رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ملامح‭ ‬الأدب‭ ‬العمالى فى‭ ‬السرد‭ ‬المعاصر

12-5-2022 | 14:51


شوقى بدر يوسف

شوقى بدر يوسف

يمثل‭ ‬الأدب‭ ‬العمالى‭ ‬محورا‭ ‬خاصا‭ ‬من‭ ‬محاور‭ ‬الأدب‭ ‬فى‭ ‬أجناسه‭ ‬الأدبية‭ ‬المتنوعة‭  ‬الشعر،‭ ‬القصة،‭ ‬الرواية،‭ ‬المسرح،‭ ‬حيث‭ ‬يتناول‭ ‬الأدب‭ ‬الطبقة‭ ‬العمالية‭ ‬بكل‭ ‬قضاياها‭ ‬وإشكاليات‭ ‬أحوالها‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬سلطة‭ ‬أصحاب‭ ‬الأعمال‭ ‬والشركات‭ ‬التى‭ ‬يعملون‭ ‬بها،‭ ‬ويمثل‭ ‬السرد‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الناحية‭ ‬محورا‭ ‬مهما‭ ‬لتناول‭ ‬القصة‭ ‬والرواية‭ ‬لهذه‭ ‬القضايا‭ ‬فى‭ ‬نصوصها‭ ‬المختلفة‭ ‬فى‭ ‬محاولة‭ ‬لرصد‭ ‬ما‭ ‬تعايشه‭ ‬هذه‭ ‬الطبقة‭ ‬وتصطدم‭ ‬به‭ ‬فى‭ ‬حياتها‭ ‬الخاصة‭ ‬والعملية‭ ‬مع‭ ‬سلطة‭ ‬المال‭ ‬وصاحبه‭. ‬كما‭ ‬تمثل‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأدب‭ ‬وحياة‭ ‬العمال‭ ‬فى‭ ‬نضالهم‭ ‬اليومى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭ ‬والتى‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬حلقة‭ ‬مستمرة‭ ‬فى‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬العمال‭ ‬وطموحاتهم‭ ‬نحو‭ ‬تحسين‭ ‬أحوالهم‭ ‬المعيشية،‭ ‬والحرية‭ ‬فى‭ ‬ترتيب‭ ‬أحوال‭ ‬مستقبلهم‭ ‬المعيشى‭.‬

من‭ ‬أشهر‭ ‬الأعمال‭ ‬الروائية‭ ‬فى‭ ‬الأدب‭ ‬الأوروبى‭ ‬كانت‭ ‬رواية‭ (‬جيرمينال‭) ‬للكاتب‭ ‬الفرنسى‭ ‬أميل‭ ‬زولا‭ ‬التى‭ ‬صدرت‭ ‬عام‭ ‬1885‭. ‬وتتناول‭ ‬قضايا‭ ‬عمال‭ ‬المناجم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬النضال‭ ‬الحاصل‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬شركات‭ ‬المناجم‭ ‬وأصحاب‭ ‬الأعمال‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬ورواية‭ "‬رجال‭ ‬وفيران‭" ‬للكاتب‭ ‬الأمريكى‭ ‬جون‭ ‬شتاينبك‭ ‬الذى‭ ‬صور‭ ‬فيها‭ ‬كفاح‭ ‬بعض‭ ‬الأجراء‭ ‬الزراعيين‭ ‬ليتملكوا‭ ‬قطعة‭ ‬أرض‭ ‬صغيرة‭ ‬يعملون‭ ‬فيها‭ ‬بأنفسهم‭ ‬وينالون‭ ‬منها‭ ‬قدرا‭ ‬من‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والحرية،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬يشعرون‭ ‬بالمرارة‭ ‬من‭ ‬الفشل‭ ‬الذريع‭ ‬الذى‭ ‬حل‭ ‬بهم‭ ‬جراء‭ ‬بطش‭ ‬سيد‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬وتعنته‭ ‬فى‭ ‬تملكهم‭ ‬لهذه‭ ‬الأرض‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تمثل‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهم‭ ‬الحياة‭ ‬كلها‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬حضور‭ ‬شخصية‭ ‬العامل‭ ‬فى‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬فى‭ ‬المدينة‭ ‬والريف‭ ‬قليلة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬بسبب‭ ‬انصراف‭ ‬الكتّاب‭ ‬إلى‭ ‬مجالات‭ ‬أخرى‭ ‬فى‭ ‬الكتابات‭ ‬السردية‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الكتّاب‭ ‬قد‭ ‬استلهم‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬منطقة‭ ‬الأدب‭ ‬العمالى‭. ‬

ففى‭ ‬مجموعة‭ "‬موت‭ ‬عامل‭ ‬مطبعة‭" ‬للكاتب‭ ‬سليمان‭ ‬فياض‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬يرفد‭ ‬الكاتب‭ ‬حكاية‭ ‬عامل‭ ‬المطبعة‭ (‬الشحات‭) ‬العامل‭ ‬المصدور‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حياته‭ ‬الخاصة‭ ‬داخل‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬العملى‭ ‬الذى‭ ‬يعيش‭ ‬فيها‭ ‬فى‭ ‬توتر‭ ‬وقلق‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬جشع‭ ‬صاحب‭ ‬المطبعة‭ ‬الذى‭ ‬يرفض‭ ‬تزويد‭ ‬مطبعته‭ ‬بأساليب‭ ‬الحماية‭ ‬اللازمة‭ ‬لعماله‭ ‬وبين‭ ‬كيانه‭ ‬الهزيل‭ ‬فى‭ ‬ممارسة‭ ‬عمله‭ ‬وفى‭ ‬متخيله‭ ‬الخاص‭ ‬حين‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬منزله‭ ‬حيال‭ ‬ما‭ ‬يكابده‭ ‬فى‭ ‬صميم‭ ‬عمله‭ ‬فى‭ ‬مطبعة‭ (‬البشلاوى‭)‬‭ ‬وما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬الشحات‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬كيماوية‭ ‬تجعل‭ ‬رص‭ ‬حروب‭ ‬الجمع‭ ‬تنهش‭ ‬فى‭ ‬جسده‭ ‬–‭ ‬دون‭ ‬رحمة‭ ‬من‭ ‬صاحب‭ ‬العمل‭ ‬–‭ ‬حيال‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬الخطرة‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬العامل‭ ‬مصدورا‭ ‬نتيجة‭ ‬لهذا‭ ‬الوضع‭ ‬غير‭ ‬الإنسانى‭ ‬المأزوم‭. ‬وتبدو‭ ‬رؤيا‭ ‬الموت‭ ‬قائمة‭ ‬أمام‭ ‬الشحات‭ ‬أمام‭ ‬عنت‭ ‬البشلاوى‭ ‬صاحب‭ ‬المطبعة‭.‬

وفى‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬أيضا‭ ‬نجد‭ ‬صورة‭ ‬العامل‭ ‬فى‭ ‬أعمال‭ ‬سيريّة‭ ‬مثل‭ ‬سيرة‭ ‬محمد‭ ‬يوسف‭ ‬المدرّك‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬القيادات‭ ‬العمالية‭ ‬الشهيرة‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬فترة‭ ‬الثلاثينيات،‭ ‬الذى‭ ‬كتب‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الروائية‭ ‬أشهرها‭ "‬من‭ ‬الكوخ‭ ‬إلى‭ ‬القصر‭"  ‬دون‭ ‬فيها‭ ‬حلم‭ ‬أن‭ ‬تصير‭ ‬الآلة‭ ‬لمن‭ ‬يعمل‭ ‬عليها،‭ ‬أى‭ ‬أن‭ ‬يتملك‭ ‬العامل‭ ‬مصنعه،‭ ‬وهى‭ ‬فكرة‭ ‬تحويل‭ ‬الملكية‭ ‬الخاصة‭ ‬إلى‭ ‬ملكية‭ ‬عامة‭. ‬كما‭ ‬تحضرنا‭ ‬أيضا‭ ‬تجربة‭  ‬القاص‭ ‬محمد‭ ‬صدقى‭ ‬عامل‭ ‬النسيج‭ ‬الذى‭ ‬أصدر‭ ‬أول‭ ‬مجموعة‭ ‬قصصيه‭ ‬له‭ ‬عام‭ ‬1957‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ "‬الأنفار‭" ‬عن‭ ‬العامل‭ ‬الأجير‭ ‬بلا‭ ‬رزق‭ ‬منتظم‭. ‬وتجربة‭ ‬أمين‭ ‬عز‭ ‬الدين‭ ‬رواية‭ "‬الفيلق‭" ‬التى‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬أحداث‭  ‬تسخير‭ ‬العمال‭ ‬فى‭ ‬خدمة‭ ‬معسكرات‭ ‬الجيش‭ ‬الإنجليزى‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬القنال‭ ‬دون‭ ‬أجر‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬جسده‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬فى‭ ‬رواية‭ "‬زقاق‭ ‬المدق‭" ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عباس‭ ‬الحلو‭ ‬الذى‭ ‬عمل‭ ‬فى‭ (‬الأورنس‭) ‬الإنجليزي‭  ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المال‭ ‬السريع‭ ‬لشراء‭ ‬شبكة‭ ‬حميدة،‭ ‬ونهايته‭ ‬المأسوية‭ ‬حين‭ ‬اكتشف‭ ‬سقوط‭ ‬حميدة‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬السراب‭ ‬فكان‭ ‬مقتله‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬لديهم‭.‬

كذلك‭ ‬قدم‭ ‬خيرى‭ ‬شلبى‭ ‬شخصية‭ ‬العامل‭ ‬الفواعلى‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬الصعيد‭ ‬ليعمل‭ ‬فى‭ ‬مهنة‭ ‬الفاعل‭ ‬لدى‭ ‬مقاولى‭ ‬الأنفار‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬فى‭ ‬البناء‭ ‬فى‭ ‬ثلاثيته‭ "‬أولنا‭ ‬ولد‭"‬،‭ ‬و‭"‬ثانينا‭ ‬الكومى‭"‬،‭ ‬و‭"‬ثالثنا‭ ‬الورق‭".‬

كما‭ ‬جسد‭ ‬صنع‭ ‬الله‭ ‬إبراهيم‭ ‬فى‭ ‬روايته‭ "‬نجمة‭ ‬أغسطس‭" ‬دور‭ ‬العامل‭ ‬المصرى‭ ‬وجهده‭ ‬الكبير‭ ‬فى‭ ‬بناء‭ ‬السد‭ ‬العالى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الصحفى‭ ‬الذى‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬أسوان‭ ‬ليغطى‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬الكبير‭.‬

وعمال‭ ‬الاتصالات‭ ‬التى‭ ‬ظهرت‭ ‬فى‭ ‬روايتى‭ "‬وردية‭ ‬ليل‭" ‬لإبراهيم‭ ‬أصلان،‭ ‬و‭"‬البوسطجى‭" ‬ليحيى‭ ‬حقى،‭ ‬وما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬فى‭ ‬عمله‭ ‬وممارساته‭ ‬الذاتية‭ ‬والعملية‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الحقل‭ ‬من‭ ‬حقول‭ ‬العمل‭.‬

كما‭ ‬تجسد‭ ‬رواية‭ "‬الأيدى‭ ‬الناعمة‭" ‬لتوفيق‭ ‬الحكيم‭ ‬فكرة‭ ‬البطالة‭ ‬وما‭ ‬تفعله‭ ‬فى‭ ‬مدمنى‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬البطالة‭ ‬من‭ ‬العاطلين‭ ‬بالوراثة‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬هو‭ ‬الأساس‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭. ‬وقد‭ ‬تحولت‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬إلى‭ ‬فيلم‭ ‬سينمائى‭ ‬قام‭ ‬ببطولته‭ ‬أحمد‭ ‬مظهر‭ ‬وصلاح‭ ‬ذو‭ ‬الفقار‭ ‬والمطربة‭ ‬صباح‭ ‬ومريم‭ ‬فخرى‭ ‬الدين‭ ‬وليلى‭ ‬طاهر‭.‬

كما‭ ‬قدم‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬منيف‭ ‬فى‭ ‬رواية‭ "‬شرق‭ ‬المتوسط‭" ‬شخصية‭ ‬العامل‭ ‬السياسى‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬ضحية‭ ‬التعذيب‭ ‬والقمع‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬لتبنيه‭ ‬ومناداته‭ ‬بالعدالة‭ ‬والحرية‭.‬

ولا‭ ‬ننسى‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬العامل‭ ‬فى‭ ‬الريف‭ ‬فقد‭ ‬تناول‭ ‬الأدب‭ ‬الفلاحين‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬فى‭ ‬الأرض‭ ‬خاصة‭ ‬عمال‭ ‬التراحيل‭ ‬الذين‭ ‬كثر‭ ‬الحديث‭ ‬عنهم‭ ‬فى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬أشهرهم‭ ‬رواية‭ "‬الحرام‭" ‬ليوسف‭ ‬إدريس،‭ ‬ورواية‭ "‬الأوباش‭" ‬لخيرى‭ ‬شلبى‭.‬

وتعتبر‭ ‬رواية‭ ‬الحرام‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬التى‭ ‬جسدت‭ ‬قضية‭ ‬عمال‭ ‬التراحيل‭ ‬التى‭ ‬ظهرت‭ ‬فى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الروائية‭ ‬التى‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬الريف‭ ‬وشكلت‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالية‭ ‬نوعا‭ ‬مهما‭ ‬فى‭ ‬تحرير‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬الظلم‭ ‬والقهر‭ ‬الذى‭ ‬كانوا‭ ‬يعانونه‭ ‬من‭ ‬ملاك‭ ‬الأرض‭.‬

وحول‭ ‬عمال‭ ‬التراحيل‭ ‬فى‭ ‬رواية‭ ‬الحرام‭ ‬يقول‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ "‬عندما‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬قريتى‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬القرية‭ ‬المصرية‭ ‬وكأن‭ ‬الفلاحين‭ ‬جنس‭ ‬واحد‭. ‬ولكنى‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬الفلاحين‭ ‬يشكلون‭ ‬طبقات،‭ ‬مثل‭ ‬اكتشاف‭ ‬أن‭ ‬الشيء‭ ‬يتكوّن‭ ‬من‭ ‬جزئيات،‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬ذرات‭ ‬والذرات‭ ‬من‭ ‬جسيمات‭ ‬صغيرة،‭ ‬وقد‭ ‬كنت‭ ‬وقتها‭ ‬أؤمن‭ ‬بالطبقات‭ ‬الكادحة‭ ‬من‭ ‬الناس‭". ‬لذا‭ ‬كانت‭ ‬رواية‭ "‬الحرام‭" ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬التى‭ ‬عبرت‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬فئة‭ ‬عمال‭ ‬التراحيل‭ ‬المزرى،‭ ‬وجسدت‭ ‬بواقعية‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬التسجيلية،‭ ‬حياة‭ ‬تلك‭ ‬الفئة‭ ‬المهمشة‭ ‬اجتماعيا،‭ ‬والمتدنية‭ ‬فى‭ ‬جميع‭ ‬أحوالها،‭ ‬فى‭ ‬خط‭ ‬إنسانى،‭ ‬ونبرة‭ ‬اجتماعية‭ ‬طرحت‭ ‬إشكالية‭ ‬الفرد‭ ‬والمجتمع،‭ ‬والخاص‭ ‬والعام،‭ ‬والذاتى‭ ‬والموضوعى‭ ‬فى‭ ‬حركة‭ ‬نصية‭ ‬داخلية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الأسلوب‭ ‬الصارم‭ ‬الذى‭ ‬عرض‭ ‬به‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬الأحداث،‭ ‬والشخصيات،‭ ‬والوقائع‭ ‬المتداخلة،‭ ‬والمتقاطعة‭ ‬داخل‭ ‬النص،‭ ‬ليحيل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬طريقة‭ ‬خاصة‭ ‬للحياة‭ ‬تروى‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تعاش‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بعد‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬حياة‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬المهمش‭ ‬المعذّب‭ ‬الذى‭ ‬يعيش‭ ‬فى‭ ‬منظومة‭ ‬داخلية‭ ‬وقائع‭ ‬حياة‭ ‬متدنية‭ ‬ومتشظية‭ ‬فى‭ ‬أبعادها‭ ‬المختلفة‭ ‬ويسير‭ ‬بها‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬دقائق‭ ‬حياته‭ ‬على‭ ‬منهج‭ ‬الحرام‭ ‬والحلال‭ ‬والخطيئة‭ ‬والخيانة،‭ ‬وسطوة‭ ‬الواقع‭ ‬المعيش،‭ ‬وطغيان‭ ‬القهر‭ ‬والتسلط‭ ‬على‭ ‬مقدرات‭ ‬الحياة،‭ ‬ولعل‭ ‬هذه‭ ‬المفردة‭ ‬التى‭ ‬حملها‭ ‬النص‭ ‬فى‭ ‬عتبته‭ ‬الأولى‭ ‬وهى‭ ‬مفردة‭ "‬الحرام‭" ‬والتى‭ ‬أخذ‭ ‬منها‭ ‬الكاتب‭ ‬وقائع‭ ‬إشاراته‭ ‬المباشرة‭ ‬وغير‭ ‬المباشرة‭ ‬لمكونات‭ ‬النص،‭ ‬هى‭ ‬الإشارة‭ ‬أو‭ ‬العلامة‭ ‬التى‭ ‬كثف‭ ‬بها‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬الوقائع‭ ‬الرئيسية‭ ‬لروايته‭ ‬ووضع‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬حقيقة‭ ‬الأيام‭ ‬التى‭ ‬عاشتها‭ ‬الشخصيات‭ ‬والتى‭ ‬انجلت‭ ‬عن‭ ‬حقائق‭ ‬متعددة‭ ‬تركت‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬النص‭ ‬بعدا‭ ‬رمزيا‭ ‬شبه‭ ‬أسطورى‭ ‬يشير‭ ‬هذا‭ ‬البعد‭ ‬بأن‭ "‬الناس‭ ‬تريد‭ ‬الإيمان‭ ‬على‭ ‬أية‭ ‬صورة،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬ما‭ ‬تؤمن‭ ‬به‭ ‬فى‭ ‬الواقع‭ ‬آمنت‭ ‬به‭ ‬فى‭ ‬الحكايات‭.‬