رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


سلاح الإبداع الدرامى

30-4-2022 | 21:24


عبد الرازق توفيق

بناء وعى حقيقى قائم على التوثيق الموضوعى بأعلى معايير الأمانة والنزاهة والتجرد.. الأعمال الدرامية فى رمضان أعادت الطرق على أهمية استعادة منظومة الأخلاق المصرية والتسامح والإنسانية والهوية والشخصية المصرية.. قضايا وملفات مهمة.. تدعم الرقى والجمال.. فمن المسلسلات إلى الإعلانات لا تجد أى نوع من الإسفاف أو التدنى أو الابتذال، لقد أسقطت خلطة رمضان الدرامية مقولة «إن الجمهور عاوز كده».. أثبت أن الجمهور يحتاج الجمال والإبداع والرقى وليس الأعمال التجارية الاستهلاكية التى تستبيح كل شىء وتضرب بلا رحمة فى ثوابتنا.. موسم الدراما الرمضانية هذا العام.. أكد أن الفنان المصرى عملاق وأن هذا البلد ملىء بالمواهب والطاقات الخلاقة فمن ياسر جلال إلى عز والسقا وكريم إلى أحمد أمين ورياض الخولى ووفاء عامر وطارق لطفى إلى الكبير أوى.. إلى سحر ورشاقة الأداء عند أمير كرارة.
 
 «خلطة رمضانية» فريدة.. لم تنفذ إليها روائح الإسفاف والابتذال
 
نجحت الحكومة فى اختبار رمضان الكريم الذى يمضى ويرحل كريماً بعد ساعات فرغم تداعيات الأزمة الروسية ـ الأوكرانية على دول كثيرة.. إلا أن المواطن المصرى لم يشعر بأى عجز أو نقص أو مشكلة فى السلع الأساسية، ونجحت الدولة فى زيادة العرض على الطلب.. وتوفير كل ما يريده المواطن وبأى كميات.. فالدولة لم تنتظر تفاقم تداعيات الأزمة العالمية ولكنها استبقت بإجراءات أصبحت تمثل عقيدة ثابتة لدى الدولة المصرية فى ظل التعامل مع الأزمات بأسلوب استباقى والتعامل معها بما لا يسمح بحدوثها أو وقوعها فطبقاً للتوجيهات الرئاسية ألا يقل المخزون والاحتياطى الاستراتيجى لأى سلعة أساسية عن 6 أشهر.. وهو ما نجحت فيه الدولة بامتياز.. والتى وفرت ضمان هذا المخزون من خلال المشروع القومى لصوامع الغلال العملاقة والمخازن والمستودعات الاستراتيجية سواء للزيوت والبوتاجاز.

لكن هناك بعداً آخر تحقق فى رمضان هو النجاح الدرامى الكبير من خلال توليفة وخلطة درامية خطفت أنظار ومشاهدات المصريين والمنطقة العربية.. هذه التوليفة العبقرية اتسمت بالتنوع والتعدد ومناسبة كل الأذواق.. وتناول الكثير من الموضوعات والملفات حيث تفوقت الدراما التوثيقية وعادت الكوميديا المحترمة والراقية التى تجمع شمل الأسرة دون أى إسفاف أو ابتذال أو خدش حياء الجمهور، وكعادتها الدراما «السياسية» -الموثقة بالدلائل الدامغة- تكشف بوضوح عظمة الدولة المصرية وقدرتها وتفوقها وهو ما يطمئن شعبها بأنه مهما اشتدت العواصف ورياح المؤامرات فإن لهذا الوطن صقوراً وعيوناً ساهرة على أمنه واستقراره.

هناك رسائل عديدة حملتها مسلسلات رمضان هذا العام.. ومن أبرزها الصراع الأبدى بين الخير والشر، بين الإنسان الذى كرمه مولاه، والشيطان الذى طرده الواحد الأحد.. ثم عادت مسلسلات الصعيد لتحقق النجاح والإقبال الجماهيرى، نحن بين حالة درامية فريدة أعادت المشاهد المصرى للشاشة دون أن تحدث أى نوع من الاستياء لأنها ابتعدت عن كل الإسفاف والابتذال وعملت على بناء الوعى الحقيقى والفهم الصحيح وترسيخ النقاء والخير والبناء والصواب وأن طريق الشر والقبح والحرام لن يصل بصاحبه إلى حالة الرضا حتى الإعلانات التى تضمنتها أيام شهر رمضان جاءت فى منتهى الرقى والبهجة.. وأصبحت معظمها أيقونة يرددها الشارع المصرى.. إذن نحن نعيش حالة رمضانية فى اعتقادى ستظل عالقة فى وجداننا خاصة حالة الإبداع ورشاقة الأداء الذى ظهر عليه نجومنا بما يجسد أن لدينا ذخيرة ومخزوناً استراتيجياً فنياً وإبداعياً قادراً على الاحتفاظ لمصر بالريادة الدرامية.. والقدرة الفائقة والسريعة على استعادة قوانا الناعمة التى ملأت قلوب ووجدان الشعوب العربية وشعوب المنطقة.

إذا كانت دراما رمضان أكدت القدرة المصرية على تقديم الرقى والإبداع وترسيخ القيم والمبادئ والتأكيد على مبادئ الخير والنقاء.. فإننا أمام مسئولية سواء لاستمرار هذا العطاء الفنى الإبداعى فى مجال الدراما.. ويفتح المجال ويمنحنا الثقة فى قدرتنا على استعادة تفوقنا فى مجال الغناء والموسيقى ولدينا المواهب الكثيرة ويقيناً سوف تظهر أم كلثوم وعبدالحليم ونجاة العمالقة ورموز زمن الفن الجميل.

من أجمل رسائل دراما رمضان هذا العام أنها قضت على مقولة «الجمهور عاوز كده» عندما كانت تعرض أعمال هى الأقرب إلى الإسفاف والابتذال والتدنى مجرد أعمال للاستهلاك لكن دراما رمضان هذا العام شهادة نجاح وعودة لزمن الفن الراقى الذى يبنى ولا يهدم وفى نفس الوقت حقق جماهيرية عريضة ونسب مشاهدة غير مسبوقة، وشعبية وإقبالاً منقطع النظير، والخيط الذى يربط جميع الأعمال الرمضانية مع إعلانات الشهر الكريم هو الرقى والإبداع وتنمية الذوق العام وخلق مواصفات جديدة للأعمال الدرامية تتناول قضايا المجتمع.. وترسخ القيم والمبادئ والأخلاق وتحافظ على الهوية المصرية، ولا أبالغ إذا قلت إنها تعيد الإنسان لنفسه وطبعه الذى يتسم بالخيرية والإنسانية والصدق.

يأتى مسلسل «الاختيار 3» على قمة الأعمال الدرامية خلال شهر رمضان وهو استمرار لنجاح هذا العمل على مدار 3 سنوات متتالية يروى بصدق ويوثق بموضوعية وأمانة ودقة تفاصيل واقع مصر فى أخطر مراحلها خاصة بعد أن تولى الإخوان مسئولية الحكم.. فالمسلسل هو المسمار الأخير فى نعش الإخوان الميت.. يحكى بكل نزاهة وصدق وبالصوت والصورة والواقع من خلال وثائق مصورة بلسان قيادات الجماعة الإرهابية مسلسل خيانة هذا التنظيم الإرهابى وكيف خطط وأراد لمصر السوء.. وكيف كانت نواياهم ومخططاتهم وتبعيتهم للخارج وما أضمروه من كراهية وحقد تجاه الدولة الوطنية المصرية ومؤسساتها وكيف تعرض الأمن القومى المصرى إلى الخطر.. والمسلسل يكشف ويفضح دور الإخوان فى الهجمة الإرهابية على مصر وفى القلب منها سيناء.. ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنهم وراء العمليات الإجرامية والتخريبية والتدمير والتفجير فى سيناء وتهديد سلامتها والعمل على محاولة فصلها عن الجسد المصرى.. وأن نجاح الجيش المصرى العظيم والشرطة الوطنية فى إنقاذ مصر وسيناء كلف مصر ثمناً باهظاً سواء على صعيد دماء الشهداء والمصابين.

لا يستطيع أحد أن يشكك فى صدق وأمانة مسلسل الاختيار.. لأنه قطع الطريق على المتربصين.. وفضح المتآمرين وكيف كانت مصر تدار بحكم المرشد.. وأن مرسى العياط لم يكن إلا دمية فى يد مكتب الإرشاد.. يفعل ما يؤمر به وينطق بما يرسل إليه.. مجرد واجهة تفتقد للحياة والفعل والإرادة تتصدر نظام الإخوان الفاشل.. الذى أراد لمصر الشر والسوء والسقوط والانهيار والاقتتال الأهلى.

الاختيار يكشف أسرار وكواليس مؤامرة الإخوان على مصر.. ويجسد بكل دقة وأمانة شرف وشجاعة الرجال للحفاظ على الوطن.. وكذلك الإخلاص والنقاء والتجرد من أجل الوطن فالمؤسسة العسكرية الشريفة بذلت جهوداً مضنية ومخلصة وشريفة فى محاولة الإصلاح ولم الشمل وإنهاء الأزمة الحادة بين رئيس الجمهورية والشعب والقوى السياسية وقدمت النصيحة المخلصة وتقديرات الموقف التى تشير إلى خطورة الأوضاع على أمن وسلامة الوطن نذهب إلى إبداع من نوع آخر، رائعة عبدالرحيم كمال.. وتحفته الدرامية «جزيرة غمام» وهى واحدة من نجاحات الدراما الصعيدية التى تحمل العديد من الرسائل وصراع الخير والشر.. وقد أعجبنى فى المسلسل الأداء العملاق لنجومنا من الفنانين والنجوم خاصة أحمد أمين فى دور عرفات ورياض الخولى الذى ازداد نضجاً وتعملقاً، وكذلك وفاء عامر فى أفضل أدوارها وأدائها منذ أن دخلت المجال الفنى والمتألق فتحى عبدالوهاب والنجم طارق لطفى، ومحمد جمعة والبزاوى نحن أمام ملحمة درامية، وأداء راق.. فقد أبهرنى أداء الفنان أحمد أمين الذى ركب الشخصية.. وقد منحنا رسالة مهمة أن ربك رب قلوب، فالإخلاص والنقاء والتواضع أمام المولى عز وجل.. فصلاح العمل والإنسان مرتبط بصلاح ونقاء القلب.. وفساد العمل مرتبط بفساد القلب.. كما أخبره سليمان عيد السر ليس فى الخشب، السر فى أصابعك بداخلك، فرب أشعث أغبر لو أقسم على لأبره، وقول المولى عز وجل إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم.
المسلسل تحفة فنية تعكس الصراع بين الخير والشر بين الإنسان الذى كرمه الله والشيطان الذى طرده رب العالمين، مجموعة من الرسائل والإسقاطات تشير إلى ما يحدث فى عالمنا من شرور ومؤامرات ومخططات وتدخلات وصراعات، ما بين جوهر الدين ووسطيته وتسامحه ورحمته وإنسانيته وما بين التطرف والتشدد والمتاجرة بالدين فالتدين ليس سبحة أو لحية، والوضوء ليس فقط مياهاً تمسح بها الوجوه والأيدى ولكن هناك وضوء القلوب، العامرة بالإيمان والخير والنقاء والصفاء والرضا والقناعة والبساطة.

ملعون أبو الدنيا التى تجعلنا نكره ونحقد ونحسد ونتصارع ونرتشى ونفسد ونؤذى ونتآمر ونكذب ونغدر ونغش.. أو ننكسر أمام ذلة، أو نطمع فى دنيا زائلة السارق والمرتشى يستعجل رزقه بالحرام. رغم أنه لن يزيد على المقسوم والمكتوب.. المسلسل يخبرنا بقول المولى عز وجل «وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً»، ثم إن كيد الشيطان كان ضعيفاً، فالإنسان يقوى بالحلال والخير والنقاء والقلب العامر بالحب والإيمان.. ويضعف بالذنوب والأخطاء والمعاصى وسواد القلوب وحقدها وحسدها، ويستسلم للدنيا، فالشيطان يعدكم الفقر، وما قاله خلدون «حق يراد به باطل» فربما يدخل المرء الجنة بأقل الأعمال وبقلب عامر بالإيمان والنقاء والحب.. فقد روى عن سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى حديث ما معناه قال «سيدخل عليكم واحد من أهل الجنة»، وكررها فى مواقف متتالية.. فأراد أحد أصحاب النبى تتبع هذا الرجل الذى بشره النبى بالجنة الذى أقنعه أنه عابر سبيل، فاستضافه الصحابى المبشر بالجنة فى بيته وتتبعه فإذا به يستيقظ ليلاً ليصلى القليل ثم ينام فعلها فى أكثر من ليلة، فسأله الصحابى الذى قال إنه عابر سبيل.. عن سر بشارته بالجنة رغم أن عبادته تبدو عادية للغاية.. فأجابه أنه ينام ولا يحمل فى قلبه حقداً أو غلاً لأحد.. إذاً فالقلب هو بطل وسبب الصلاح والإيمان والقدرة الروحانية الفائقة.. والفوز برضا المولى وجنته.

بكل موضوعية يستحق عبدالرحيم كمال التحية على هذا الإبداع الذى يحمل إصلاح أخلاقيات أصيبت بالوهن. ونفوس وقلوب أغواها الشيطان بسحر دنيا زائلة.. لذلك فالرسالة ليست فقط للإنسان ولكن أيضاً للدول والشعوب لذلك فنحن فى حاجة إلى بناء منظومة القيم والأخلاق.. والوعى الحقيقى والعودة إلى الدين الصحيح.

الحقيقة أن ما بين «الاختيار 3» و«جزيرة غمام» رسائل إنسانية وسياسية وهناك خيط يجمع العملين هو صراع الخير والشر، الشرف والغدر، الإيمان والإغواء «الدنيا والدين».. التسامح والحب والعطاء والتشدد والتطرف، الإخلاص وعمق الانتماء للأوطان، والخيانة والعمالة للأعداء ليس الأداء المبدع لنجوم العمل.. ولكن أيضاً فى الموسيقى التصويرية، والديكور والسيناريو وتتر المسلسل بأداء الفنان المتخصص والمتألق دائماً فى أغانى تترات المسلسلات مثل المال والبنون وذئاب الجبل والليل وآخره وبوابة الحلوانى، الحقيقة أن المسلسل تحفة فنية بعد رائعة مسلسل القاهرة ـ كابول التى قدمها عبدالرحيم كمال لكننى أرى أن يركز المبدع عبدالرحيم كمال فى هذه النوعية التى تستدعى العودة إلى القيم والأخلاق المصرية والتأكيد على الهوية والشخصية المصرية التى تتسم بالطيبة والتسامح والكرم والشجاعة والمواقف الإنسانية وهو ما نحتاجه فى معركة بناء الوعى والعودة إلى الأصل.

«العائدون» مسلسل يعيد زمن أشهر الأعمال التى تناولت قصص بطولات «المخابرات المصرية»، مثل دموع فى عيون وقحة، ورأفت الهجان.. فالمسلسل يؤكد قدرة الصقور على التحليق بعيداً والوصول إلى مناطق الخطر والاطلاع على تفاصيل المؤامرات والمخططات التى تحاك لمصر وفك شفراتها.. وامتلاك المعلومات التى هى أهم سلاح فى مثل هذه الحروب ونجاح كبير فى اختراق التنظيمات الإرهابية.. ليكشف فاصلاً جديداً فى قدرة الدولة المصرية للوصول والتحليق بعيداً لوأد التهديدات والمخاطر التى تواجه الأمن القومى المصرى.

نوع آخر من المسلسلات يتناول ببساطة قصة الصراع بين الإنسان والشيطان معركة الخير والشر والحقيقة أن العمل حقق نجاحاً كبيراً للعام الثانى على التوالى خاصة أن مثل هذه الموضوعات جديدة تلقى إقبالاً واهتماماً جماهيرياً بما تتمتع به من إثارة، والحقيقة أدى حمادة هلال وسهر الصايغ وأحمد عبدالعزيز وكمال أبورية وخالد سرحان أدوارهم ببراعة وينتظر المشاهدون الحلقات الأخيرة للتعرف على نتيجة المعركة بين صابر ومليكة.. لكننا أمام رسائل مهمة للوعى والخير.

أيضاً مسلسل «الكبير أوى» للنجم أحمد مكى ونجوم العمل ونجاح الفنانة الصاعدة منى رحومة فى دور مربوحة ويحسب للفنان أحمد مكى ثقته وشجاعته على عرض المسلسل الذى يقدم كوميديا راقية بلا إسفاف وابتذال فى نفس توقيت برنامج رامز جلال وقد ربح مكى المواجهة باقتدار.. ونجح فى جمع الأسرة المصرية بمختلف الأعمار على مشاهدة المسلسل الذى يقدم كوميديا صعيدية هادفة تناسب جميع الأعمار، راقية لا تخدش حياء أى فرد فى الأسرة ليس فيها تنمر أو تجاوزات أو سقطات تتناول موضوعات جادة بأسلوب كوميدى راق.

فى اعتقادى أن الوجبة الدرامية الدسمة والصحية التى عرضت خلال شهر رمضان يجب إعادتها خلال ما بعد الشهر الكريم بمعدل مسلسلين كل شهر ليصبح إجمالى ما تم عرضه قبل بلوغ رمضان القادم 42 مسلسلاً لتسمح للمشاهدين بمشاهدة كل المسلسلات التى عرضت خلال الشهر الكريم وتكون الأولوية للأعمال التى تخاطب واقعنا وتحدياتنا ومتطلبات بناء الوعى الحقيقى واستعادة الأخلاقيات والروح المصرية المتسامحة.