بعد سقوط «مستريحي أسوان».. كيف يقع المواطنون ضحايا عمليات النصب وآليات التصدي لها
خلال الأيام القليلة الماضية، ظهرت العديد من حوادث النصب على المواطنين التي يقودها شخص «المستريح»، ويتولى جمع الأموال من ضحاياه والنصب عليهم بعد إيهامهم بأكاذيبه وهي الأرباح والعائد الكبير، وهي عملية ليست جديدة بل تتكرر بين الحين والآخر يكون الضحية فيها شخص أودع كل مدخراته لدى «المستريح».
وكان آخر تلك الحوادث مستريح أسوان، مصطفى الحصاوي في مركز إدفو في قرية الشرفا، التي شهدت حالة من الفوضى بعد أن تلقت الشرطة مئات البلاغات ضد «الحصاوي»، بعد ما تردد من أنباء عن هروبه واستيلاءه على ملايين الجنيهات جمعها من ضحاياه تحت مسمى تجارة المواشي والسيارات والأموال، واقتحم الضحايا منزله.
«الحصاوي» ليس الوحيد خلال الأيام الماضية، فقد سبقه حبس «مصطفى البنك» الذي استولى على 200 مليون جنيه من ضحاياه، بزعم توظيفها مقابل أرباح مرتفعة، ثم ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليه واثنين آخرين، وقررت حبسهم 4 أيام على ذمة التحقيقات.
كيف يخدع «المستريح» ضحاياه؟
وعن تلك الحوادث، قال الدكتور فتحي قناوي، أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن تكرار حوادث النصب على المواطنين «المستريح»، والتي كان آخرها ظهور أكثر من مستريح في أسوان، هي استمرار لحوادث بدأت في 2015 بعد مشكلة توظيف الأموال، وهي عملية نصب واحتيال ولا تندرج تحت مسمى توظيف الأموال على الإطلاق.
وأوضح «قناوي»، في تصريح لبوابة «دار الهلال»، أن توظيف الأموال له قواعد وشروط وأوراق وإمضاءات تثبت حق الطرفين، لكن في ظاهرة المستريح فلا يوجد أي إثبات أو مستند، مشيرًا إلى أنه في حادث مستريح أسوان كان هذا الشخص يشتري الماشية من المواطنين مع وعد بإعطائهم الأموال مضاعفة بعد فترة زمنية بدون أي سند للبيع أو الشراء.
وأشار إلى أنه قديمًا قالوا «القانون لا يحمي المغفلين»، لأن مشكلة هؤلاء الضحايا هي الحصول على المال والكسب السريع بأقل مجهود، لذلك يقعوا ضحية تلك الظروف والعمليات، وهي حوادث تكررت منذ 2015 حتى الآن، مضيفًا أن النصاب أو المحتال يعلم أن العقوبة القانونية أقصاها سنة، فالقانون 336 الذي يعاقب على النصب والاحتيال حدد العقاب بسنة وغرامة 500 جنيهًا، وإذا عاد للجريمة يوضع تحت رقابة الشرطة عام أو اثنين.
وأكد قناوي أن ذلك لا يوقف الجرائم المستحدثة، والتي تعتبر جرائم قديمة في صورة جديدة، لذلك يجب الوعي بأن فكرة المكسب السريع بدون إثباتات هو إهدار للمال وضياع، ويجب أن يكون هناك وقفة مع هؤلاء الضحايا الذي يقعون ضحية أنفسهم قبل أن يكونوا ضحايا للمستريح، مشيرًا إلى ضرورة تسليط الضوء والوعي بأخطار الوقوع ضحية للنصب.
وأضاف أستاذ كشف الجريمة، أنه يجب تعديل التشريع بشكل أسرع ما يمكن، لأن تلك الحوادث لن تتوقف وقد تتكرر في مناطق أو محافظات أخرى، لأن النصاب يختار المكان الذي يستطيع أن ينصب فيه حيله وخدعه على المواطنين، مشيرًا إلى أهمية تعديل القانون 336 وتغليظ العقوبة وتوضيح الأمور للمواطنين من خلال تكاتف المؤسسات المعنية كالإعلام والمؤسسات الدينية والاجتماعية.
وشدد على أنه من غير المعقول أن تكون هناك وسيلة لكسب ضعف أو نصف ضعف المبلغ الأصلي، وهو ما يجب أن يفهمه المواطنون للحد من تلك الظاهرة، لأن مواجهة مثل هؤلاء الأشخاص ليست بيد الحكومة أو أي مؤسسة لكن في يد المواطنين أنفسهم، موضحًا أن المستريح يختار ضحيته من خلال الخداع والإقناع بعائد سريع وأرباح مغرية لكن بدون أي سند على أرض الواقع أو مستند يثبت حقوق المواطنين.
سمات شخصية المستريح وضحاياه
ومن جانبه، قال الدكتور وليد هندي، استشاري الطب النفسي، إن النصب هو استخدام التضليل للحصول على أموال الآخرين أو امتلاك بالباطل عن طريق الغش والخداع والمراوغة والتزييف، مشددًا على أن النصب عملية قديمة منذ الأزل، لأن دافع التملك من أبرز الدوافع عند الإنسان، فكل الصراعات والجرائم كان الدافع ورائها التملك لأنه يعطي شعورًا بالقوة والسيطرة.
وأوضح في تصريح لبوابة «دار الهلال»، أن هذا السبب يفسر وقوع حوادث «المستريح»، التي يقع فيها المواطنين ضحايا للأشخاص النصابين، مشيرًا إلى أن النصاب والمنصوب عليه سيكولوجيتهم واحدة باختلاف بعض الفروق الطفيفة، ومن الصعب حصر ضحايا النصب لأن البعض يفضل عدم الإبلاغ عن ذلك حتى لا يصابوا بوصمات غير مرغوبة والبعض قد يلجأ لكبير العائلة بدلا من الشرطة.
وأشار إلى أن هناك وسائل للنصب عبر الإنترنت، لذلك من الصعب حصر عدد حوادث النصابين لكن تظهر الجرائم الكبرى مثل "المستريح" وكان آخرهم مستريح أسوان، موضحا أن أشهر العمليات راح ضحيتها 68 ألف مصري داخل البلاد و13 ألف شخص في دبي بخلاف الأشخاص الذين لم يعلنوا عن أنفسهم.
وأضاف «هندي»، أن عملية النصب لا تتم إلا من خلال 3 عوامل هو وجود النصاب والمنصوب عليه والمناخ المحيط بهم، مشيرًا إلى أن أبرز سمات شخصية النصاب هي الكذب والمراوغة والخداع والتضليل وكذلك المبالغة في الحديث عن نفسه والأرباح التي يجمعها، كما أنه يتسم بأن لديه تاريخ طويل من الاضطراب بدءا من الغش في الامتحانات والسرقة من البيت أو زملائه وتقلبات عديدة وتاريخ من الفشل في المشروعات بجانب الطموح المفرط.
ولفت استشاري الطب النفسي إلى أن النصاب لا يعطي للواقع قيمة ويقع أسيرا للذاته واحتياجاته بصرف النظر عن أي اعتبارات قانونية ولا يشعر بالذنب مهما كان عدد الضحايا وآلامهم، كما أنه يتمكن من معرفة نقاط الضعف في ضحاياه واستغلالها مثل رغبتهم في الكسب السريع والتي هي سمة مشتركة بين النصاب والضحية، وفي الوقت نفسه يمكنه طمأنة ضحاياه من خلال ضمانات وهمية.
وأكد أن النصاب ضعيف للغاية أمام المال ويتسم بالبذخ والرفاهية ولا يدرك المخاطر بسلوكه المنحرف وفي حالة إنكار دائم للواقع وكذلك لديه رغبة في الانتقام، مشيرا إلى أن المجني عليه له تركيبة نفسية أول سماتها أنه يكون طماع ولديه رغبة شديدة في الثراء والتملك ويبحث عن طرق جديدة وغير مألوفة للكسب السريع بأقل جهد أو بدون مجهود ما يجعله مادة سهلة للنصاب كما يتسم بالكسل والذكاء المنخفض.
وأشار إلى أن الحرمان الشديد ونمط الحياة الاستهلاكي يجعلان الشخص إما ضحية للنصب أو يقوموا بالنصب لإشباع تلك الاحتياجات، كما أنهما يمتلكان الخيال الواسع لرسم حلم الثراء السريع وهو خيال سلبي بجانب ضعف الوازع الديني، وهي كلها سمات مشتركة بدءا من حوادث النصب والـ"3 ورقات" في قديم الأزل وحتى الحوادث الكبرى التي يجمع فيها المحتالون مليارات الجنيهات.
وشدد على أن النصب لن يتوقف إلا بالتوعية وبحزمة قرارات وقوانين تغلظ عقوبة تلك الجريمة القانونية، وكذلك فتح مشروعات صغيرة للأشخاص لفتح أبواب أمل لهم وتيسير إجراءات تلك المشروعات حتى لا يكونوا ضحية للنصب من أجل عائد مالي كبير.