رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


تجارة وتعليم «ربــــع مليـــون» صينـى فى شوارع مصر

14-7-2017 | 17:59


تقرير : سلوي عبد الرحمن

عدسة : مسعد سيف

البيزنس.. لم يكن الهدف الوحيد الذى دفع أكثر من ٢٥٠ ألف صينى، لاتخاذ قرار بمغادرة بلدهم، واللحاق بأول طائرة تحط فى مطار القاهرة، لكن هناك أسبابا أخرى، الدراسة تأتى فى مقدمتها.. هكذا يمكن تلخيص سر تواجد ربع مليون صينى على الأراضى المصرية، ولعل الواقعة الأخيرة التى شهدتها الأيام الماضية، فيما يتعلق بالطلاب الصينيين بالأزهر، المنتمين لطائفة “الإيغور”، وما أثير حول قيام أجهزة الأمن بملاحقتهم، تمهيدا لترحيلهم وتسليمهم إلى السلطات الصينية، وهو ما نفته مشيخة الأزهر، ووزارة الداخلية، يؤكدأن هناك عالما خاصا بالصينيين فى مصر، يضم رجال أعمال، ومهنين، وطلاب علم أيضا.

واقعة طلاب “الإيغور”، يمكن القول أنها باب جديد، يمكن الدخول منه إلى عالم “الصينيين فى مصر”، الذين تجاوزا حاجز الـ”ربع مليون صينى”، غالبيتهم حطوا رحالهم فى مصر، رغبة فى الاستثمار، والتجارة، فبلادهم التى تنتج”الإبرة” تمكنت أيضا من تصنيع “الصاروخ”، والمحروسة بالنسبة إليهم سوق رائج، يوفر لهم فرصا استثمارية جيدة، ومستهلكا يُقبل على منتجاتهم.

من التجارة فى الأجهزة الكهربائية، ومرورا بالتليفونات المحمولة والمنتجات الجلدية، وصولا إلى لعب الأطفال، تنوعت الاستثمارات الصينية فى مصر، وأصبحت عبارة «صنع فى الصين» حاضرة فى أغلب البيوت المصرية، ولم يتوقف تواجدهم عند الأحياء الشعبية فقط، التى تشهد إقبالا على «البضاعة الصينى»، لكن امتدت مشروعات الصينيين إلى المناطق الراقية، حيث بدأت تنتشر فى ربوعها مطاعم «الأكل الصينى» التى تشهد هى الأخرى إقبالا، يؤكد رغبة المصريين فى التواصل مع تلك الثقافة، وقبولهم وجودها فى مصر .

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد شهدت الفترة الأخيرة، اتجاه مجموعات من الصينيين، لإنشاء معاهد تعليم اللغة الصينية، التى بدأت هى الأخرى تحظى باهتمام وإقبال من قطاع عريض لا يستهان به، كما هو الحال فى بقية المشروعات.

وجوها متشابهة، «ملامح تكاد تكون متطابقة، إلا قليلا، وأيادى مدربة على الإمساك بالعصا التى تستخدم فى تناول الطعام الصينى، وستصل إلى مسامعك لغة غير العربية، فالمكان عبارة عن مطعم صينى يرتاده عدد كبير من الصينيين فى مصر، لعل المكان يعيد إليهم ذكريات تركوها فى بلدهم من أجل البحث عن «لقمة العيش»، أو طلبًا للعلم.

الرحلة داخل المطعم الصينى، لم تكن سوى مجرد بداية، وإن كانت غير موفقة، بعدما اتضح أن الموظف المسئول عن استقبال الزبائن، لا يتحدث العربية أو الإنجليزية، يصر كذلك على التأكيد بأنه لا يتحدث سوى الصينية، الأمر الذى لم يترك أمامنا فرصة للتواصل معه، ليودعنا بابتسامة يضعها على وجهه ثابتة طوال ساعات عمله الممتدة داخل المطعم.

العتبة.. المكان الأكثر ازدحاما فى العاصمة، والفرصة التى استطاع مئات المواطنين الصينيين استثمارها، «تشن» الزوجة، و»يان» الزوج.. صينيان يقيمان فى القاهرة منذ فترة، يقفان فى الشارع لعرض بضاعتهم من الهواتف المحمولة التى تحمل العبارة الأشهر «صُنع فى الصين» لمواطنين مصريين، يتواصلان معهم بــلغة عربية ركيكية.

وعندما بدأنا الحديث مع الزوجين، التقطت «تشن» طرف خيط الحديث، وقالت: إن المصريين دمهم خفيف، ونحن نستمتع بالتعامل معهم لأن المصري يريد طريقة عرض مهذبة للبضائع، ويمكن القول أننا تمكنا من فهم واستيعاب ذوق المصريين لذلك نستطيع التعامل معهم رغم صعوبة اللغة، ومن هنا معظمنا وجد فرصة عمل لم يجدها المصريون أنفسهم.

وعن أماكن تجمعهم وعددهم قالت: لدينا مكان للتجمع نطلق عليه الجالية الصينية، ويضم أكثر من ٢٥٠ ألف صينى، كما أننا نحصل من المكان على الدعم القانونى والمعنوي ونستعيد مع أبناء الجالية شيئا من ذكريات الوطن، كما نقوم بالتعارف والتدخل فى حالة حدوث مشكلات لأبناء الجالية خاصة أنها تقدم خدماتها مجانا ودون أدنى مقابل.

«تشن» أنهت حديثها قائلة: نحن نشطون وتمكنا من دراسة السوق المصرية والتعرف على نوعية البضاعة التى يفضلها المستهلك المصرى.

وعندما جاء ذكر علاقاتهم بالسفارة الصينية فى القاهرة، أجاب زوجها «يان» عن الأمر بقوله: نذهب إلى السفارة عند الحاجة لاستخراج أوراق رسمية، أو إنهاء بعض الأمور ولا شيء أكثر من هذا.

التقينا أيضا بـ»كواى»، الذى أكد أنه يدرس فى جامعة الأزهر، وإلى جانب الدراسة يعمل فى معاهد لتعليم اللغة الصينية، وبسؤاله عن اصرار بعض مواطنى بلده، على التحدث بالصينية، قال «كواى»: بالفعل.. هناك مجموعة من الطلبة والدارسين يتبنون نشر اللغة الصينية وتسمى «موا تشنج» ولايريدون التحدث بغيرها وهؤلاء ليسوا كثيرين ، ومن جانبى لا أحبذ هذا الأمر لأن اللغة الصينية غير منتشرة فى مصر، إلى جانب أنها صعبة التعلم، ولهذا أتوقع من المجموعات التى تصر على التحدث بالصينية مغادرة مصر فى وقت قريب وعدم استكمال حياتهم هنا. أما «ويزونج»، التى جاءت إلى القاهرة برفقة صديقتها «بسيا» لرغبتهما فى فتح مصنع ملابس، فإنها نتيجة الروتين والتكلفة المالية المرتفعة التى يتطلبها الأمر، قررتا تأجيل فكرة المصنع، واتجهتا إلى التجارة الحرة، عن طريق شراء بضاعة والمرور على المنازل لبيعها، ما أتاح لهما توفير جزء من المبلغ المطلوب لتحقيق حلم «مصنع الملابس».

فى ذات السياق أوضح إسلام لاوشيه، أنه يعمل مدرس اللغة الصينية في إحدى المدارس، بعد أن كان يعمل كمرشد سياحى ومترجم للغة الصينية، وأكمل قائلا: الصينيون أبناء حضارة زراعية ولديهم عادات وتقاليد تدعو إلى الكرم والبشاشة، ولديهم دأب كبير خاصة فيما يخص العمل، والتقاليد تحكم تصرفاتهم الاجتماعية كثيرا فنجد الرجل يدفع للمرأة فى المطعم والكبير يدفع للصغير والـأـم والأب لهما قدسية كبيرة. وحول المشكلات التى تواجهه أثناء عمله فى مصر، قال «لاوشيه»: هناك مشكلة كبيرة تقابلنا كدارسين وعاملين باللغة الصينية تتمثل فى التحايل علي القوانين، والتي تلزم صاحب كل شركة أو مصنع تشغيل تسعة من المصريين مقابل واحد صينى.

على الجانب الآخر، قال د. محسن فرجان، أستاذ الأدب واللغة الصينية بكلية الـألسن جامعة عين شمس:بحكم عملي أجد أن الصينيين لديهم قيم كثيرة تشبه المصريين، إلى جانب أنهم يشتركون معنا في تقدم الحضارة، وبالنسبة لتواجدهم في مصر اللافت للنظر ، فإنه يمكن القول أن الصينيين في جميع دول العالم التي يقيمون فيها تجد لهم أحياء وأماكن مستقلة بهم تسمي بالأحياء الصينية، أما فى مصر فلا نجد هذه الظاهرة موجودة فهم منتشرون في أماكن مختلفة، وإن دل ذلك علي شئ فيدل علي أنهم وجدوا تفاهما واندماجا مع المصريين لم يجدونه في بلاد أخرى.