د. أسامة فخري الجندي,
لقد اختص الله عز وجل، هذه الليلة بكثرة النفحات الإلهية ونسمات القُرب المباركة التي تُحيي القلوب وتنعش الأرواح، ووعد سبحانه وتعالى من يُحْييها بالرضوان والمغفرة وجزيل الثواب منه عز وجل، سواء أحياها بالصلاة، أم بتلاوة القرآن الكريم، أم بالدعاء، أم بالاستغفار، أم بالصلاة على سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أم بالتسبيح، أم بأي نوع من أنواع العبادة والذكر.
قال الحافظ ابن حجر: وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِالْقَدْرِ الَّذِي أُضِيفَتْ إِلَيْهِ اللَّيْلَةُ.
فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) وَالْمَعْنَى أَنَّهَا ذَاتُ قَدْرٍ لِنُزُولِ الْقُرْآنِ فِيهَا ، أَوْ لِمَا يَقَع فِيهَا مِنْ تَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ ، أَوْ لِمَا يَنْزِلُ فِيهَا مِنْ الْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ، أَوْ أَنَّ الَّذِي يُحْيِيهَا يَصِيرُ ذَا قَدْرٍ .
وَقِيلَ: الْقَدْر هُنَا التَّضْيِيقُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ) وَمَعْنَى التَّضْيِيقِ فِيهَا إِخْفَاؤُهَا عَنْ الْعِلْمِ بِتَعْيِينِهَا ، أَوْ لِأَنَّ الْأَرْض تَضِيقُ فِيهَا عَنْ الْمَلَائِكَة .
وَقِيلَ: الْقَدْر هُنَا بِمَعْنَى الْقَدَرِ بِفَتْحِ الدَّالِ الَّذِي هُوَ مُؤَاخِي الْقَضَاء ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا أَحْكَام تِلْكَ السَّنَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) وَبِهِ صَدَّرَ النَّوَوِيُّ كَلَامَهُ فَقَالَ : قَالَ الْعُلَمَاءُ سُمِّيَتْ لَيْلَة الْقَدْر لِمَا تَكْتُبُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ مِنْ الْأَقْدَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )، ولذلك قيل للحسين
بن الفضل: أليس قد قدَّر لله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض ؟ قال : نعم ، قيل : فما معنى ليلة القدر ؟ قال : سَوْقُ المقادير التي خلقها إلى المواقيت وتنفيذ القضاء المقدَّر .
فالله تعالى يُظهر الأمور والأحكام والأرزاق والآجال وكلَّ ما يقع في تلك السنة لملائكته من خلال هذه الليلة ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم في ذلك .
وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ : إِنَّمَا جَاءَ الْقَدْر بِسُكُونِ الدَّال ، وَإِنْ كَانَ الشَّائِعُ فِي الْقَدَرِ الَّذِي هُوَ مُؤَاخِي الْقَضَاءِ فَتْحَ الدَّالِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ تَفْصِيلُ مَا جَرَى بِهِ الْقَضَاء وَإِظْهَارُهُ وَتَحْدِيدُهُ فِي تِلْكَ السَّنَة لِتَحْصِيلِ مَا يُلْقَى إِلَيْهِمْ فِيهَا مِقْدَارًا بِمِقْدَارِ .