في ذكرى ميلاد «تشيخوف العرب».. يوسف إدريس الأديب الثائر
تحل اليوم الخميس 19 مايو، ذكرى ميلاد الكاتب والأديب الكبير يوسف إدريس، ولد في 19 مايو 1927 بالبيروم، الشرقية.
حصل الأديب والروائي يوسف إدريس على بكالوريوس الطب من جامعة فؤاد الأول التي شهدت انحيازه السياسي ونضاله ضد الاحتلال البريطاني، ثم تم تعيينه في قصر العيني، لكنه استقال سنة 1960 بعد أن التحق بالعمل بجريدة الجمهورية ثم الأهرام وقرر التفرغ للكتابة.
نشر إدريس أولى قصصه "أنشودة الغرباء" عام 1950، ثم صدرت مجموعته الأولى "أرخص الليالي" عام 1954، ثم تلى ذلك أعمال أخرى كثيرة بين القصة والرواية والمسرحية والمقال.
ومن الألقاب التي حصل عليها يوسف إدريس "تشيخوف العرب" وأيضًا لقب أمير القصة القصيرة، وتسجل تجربته الإبداعية بأحرف من نور في الإنتاج القصصي محليًا وعربيًا وعالميًا.
كان إدريس شديد الاعتزاز بنفسه وبكتاباته حتى أنه بالغ في ذلك بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، وقال إنه كان أجدر بها منه، وتحولت معظم رواياته إلى أفلام سينمائية.
وكتب إدريس العديد من المسرحيات التي حصلت على جوائز عديدة، وتمت الإشارة إلى الفوارق بين إدريس ومحفوظ في قدرة كل منهما على الالتقاط والتدوين والتورط المجتمعي وسمات الشخصية.
واستطاع يوسف إدريس تثبيت أقدام القصة القصيرة ونقلها من المحلية إلى العالمية، فخلق قصة عربيّة، بلغة عربية مصرية قريبة من لغة الإنسان العادي وبذلك نقلها من برجها العاجي إلى لغة التخاطب اليومي، وركز على نمطين من أنماط الشّخصيّة القصصيّة وهما: شخصيّة المرأة باعتبارها عنصرًا مهمشًا أكثر من غيره، فنذر حياته للدّفاع عنها وللكتابة من أجلها، أما النمط الثاني فهو الشّخصيات الرجولية وهي شخصيات، في معظم الحالات، من قاعدة الهرم، من الشريحة المظلومة في المجتمع المصري وهي تمثيل للإنسان المصري الذي يعيش على هامش الحياة المصرية بكل مستوياتها.
وفتن عميد الأدب العربي طه حسين بتجربة إدريس القصصية وبمجموعته الأشهر "أرخص ليالي"، وقال "أجد في إدريس من المتعة والقوة ودقة الحس ورقة الذوق وصدق الملاحظة وبراعة الأداء، مثلما وجدت في كتابه الأول "أرخص ليالي" من تعمق للحياة وفقه لدقائقها وتسجيل صارم لما يحدث فيها".
وأصدر "تشيخوف العرب" أكثر من 20 مجموعة قصصية، من أشهرها "حادثة شرف" و"النداهة" و"اقتلها، كما قدم للمسرح كل من "المخططين" والفرافير" و"البهلوان"، وأصدر العديد من الكتب التي تضم المقالات الأدبية والسياسية والفكرية، منها كتاب "فقر الفكر وفكر الفقر"، و"أهمية أن نتثقف يا ناس" و"انطباعات مستفزة"، وفي كتابه "جبرتي الستينات"، وثق ما مر عليه من تحولات سياسية وفكرية خلال فترة الستينات، وذاعت إبداعات أدريس وقدم للسينما أفلام "الحرام" و"لا وقت للحب"، و"العيب"، و"قاع المدينة".
كما كان للأديب الراحل يوسف إدريس تاريخًا كبيرًا مع المعارك الثورية والتاريخ النضالي الكبير، فحسبما يذكر الكاتب المسرحي الكبير محمد سلماوي في مذكراته "يوما أو بعض يوم" إن الأديب الراحل سافر عام 1961، وذاع صيته ككاتب قصة قصيرة، سافر إلى الجزائر وانضم الثوار هناك، وحارب معهم من أجل الاستقلال وأصيب في أثناء المعارك بالجبل، فكان مثل الكاتب الأمريكي الشهير "إرنست همنجواي" الذي شارك في الحرب الأهلية الإسبانية، وكتب عنها بعض أجمل رواياته وقصصه القصيرة، على حد وصف الكاتب.
وفي 1963 حصل على وسام الجمهورية باعتباره كاتب من أهم كتّاب عصره، ورغم اهتمامه البالغ بالأدب إلا أنه ظل منشغلًا بالقضايا السياسية، وفي 1969 نشر مسرحية "المخططين" التى انتقد خلالها نظام عبد الناصر، وهو ما تسبب في منعها.
وفي 1972 تعرض للتهميش إثر تعليقاته على الوضع السياسي في عصر السادات، ثم عاد إليه بريقه مجددًا في أعقاب حرب أكتوبر 1973، كأحد كبار الكتّاب بجريدة الأهرام.
وترجمت أعماله إلى 24 لغة عالمية، منها 65 قصة إلى اللغة الروسية. وقال عنه الشاعر عبد الرحمن الأبنودى: "يوسف حالة نادرة فى حياتنا الأدبية والعامة معًا، استحق ريادته لفن القصة القصيرة بجدارة، كان شخصية مقلقة شجاعة تكره النوم العربي وتسعى لإفزاع المواطن من واقعه البشع الذي تعود عليه وانس له".
كما قال عنه الكاتب والروائي خيري شلبي: "إن ادريس مبتكر القصة العربية، واكتشف لهجة الحكي التي نستمتع بها في القرى والمقاهي والأفراح وهي لهجة العامة وحولها إلى فن راق غير مسبوق".
ومن أبرز أقوال الأديب الراحل يوسف إدريس :"أنت تملك ترف أن تعيش شريفًا لكن غيرك حتى لو أراد لا يملك هذا الترف"، "الموت هو أن ندور في دائرة واحدة مهما كانت تلك الدائرة" و"عطاء الإنسان لا يحسب بسنين عمرهِ في الحياة بل بقيمة ما قدمه إلى بني وطنه وأمته من عطاءات تسهم في البناء لا الهدم".