نظمت مكتبة الإسكندرية لقاءً مفتوحًا مع الكاتب الروائي أحمد القرملاوي، ضمن فعاليات البرنامج الثقافي للدورة العشرين لمعرض الكتاب الدولي، وقدّم اللقاء الكاتب الصحفي مصطفى زكي.
تناولت الندوة الحديث عن مفاهيم الرواية التاريخية، وتطور أشكال الكتابة السردية، كما ألقت الضوء على رواية "الأحد عشر"، أحدث أعمال الكاتب أحمد القرملاوي.
واستهل الكاتب مصطفى زكي اللقاء بالإشارة إلى أن الرواية الاجتماعية يمكن اعتبارها من أشكال التأريخ، حيث تؤرّخ لزمن ومجتمع وإن لم تُكتب بمنظور تاريخي صريح. استشهد بأعمال نجيب محفوظ التي وثقت نبض القاهرة وأزمنتها، وبـ"لا أحد ينام في الإسكندرية" لإبراهيم عبد المجيد التي رسخت مراحل من تاريخ المدينة من خلال سرد اجتماعي.
ومن جانبه، علّق القرملاوي بأن الرواية الواقعية والاجتماعية تتحول بمرور الزمن إلى مرجع تاريخي غير مباشر، لأنها ترصد ملامح الحياة وتوثّق صورة الإنسان في لحظة اجتماعية متغيرة، مؤكدًا أن الأدب يمنح صوتًا للناس العاديين أكثر مما يوثق الأحداث الرسمية.
وانتقل الحديث إلى رواية "الأحد عشر"، وهي عمل يستند إلى قصة توراتية مقتضبة عن "داينا"، شقيقة النبي يوسف، التي تُختطف وتُحبس في قصر ملكي بمدينة شكيم. يعيد الكاتب بناء الحدث من منظور غير تقليدي، متناولًا القصة من زاوية إخوة يوسف الذين غالبًا ما صُوّروا كرموز للشر، محاولًا منحهم صوتًا سرديًا واستكشاف تكوينهم النفسي.
وقال القرملاوي: "كنت أريد أن أكتب من وجهة نظر الإخوة، وأن أتناول المفارقة بين الخير المطلق والشر المطلق، لكن المفاجأة أنني وجدت في قصة داينا طاقة درامية أكبر... ولم أستطع العودة بعدها."
أوضح القرملاوي أن الرواية استغرقت سنوات في الكتابة، ومرّت بفترات من التوقف والتردد، حتى استقرت على بنية سردية متعددة: خط تاريخي يعيد تشكيل الحدث القديم، وخط معاصر يدور حول كاتب شاب يُدعى "أمير" يخوض صراعًا فنيًا واقتصاديًا حين يقرر تقديم مشروعه بصيغة مسرحية بدلًا من الرواية، وخط مسرحي يفتح جدلًا حول الشكل الفني ومدى تناسبه مع عمق القصة.
وأضاف: "مثل أي فنان، كنت أبحث عن متعة مختلفة، لذلك جاء المزج بين الرواية والمسرح كخطوة نحو تجربة سردية جديدة."
وتناول القرملاوي خلال اللقاء علاقته بالفنون الأخرى، موضحًا أن دراسته للهندسة ساعدته على بناء العالم الروائي بدقة وتوازن، وقال: "الهندسة علم البناء، والرواية فن البناء... أما الموسيقى فهي وسيلة لضبط الإيقاع الشعوري للنص، مثلما يفعله العود في التعبير العاطفي."
وعن لغة الكتابة، أكد القرملاوي أنه لا يتبنى أسلوبًا لغويًا صارمًا، بل يفضّل تطويع اللغة بما يخدم الحالة الشعورية للنص، مضيفًا: "أنا من الكتاب المؤمنين بأن اللغة أداة تُطوَّع لصالح العالم الروائي، ولا ينبغي أن تطغى على الحالة الداخلية للنص."
ورداً على سؤال حول مستقبل الكتاب الورقي مقابل حداثة الوسائط الأخرى، قال القرملاوي إن القراءة الآن أصبحت متعددة الوسائط، تضم المنصات الإلكترونية، والمحتوى البصري، والصوتي، إلى جانب الكتب المطبوعة، وأضاف: "كلها أشياء تكمل بعضها."
وأكد أن رواج الأعمال على الوسائط الإلكترونية يُعزز حضور الكتب الورقية، إذ تتولد لدى القراء رغبة في امتلاك الأصل الورقي، وأضاف: "أرى أن هناك ارتباطًا جينيًا وموروثًا إنسانيًا يجعل كل الأجيال المتعاقبة مرتبطة بالكتاب الورقي مهما تطورنا في الحداثة."
واختتم القرملاوي اللقاء بالتأكيد على رؤيته لفلسفة الكتابة، قائلًا: "إحدى مهام الكتابة الروائية هي استبطان التجربة البشرية والكشف عن الذات، عبر صراعات الإنسان مع الحياة وتحولات الزمن، خاصة حين يكون النص رواية أجيال تُروى على خلفية من التحولات التاريخية والمجتمعية."
وفي ختام الجلسة، استعرض مقدم اللقاء مصطفى زكي المسار الأدبي للقرملاوي، مشيرًا إلى أنه بدأ مشواره الأدبي عام 2013 بمجموعة "أول عباس"، وتوالت أعماله لاحقًا عبر ست روايات ومجموعتين قصصيتين، بالإضافة إلى تجربة في الترجمة. حصل القرملاوي على عدد من الجوائز المرموقة، من بينها جائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة معرض القاهرة الدولي، وجائزة كتارا للرواية العربية، مما جعله أحد أبرز الكُتاب المصريين الذين يجمعون بين الرؤية الإنسانية والبناء الفني متعدد المستويات.
ولد أحمد القرملاوي عام 1978 بالقاهرة، وتخرّج في هندسة التشييد من الجامعة الأمريكية، ثم نال درجة الماجستير من جامعة إدنبرا بأسكتلندا.
وعلى الرغم من نجاحه المهني في مجال الهندسة، اختار طريق الأدب، حيث وجد في الكتابة مساحة لاستكشاف الذات وتحليل النفس البشرية وسط تحولات العالم.
جدير بالذكر أن فعاليات الدورة العشرين لمعرض مكتبة الإسكندرية الدولى للكتاب تتواصل خلال الفترة من 7 إلى 21 يوليو الجارى، بالتعاون مع الهيئة المصرية العامة للكتاب، واتحادى الناشرين المصريين والعرب، في مقر المكتبة على كورنيش الإسكندرية وبالتوازى في القاهرة في "بيت السنارى" بحى السيدة زينب، و"قصر خديجة" بحلوان.
وتقدم 79 دار نشر مصرية وعربية أحدث إصداراتها بخصومات متميزة لرواد المعرض، وعلى هامش المعرض يتم تقديم 215 فعالية ثقافية، ما بين ندوات وأمسيات شعرية وورش متخصصة، بمشاركة قرابة 800 مفكر ومثقف وباحث ومتخصص في شتى مناحى الإبداع والعلوم الإنسانية والتطبيقية.