رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مظاهر الاحتفال بالأعياد.. العصر الجاهلي وصدر الإسلام

2-5-2022 | 13:15


صورة تعبيرية

عبدالله مسعد

إن الاحتفالات وخصوصا الاحتفال بالاعياد والمناسبات الرسمية التي ترعاها الدولة، تعبر عن مدى تمدن هذه الدولة او تأخرها، كذلك يعبر الشكل الاحتفالي بالمناسبات المختلفة على مدى ترابط الشعب المعين او تفككه، وهل هو نسيج واحد أم مجموعات متناحرة، هذا ما نحاول اكتشافه من خلال الاطلاع على الاحتفال بالأعياد في إطار الحضارة الإسلامية رغم اختلاف مذاهب الدولة في الفترة التي نقوم برصدها.

الاحتفالات فى العصر الجاهلى

كانت الاحتفالات العامة فى العصر الجاهلى تقام بمكة المكرمة، فتضرب فيها الدفوف وتعزف المزامير، وقد اشتهر المكيون بالغناء منذ وقت مبكر، وكان للمترفين بمكة مجالس سمر، ينصبون لها الأرائك، ويمدون فيها الموائد، ويتفكهون بما طاب من ثمار الطائف، وكانوا يتخذون مجالس الشراب، ويستمعون فيها للشعر والقصص والغناء. وقد حفلت العديد من مصادر الأدب بهذه الأخبار مثل «العقد الفريد» لابن عبدربه، و«الأغانى» للأصفهانى.

كانت هناك عدة احتفالات تقام فى الأسواق الموسمية المشهورة. ففى مكة كان هناك سوق عكاظ، وسوق مجنة، وذى المجاز، حيث يجتمع الناس من الأعيان والشعراء للمفاخرة، فكانوا يتفاخرون بالنسب أو بالشرف أو بالخصال الحميدة كالكرم والجود والنجدة والمروءة. كما كان العرب يجتمعون فى تلك الأسواق للمنافرة، أى أنهم يتحاكمون فى النسب، كما حدث بين بنى أمية وبنى هاشم من منافرات مدونة فى مصادر الشعر العربى الجاهلى.

وضمن احتفالات المكيين فى الجاهلية، كان الناس يخرجون إلى بعض الأماكن لمشاهدة الألعاب التى يمارسها فتيان مكة، كما أنهم كانوا يجتمعون لمشاهدة السبق، وهو ما يكون بين الأفراس فى حلبات السباق، ومنها ما يكون بين الناس كالجرى، واستمر معظم ذلك فى الإسلام. لقد كان أهل مكة والمدينة يخرجون إلى عدة أماكن، يحتفلون بالسبق.

وأهل المدينة كانوا فى الجاهلية يحتفلون بيومين عندهم، كما كان يوم السبت معظمًا عند يهود المدينة، وهو بمثابة عيد أسبوعى. فعن أنس رضى الله عنه قال: «قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرًا منهما: يوم الفطر والأضحى». وكذلك عندما قدم النبى المدينة وجدهم يحتفلون بيوم عاشوراء. عن ابن عباس رضى الله عنه قال: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، وهذا يوم نجى الله بنى إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى. قال: فأنا أحقّ بموسى منكم، فصامه، وأمر بصيامه». وهذا اليوم كان اليهود بالمدينة يجعلونه كالعيد، وكان أهل خيبر يُلبسون أبناءهم ونساءهم أحسن اللباس فى ذلك اليوم.

فى صدر الإسلام

أما فى صدر الإسلام قد تغيرت مفاهيم المسلمين نحو اللهو والاحتفالات، وأصبحت محاطة بسياج فقهى شرعى، كما ألغى الإسلام بعض الأعياد الجاهلية. فالإسلام أجاز اللهو المباح، وجعل له ضوابط، وراعى العادات والتقاليد والأعراف، فتغيرت أفكار الناس الذين أسلموا، وبقدوم الإسلام، أصبح المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوى بالمدينة المركزين الدينيين اللذين كان يجتمع فيهما المسلمون لأداء الصلوات والجمع والجماعات وإقامة الاحتفالات بالأعياد والمناسبات. فقد كان يحدث بالمسجد النبوى، تبادل القصائد والشعر والمدح والرثاء، واستقبال وفود العرب.

قد احتفل المسلمون ومنذ صدر الإسلام وحتى الآن بالعيدين: الفطر والأضحى. وكانت مظاهر الاحتفالات فى مكة والمدينة تظهر فى لبس أجمل الثياب، ورفع الصوت بالذكر والتهليل والتسبيح والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر الفاكهى ما كان يفعله أهل مكة من احتفالات فى عيد الأضحى وأيام الحج تحت عنوان «ذكر التكبير بمكة فى أيام العشر، وما جاء فيه والتكبير ليلة الفطر وتفسير ذلك». وذكر أن الناس كانوا يكبرون الله فى الطرقات والأسواق وبمنى. كما ذكر البخارى «باب: التكبير أيام منى» أن عمر رضى الله عنه كان يكبر فى قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى من التكبير. كما كان المسلمون يحتفلون فى عيد الأضحى بذبح الأضاحى تعبّدًا لرب العالمين، وابتهاجًا بقدوم العيد.

احتفل المسلمون بالمدينة فى عهد رسول الله بإقامة بعض الألعاب، والحفلات الغنائية المباحة، وتجملوا وذبحوا الذبائح. أخرج البخارى حديث عن عائشة رضى الله عنها، قالت: دخل علىّ النبى صلى الله عليه وسلم وعندى جاريتان تغنيان بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرنى وقال: أمزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأقبل عليه صلى الله عليه وسلم فقال: «دعهما». فلما غفل غمزتهما فخرجتا. فكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب. فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما قال: «تشتهين تنظرين؟» فقلت: نعم. فأقامنى وراءه، خدّى على خدّه وهو يقول: «دونكم يا بنى أرفدة». حتى إذا مللت قال: «حسبك؟» قلت: نعم، قال: «فاذهبى».