بقلم : أمل مبروك
"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين".. صدق الله العظيم الرحيم اللطيف بعباده الذين تتنزل عليهم الابتلاءات من كل صوب وحدب وتتنوع بين مادية ومعنوية وتتراوح نتائجها بين الصعب والمحتمل، حتى إذا ما ضاقت الأمور والتفت حولهم الضغوط وشعروا بقلة الحيلة والضعف والهوان على الناس.. لابد أن يتذكروا هذه الآية التى تحنو عليهم وتهون من المشاعر السلبية التى تكاد تخنقهم.
فى البداية يقول الله عز وجل: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، ثم تستمر الآية حتى نصل لقوله تعالى: "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به"، وهنا قد يرى البعض تناقضا.. إذ كيف نطلب من الله الذي لا يكلفنا بشيء فوق طاقتنا أن لا يحملنا ما لا طاقة لنا به؟ فى تفسير الجلالين يتضح لنا أن هذا من قبيل الدعاء بأن يديم الله سبحانه علينا هذه النعمة وهي عدم تكليفنا بما لا نطيق وألا ينسخه بسبب غضبه علينا.
وإذا تتبعنا التفسير من بدايته سنجد: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) أي ما تسعه قدرتها (لها ما كسبت) من الخير- وهو ثوابه- (وعليها ما اكتسبت) من الشر- وهو وزره، (ربنا لا تؤاخذنا) بالعقاب (إن نسينا أو أخطأنا) عندما تركنا الصواب دون قصد، (ربنا ولا تحمل علينا إصرا) أمرا يثقل علينا حمله (كما حملته على الذين من قبلنا) وهم بنو إسرائيل من قتل النفس فى التوبة وإخراج ربع المال فى الزكاة وقرض موضع النجاسة, (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) من التكاليف والابتلاءات (واعف عنا) امح ذنوبنا, (واغفر لنا وارحمنا) فالرحمة زيادة على المغفرة, (أنت مولانا) سيدنا ومتولى أمورنا (فانصرنا على القوم الكافرين) بإقامة الحجة والغلبة في قتالهم, فإن من شأن المولى أن ينصر مواليه على الأعداء، وفي الحديث لما نزلت هذه الآية فقرأها صلى الله عليه وسلم قيل له من الله سبحانه وتعالى عقب كل كلمة "قد فعلت".
ويفسر الشيخ الشعراوى الآية الكريمة بأنه سبحانه لم يكلفنا إلا ما هو في الوسع.. لماذا؟ لأن الأحداث بالنسبة لعزم النفس البشرية ثلاثة أقسام: الأول هو ما لا قدرة لنا عليه.. وهذا بعيد عن التكليف، والثاني هو ما لنا قدرة عليه لكن بمشقة أي يجهد طاقتنا قليلا، والقسم الثالث هو التكليف بالوسع، إذن "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" أى أن الحق لا يكلف النفس إلا بأمر تكون فيه طاقتها أوسع من التكليف، والخالق اللطيف بعباده قال لنا فى كتابه العزيز: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر".