجتمع، وتأسيسها لأحزاب سياسية تمثل أذرع لطرقها، وقد يكون هذا التوجه سببًا رئيسيًا في ابتعاد الناس عنها، لأن تجربة الإخوان السياسية وتداعياتها ستظل في ذاكرة من يحاولون الانتساب إلى تلك الطرق، خاصة وأن هذا الدور كانت تلعبه الصوفية بوضوح في مساندتها للسلطة وتبرير تحركاتها ربما تكون قد افتقدته بصورة غير مقصودة خلال الفترة الراهنة.


والمحصلة؛ أن الصوفية وطرقها حالة من الزهد والتقرب من الذات الإلهية مبتغاها خدمة البشرية والترفع عن الشهوات والنزوات والاطماع السياسية والدنيوية عنوانها الوسطية، ومن هنا ندعو لاحيائها في نفوسنا قبل الانضمام لها ونشد على يد القيادة في دعمها ؛فالصوفية هي الوحيدة القادرة على محاربة وهزيمة التشدد السلفي والاخواني والذي عانى ولا يزال يعاني منه مجتمعنا في بعض شرائحه.