«الحديث باسم الدين».. حق مَن؟
مَن صاحب الحق فى الحديث باسم الإسلام؟.. سؤال طرحه الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية فى محاضرته فى جامعة أكسفورد.. وأراه سؤال الساعة، نظراً لفرط أهميته، وأقول: هل من حق الإخوان المجرمين الذين أساءوا وتاجروا وشوهوا الإسلام ونشروا الخراب والدمار والفتنة والقتل؟.. هل من حق الملحدين والعلمانيين الذين أثاروا سخط الناس واستباحوا ثوابت الدين ورموزه؟.. هل من حق أنصاف المتعلمين الحديث باسم الإسلام؟.. ليس من حق كل هؤلاء، إنه فرض وحق لأهل العلم من العلماء الثقات، الذين تبحروا فى العلم والفقه، أهل الذكر الذين أمرنا المولى عز وجل بسؤالهم.. وليس الأدعياء والمتاجرين بالدين والملحدين والعلمانيين والجهلاء.
قضية مهمة طرحها مفتى الديار.. وطرق بها على عقول الغرب، لعلها تجدى مع الأبرياء والمخدوعين منهم، هذه القضية وإن كان مطلوباً استمرار الطرق عليها فى الخارج، إلا أنه من المهم فتح هذه القضية وبشدة فى الداخل، لأن على ضوئها يتحدد الكثير من الأمور، وتوفر الكثير من الجدل والإثارة واللغط والاحتقان.
قضية مهمة طرحها مفتى الديار من بلاد الإنجليز
يقيناً.. تنامى الأفكار المتطرفة والمتشددة، وتمدد جماعات العنف والإرهاب، جاء بسبب ضعف وغياب المؤسسات الدينية، وترهل خطابها، ومعاناتها من التقليدية، وعدم مواكبتها، ولم تدرك أهمية ربط الخطاب الدينى بالأصل.. واتصاله بالعصر، فاختبأت فى كهوف التجمد والتصلب، ولم تتصد بشجاعة وجرأة لجماعات التطرف والتشدد، والإساءة والتجارة بالدين، رغم أنها تملك السلاح الأقوي.. فاستولى الإخوان المجرمون بأفكارهم وخداعهم وتجارتهم بالدين على منابر المساجد، وانتشروا فى القرى والنجوع والجامعات والنقابات.. ونجحوا فى استقطاب الفقراء والأكثر احتياجاً، والطلبة الفقراء فى الجامعات بالمال السياسي، الذى جاء من تمويلات، ودعم الخارج ورعايته.. لذلك خدعوا الناس بعباءة الإسلام والمظلوميات، والنضال والجهاد المزعوم، فى الوقت الذى انسحبت فيه الدولة، وتناست أدنى واجباتها والتزاماتها نحو مواطنيها.. وهو ما ترجم فى مؤامرة 25 يناير 2011.. فاعتقد الناس أن الإخوان جماعة وسطية تعمل لمصلحة مصر.. رغم أنها غارقة فى الخيانة والعمالة، وتعمل وفق تعليمات ورعايات وأجندات خارجية غربية وإقليمية.. وعندما اكتشف المصريون حقيقتها.. وأدركوا خيانتها عزلوها وطردوها من مصر، وفككوا وجودها فى معظم دول الأمة العربية، لكن الفكرة وإن بقيت ضعيفة، تحتاج إلى المزيد من الوعى فى داخل دولنا، إلا أنها مازالت تحظى بالرعاية والاستضافة والدعم فى الدول الغربية سواء عن قصد نابع من تجنيد وتوظيف.. أو غير قصد، تولَّد من جهل وعدم دراية بصحيح الدين الإسلامي.
من هنا جاءت أهمية زيارة الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية إلى لندن وعقد لقاءات مهمة مع عدد كبير من السياسيين ورجال الدولة البريطانية، ثم إلقاء محاضرات فى مجلسى العموم واللوردات، وأخرى فى مركز «سيفتاس» للأبحاث بلندن ومحاضرة فى جامعة أكسفورد العريقة، أقدم جامعات الدول الغربية الناطقة بالإنجليزية.. هذه اللقاءات والمحاضرات من عالم جليل متبحر فى علوم الدين، قارئ لخريطة وأصل وجذور الفكر المتطرف، ومدرك لمتطلبات العصر.. وكيف يتم الربط بين الدين والأصل.. وأن يكون متصلاً بالعصر.. فضح وكشف الأفكار المتطرفة والمتشددة، وأنها ليست من الإسلام، وبكل ثقة فإن زيارة مفتى الديار للعاصمة الإنجليزية لندن، وهذا الزخم من المحاضرات واللقاءات الثرية والمستمرة، ومحاور ومضامين هذه المحاضرات، تعد صفعة قوية.. وضربة قاصمة لجماعة الإخوان المجرمين التى تعتبر لندن أهم معاقلها، وأيضاً لباقى الجماعات والتنظيمات المتطرفة التى خرجت من رحم تنظيم الإخوان الإرهابى الذى أسس على يد الأفعى حسن البنا، ثم تشكلت أفكاره الإرهابية ومبادئ القتل وسفك الدماء والخراب والدمار وهدم الأوطان على يد سيد قطب.
من حُسْن حظى أننى قرأت ما جاء فى محاضرة الدكتور شوقى علام فى جامعة أكسفورد، وتوقفت كثيراً أمام سؤال جوهري، وربما يكون الأصل، وإجابته تمثل الحل، وإجابته ربما تؤدى إلى اتخاذ قرارات، وصياغة رؤي، وربما السؤال الذى أطلقه فضيلة المفتى كان يريد به استفاقة العقل الغربي، بمعنى أن مَن يتحدث إليكم عن الإسلام.. ومَن يقتل، ويتبنى الأفكار المتشددة والمتطرفة، ومن يخرج على وسائل إعلامكم وشاشاتكم، ومن تتبنونهم، لا يمثلون الإسلام، ولا يستحقون الحديث باسم الإسلام.. وهم ليسوا من علماء الدين الثقات، المتبحرين فى علومه وتعاليمه، والقادرين على تفسير نصوصه.
سؤال فضيلة المفتى الكبير هو حجر كبير فى بحيرة الغرب الراكدة.. فى العقول المستسلمة لفكر وأحاديث الإفك الإخوانية، أراد أن يقول لهم، وبأسلوب السؤال: هؤلاء ليس من حقهم الحديث باسمه وهو بريء منهم.
أعتبر سؤال الدكتور شوقى علام هو سؤال الساعة: مَن له الحق فى الحديث عن الإسلام؟.. مَن هُم أصحاب الحق؟.. وهل من حقه أن يخرج علينا للحديث بدون وجه حق؟.. بدون تأهيل، بدون جدارة واستحقاق، ودون أن يكون واحداً من العلماء الثقات، الذين تخرجوا ونالوا حظاً وافراً من العلم ودرسوا فى الأزهر، هذه المؤسسة العالمية.. ليس هذا فحسب، بل هم مصدر ثقة وإجماع الناس وأهل العلم والتخصص والذكر.
من له الحق فى الحديث باسم الإسلام أو عن الإسلام، هل الإخوان المجرمون، هل الأستاذ إبراهيم عيسي، والدكتور خالد منتصر، والأستاذة فريدة الشوباشي، والأستاذ إسلام البحيري، والفنانة إلهام شاهين، والأستاذة فاطمة ناعوت، وأحمد عبده؟.. هذا سؤال لا أقصد به أى إساءة لأحد.. وهل ما يقوله هؤلاء من الدين، أم نعتبره إساءة وتشكيكاً فى ثوابت الدين؟.
قولاً واحداً.. ربما يكون سؤال فضيلة المفتى الجَوْهَرى والمحوري: مَن له الحق فى الحديث باسم الإسلام.. هدفه تشغيل العقل الغربى البريء الطبيعى الذى لا يضع فى حساباته أهدافاً أخري.. وليس موجهاً لهؤلاء الذين رعوا وربوا ودعموا وأسسوا هذا الفكر منذ عام 1928 وجاءوا بحسن البنا ليقود أخطر تنظيم إرهابي، وصل عمره الآن لـ94 عاماً.. السؤال لابد أن يلف ويصل إلى كل دول العالم، خاصة الغرب وأمريكا.. فقد تعرض الإسلام لعملية تشويه مرسومة ومخططة ومدعومة وموجهة على يد جماعات التطرف والتشدد والتجارة بالدين الذين دفعت بهم أجهزة المخابرات.. ودفعتهم إلى الدول المستهدفة لاستغلال حالة الفراغ وانسحاب الدولة والمؤسسات الدينية فيها، وشغلت جماعات التطرف والتشدد والقتل مكانها.
أفضل ما أقدمت عليه الدولة المصرية هو إعادة المنابر والمساجد إلى الأئمة والعلماء والمصلين، وانتزعتها من أيدى الخونة والمرتزقة والمتاجرين بالدين والمتطرفين والمتشددين.. الإعلام أيضاً يجب ألا يسمح لغير أهل التخصص والذكر والعلماء الثقات للحديث فى الدين، لذلك لابد من إيقاف ما يردده الزميل إبراهيم عيسي، وإسلام البحيري، وخالد منتصر.. لأن هذه الأقوال هى البديل لأحاديث الإفك والتشدد الإخوانية.. فالمصريون لا يريدون أقصى اليمين، أو أقصى اليسار، نحن مع الوسطية والاعتدال، والسماحة واحترام الأديان.. والثوابت وعدم المساس والإساءة للرموز الدينية، أو التطاول عليها، أو التشكيك فى ثوابت الدين أو الإساءة للنبى وآله وصحبه الطيبين.. أقصى اليمين وأقصى اليسار.. هى الفوضى بعينها، وهى الفتنة بشرها، فلا يجب أن نسمح لهؤلاء أو لهؤلاء، فشلة العلمانيين والملحدين والقرآنيين، ليسوا بديلاً للإخوان المجرمين، بل هم من زمرتهم، وثلتهم، وكفتهم.. ويبقى للمصريين الدين الذى تربوا عليه، الذى عرفوه منذ دخول الإسلام مصر.. تسامح وتعايش واحترام للأديان، ومحبة وضمير ووطنية ووسطية واعتدال.. فلم نعرف التطرف والتشدد إلا منذ ظهور الإخوان المجرمين.
سؤال فضيلة المفتى لا يجب أن يتوقف أو ينتهى عند انتهاء المحاضرة، لأنه يحتاج منهج عمل واستراتيجية ورؤية، وأعتبر أن زيارة الدكتور شوقى علام إلى لندن هى ضربة البداية لمشروع وطنى كبير يجوب العالم، ويلاحق ويطارد الفكر المتطرف والمتشدد ويظهر الوجه الحقيقى للإسلام من محبة وتسامح وتعايش وحوار واحترام للآخر، وعدم إجبار، ولكن اختيار.. وقدرة الإسلام على تلبية احتياجات العصر، فهو ليس ديناً متجمداً، أو متحجراً، بل هو دين قادر على مواكبة وتوفير الحلول لمواجهة التحديات التى تواجه العالم.. من المهم كما أكد المفتى «أن الدين بالأصل، وأن نصل الدين بالعصر».. وهو تعبير عبقري، يساوى فى النهاية خطاباً دينياً، أو ما وجه إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى بأهمية تجديد الخطاب الديني، دون المساس بالثوابت الدينية.
فى اعتقادى أن زيارة المفتى ناجحة بكل المقاييس، وألقت بحجر كبير فى بحيرة الغرب الراكدة.. ووجهت صفعة ولطمة عنيفة على وجه الإخوان القبيح، وضربة قاصمة لخداع ومتاجرة الجماعة الإرهابية.. لذلك علينا الاستمرار سواء فى لندن أو فى باقى دول أوروبا، والغرب، والعالم.. وعلى فضيلة المفتى أن يقود المعركة.. وعلى الأزهر بما له من مكانة وقدسية عالمية أن يتحرك ويقود ويواجه، ويقوم بدوره فى حماية المسلمين من الفكر المتطرف، والدفاع عن اتهام الإسلام بالتطرف والتشدد والإرهاب.
أعجبنى قول المفتي: «إن الإسلام الصحيح قادر على إسكات الأقلية المتطرفة».. لذلك قد حان الوقت لترتفع أصوات العلماء الوسطيين، والسؤال المهم: هل الإعلام الغربى جاد فى التدقيق فى التعامل مع علماء الدين الثقات، حتى يتغلب صوت الوسطية والاعتدال على الأقلية المتطرفة.. أم أن الإعلام الغربى يتورط مع سبق الإصرار والترصد فى استضافة العناصر المتطرفة والمتشددة والإرهابية وتوفير الحماية لها.. وهؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم وأفكارهم.. أيضاً جاءت كلمة المفتى بعد السؤال المدوى الذى طرحه من صاحب الحق فى الحديث باسم الإسلام: قال كلمة أخرى للتاريخ.. من الخطأ فى حق وطننا وديننا أن نترك للمتطرفين الساحة الدولية فارغة يشوهون صورة الإسلام والوطن.
مطلوب تعميق المكون الثقافى والإعلامى والفنى المصرى
الهشاشة الفكرية.. وتزييف الوعى
فى اعتقادى أن خطورة الهشاشة الثقافية والفنية والفكرية وتراجع الذوق العام، وانتشار الإسفاف والابتذال والتدني، لا تقل خطورة عن المخدرات والإرهاب.. فالاستسلام للغزو الثقافى والأفكار والسلوكيات المستوردة، ومحاولات العبث فى العقول، وعمليات التغييب الثقافى والحضارى للشعوب، أخطر ما يمكن.. من هنا تسهل عمليات الاختراق ونفاذ الأفكار الضالة وتنجح عمليات التجنيد والاستقطاب وتزييف الوعي، لذلك لابد أن نؤسس لكل مكونات الشخصية المصرية الثقافية والدينية والفنية والأخلاقية، فمحاولات ضرب منظومة الأخلاق، والترويج للابتذال والتدنى والإسفاف والعري، ونشر أفكار التطرف والتشدد أو الإساءة والسخرية من الدين وضرب الذوق العام والتمسك بالتقاليد والأصول والمبادئ والجذور الحضارية، كل ذلك يؤدى إلى هشاشة الوعى والشخصية والعقل المصري.. لذلك خطورة هذه الهشاشة أنها لا تقوى على مواجهة حروب التزييف والأكاذيب والشائعات ومحاولات تحويل المواطن إلى مجرد مسخ ودمية يحركونها كما يشاءون.
إن البناء الدينى والثقافى والفنى والإنسانى والاجتماعى السليم للشخصية المصرية هو صمام الأمان لحماية الوعى المصري، وأن هذا الأمر هو قضية أمن قومي، يتطلب حالة ثقافية وإعلامية ودينية مختلفة، بعيداً عن الأنماط الاستهلاكية التى عشناها خلال العقود الماضية.. نريد تعميق المكون المحلى فى ثقافتنا وإعلامنا ووعينا والحفاظ على الشخصية المصرية من محاولات التغييب والتبوير والتسطيح.
إن محاولات تغييب وتزييف الوعى من خلال حملات ضرب الثوابت الدينية والعقيدة، ونشر المخدرات وضرب اللغة والقيم الأخلاقية، ونشر الابتذال والتدنى والإسفاف والترويج للغة السوقية بدلاً من اللغة العربية الراقية، والتجرؤ على الرموز الدينية والوطنية واستباحة كل شيء ونشر الإلحاد والعلمانية والشذوذ والمثلية أخطر من نتائج الحروب النظامية، وغير النظامية والإرهاب الأسود، لأنها تستهدف شعباً بأكمله.. وليس مجموعات من المقاتلين أو المواطنين، فى نشر الأفكار المنحرفة التى تخالف البنية الثقافية والحضارية والدينية السليمة، وتشكل هوية مزيفة يسهل معها اختراق وتشكيل شخصية تشبه عرائس الماريونيت، والدمي.. التى تحركها وتستقطبها قوى الشر فى الخارج.. ومن خلالها تستطيع أن تهدم وتسقط أوطاناً.. من هنا علينا الالتفات إلى خطورة ذلك، ونتمكن من صياغة استراتيجية وطنية متكاملة ومتعددة المحاور نجابه من خلالها كل هذه الحروب التى تستهدف عقولنا، وعقول الأجيال القادمة، لابد أن نتحرك مؤسسات الدولة وقوى المجتمع المدنى من خلال التعليم والثقافة والإعلام والمؤسسات الدينية والأزهر والكنيسة لدحر هذه المحاولات الخبيثة والشيطانية.
لا يجب أن ننشغل عن أو نتجاهل هذه الحروب الدائرة الآن، والتى تستهدف عقول شبابنا وهم ثروة الوطن، ويجب أن نتسلح بالأدوات والرؤى وأسس المواجهة وترسيخ هويتنا وديننا الصحيح مثلما نتسلح تماماً ونحرص على تطوير وتحديث جيشنا العظيم بأحدث نظم التسليح والقتال فى العالم، لمجابهة العدائيات المباشرة والواضحة التى تهدد أمننا القومى وحقوقنا وثرواتنا ومواردنا، ودحر الأطماع والتهديدات.. لا يجب أن تظل مؤسساتنا الثقافية والإعلامية والدينية صامتة متجمدة عليها أن تتحرك وبسرعة لتملأ ربوع البلاد حراكاً ثقافياً وإعلامياً ودينياً لتعويض السنوات الماضية التى ضاعت علينا، ومنحت قوى الشر والحقد والضلال والكراهية والتآمر لتملأ الفراغ وتنشر السموم والأفكار الضالة والمضللة، وتغييب وعى الشعوب ليسهل معها ابتلاع الأوطان وإسقاطها تحت شعار: ليه تدفع أكتر، طالما تقدر تدفع أقل.. فتكلفة هذه الحملات الشريرة أقل بكثير من تكلفة الحروب النظامية.