اعتقدت أن في الموت طوق النجاة لفلذة كبدها الرضيع، الذي لم يكد يتنسم هواء الدنيا غير 7 أيام، ولم يكن يعلم أنه سيغادرها غرقَا على يد أمه التي تجردت من كل أمومة حانية، ونسيت خالقها، وأن الذنب سوف يثقل كاهلها يوم القيامة.
انذرفت الدموع فوق وجنتي الأم عندما شرع الطبيب بفحص رضيعها الصغير بعد ولادته فحصًا دقيقًا وتسمّع إلى دقات قلبه بالسماعة وأمعن النظر في أذنيه، وحلقه وجس نبضه بعناية، وقاس حرارة جسده المشوه، وما إن أخبرها بأنه سيقضي حياته معاقَا.
تبدل ميزان دقات قلبها، وأجهشت في البكاء واتخذت القرار، بقلب متحجر صلد، وهداها شيطانها الذي تملك منها بأن تتخلص منه، وأحكمت السيناريو معتقدة الهرب من عقاب السماء، وأنها بذلك تشفق عليه من عذاب الدنيا وتلاطم أمواجها التي عاشتها ومارستها.
احتضنت الرضيع وسارت بخطوات يشوبها ترقب وخوف وسط الزراعات والأشجار التي تتراقص أوراقها حزنًا بينما قرص الشمس الأحمر اللامع يرسل بريقه فوق مياه الترعة، ورقرقة مياه سواقي الأرض الزراعية انتظرت حتى هدأت العيون ووقفت أعلى الجسر، قطبت السماء وجهها، وتلبدت بالغيوم، وانطلقت الريح تولول وتصفر كما لو كان اعتراضَا على ما ستفعله هذه الأم الثكلى، التي لم تراودها نفسها ولو لبرهة، حيث ألقت به في الترعة، تتابعه خشية أن يطفو فوق سطح الماء، وما إن تأكدت من أن ابتلعته مياه الترعة، عادت وبدموع التماسيح تروي السيناريو الذي أحكمت فقراته، وتخبر زوجها بأن هناك مجهولين يستقلان دراجة بخارية قاما باختطاف الطفل بعد خروجها من الصيدلية بعدما أحضرت له الدواء بينما كانت تحريات الأجهزة الأمنية بالقليوبية لها رأي أخر، حيث تبين عدم صحة قصة الأم بعدما أكد طبيب الصيدلية عدم حضورها في يوم الواقعة، وبتضييق الخناق عليها، انهارت واعترفت بجريمتها البشعة وأنها أقبلت على فعلتها هذه رأفة برضيعها لكونه معاقَا، ومشوه جسديًا، حيث أخبرها الطبيب بأنه سيظل معاقَا طوال حياته وأمرت النيابة بحبسها.