مزامير التلاوة.. الشيخ عبدالعاطي ناصف (30-25)
يأتي شهر رمضان المعظم وتتلألأ أصوات قراء القرآن الكريم، حيث تضم مدرسة التلاوة المصرية العديد من الأسماء البارزة التي تعدت شهرتها حاجز الزمان والمكان، أصوات من الجنَّة تشدو على أرض الكنانة، يمتازون بحلاوة الصوت ووضوح المخارج والتمكن من الأحكام والضوابط، فمصر هي مهد التلاوة، فكما قيل "نزل القرآن في مكة وقرأ في مصر" فغالبية مشاهير القراء مصريون، وهم من علموا العالم الإسلامي أصول وفن التلاوة بأصوات عبقرية متفردة، وأرسى العديد منهم أسس التلاوة، وكانت تلاوتهم لآيات القرآن الكريم مثار إبهار وتعظيم لكل من استمع إليهم، واستمد من أصواتهم شغفًا لفنون التلاوة والإنشاد الدينيى الجميل.
ويجتمع المصريون في شهر رمضان المبارك للاستماع إلى آيات الذكر الحكيم، من عدد من الشيوخ الذين أثروا في الوجدان المصري، وتقدم بوابة "دار الهلال" يومياً خلال الشهر المبارك مقطع إذاعي لأحد أشهر القراء الكرام.
ولد الشيخ عبد العاطي حسن على ناصف، في 12 يناير عام 1933 بمركز شبين القناطر التابع لمحافظة القليوبية، وفي عام 1944 توفى والده فتولى جده اأمر تعليمه وتحفيظه القرآن الكريم، وحفظ الشيخ عبد العاطي ناصف القرآن الكريم وتعلم التجويد وعمره لم يتجاوز الـ 15، ثم تعلم القراءات.
قرأ الشيخ عبد العاطي ناصف في المناسبات وذاعت شهرته في كل المحافظات حتى تقدم للالتحاق بالإذاعة، وفي عام 1969 تم اعتماده رسميًا قارئًا بالإذاعة، واشتهر الشيخ عبد العاطي ناصف بحبه للأولياء ومساجد آل البيت حتى أطلقوا عليه لقب قارئ الأولياء، وتوفى الشيخ عبد العاطى ناصف يوم الأحد 8 يونيو عام 2014، عن عمر يناهز 80 عامًا.
وقد نزل الذكر الحكيم على رسولنا الكريم بلسان عربي مبين، إلا أن لغة العرب كانت متعددة اللهجات، فأنزل الله كتابه موافقا لتعدد لهجاتهم من باب التيسير، فقد جاء هذا الدين برفع المشقة والحرج، وهكذا فقد يسّر الله عزّ وجلّ، تلاوةَ هذا القرآن على الأمَّة في القراءات المتواترة، وأنزله على أحرف سبعة؛ لأنه هو الدستور الذي تحيا به أمة الإسلام.
ومن هنا نشأ علم القراءات، وهو اصطلاحًا ما تمت نسبته من القراءة إلى أحد أئمةِ القراءات العشر المشهورين، وقد عرف ابن الجزري القراءات بأنها: "علمٌ بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها مَعزوًا لناقله"، وقال الدمياطي: "علم يُعلم منه اتفاق الناقلين لكتاب الله تعالى واختلافهم في الحذف والإثبات والتحريك والتسكين والفصل والوصل، وغير ذلك من هيئة النطق والإبدال وغيره من حيث السماع".
وقد اقر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الصحابة الكرام على مختلف لهجاتهم، وكان يقرئ كل قبيلة بما يوافق لهجتها، فحرص ممثلوها أشد الحرص على ملازمة تلك القراءات التي يعلمهم إياها حرفا بحرف، وحركة بحركة.
وقد نقل التابعون هذه القراءات عن الصحابة بدرجة فائقة الإحكام والدقة والتجويد، وقد كرس ذوو الهمم العالية منهم حياتهم وأعمارهم وجهودهم لإقراء القرآن وضبط ألفاظه وتحقيق رواياته، وجعلوا هذه المهمة الرفيعة هدفهم الأوحد وشغلهم الشاغل، فأصبحوا أئمةً كمصابيح الدجي يقتدى بهم، ويؤخذ عنهم، وتشد إليهم الرحال، وقد نسبت القراءات إليهم.
وفي أواخر عهد التابعين؛ تسللت الكثير من مظاهر العجمة، وبعض من بوادر اللحن إلى القراءة، فانتفض علماء القرآن الفطناء، وأئمته الأتقياء، وعنوا بحصر القراءات وضبطها، وتحري أسانيدها، ونبذ ما شاذ من القراءات، فحازوا ثقة القراء واجتمع عليهم العلماء، وجابت شهرتهم الأمصار، إنهم أئمة القراءات العشر الأخيار، الذين تواترت قراءاتهم، وثبتت رواياتهم، ومن بين تلك القراءات التي اعتمدها العلماء:
1- نافع: وهو أبو رؤيم قارئ المدينة من تابعي التابعين توفي في المدينة 196هـ، وراوياه هما: "قالون" وهو عيسى بن مينا المدني، و"ورش" عثمان بن سعيد المصري.
٢- ابن كثير: عبد الله بن كثير قارئ مكة تابعي توفي بمكة 120 هـ، وراوياه هما: "البزي" أحمد بن محمد بن بزة المكي، "قنبل" محمد بن عبد الرحمن المكي.
3- أبو عمرو: زبان بن العلاء البصري توفي بالكوفة 154هـ، وراوياه هما: "الدوري" حفص بن عمر، "السوسي" صالح بن زبان.
4- ابن عامر: عبد الله بن عامر تابعي دمشقي توفي بها سنة 118هـ، وراوياه هما: "هشام" بن عمار الدمشقي، "ابن ذكوان" عبد الله بن أحمد القرشي.