رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


"فورين بوليسي": هل تدفع أزمة الطاقة نحو عدم الالتزام بالأهداف المناخية؟

24-5-2022 | 11:28


الأزمة الأوكرانية الروسية

دار الهلال

في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، سعت العديد من الدول على الفور إلى قطع العلاقات مع الاقتصاد الروسي وصادراته الرئيسية (النفط والغاز)، بل وذهب العديد من دول الاتحاد الأوروبي، التي اعتمدت لفترات طويلة على موسكو في تلبية احتياجاتها من الطاقة، إلى إعادة فتح محطات الطاقة القديمة الملوثة للبيئة التي تعمل بالفحم وتبرير هذه الإجراءات رغم أنها توصلت إلى اتفاق في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في جلاسجو نوفمبر الماضي من أجل التخلص التدريجي من الفحم. 

وقالت مجلة "فورين بوليسي"الأمريكية "إنه للوهلة الأولى، يبدو أن أزمة الطاقة ستضر بالهدف المتمثل في الوصول إلى انبعاثات كربون صافية صفرية بحلول عام 2050، ولكن هذا الأمر غير صحيح تماما، ففي حين أن بعض المراقبين يشعرون بالقلق من أن شركات النفط والغاز وكذلك الحكومات في جميع أنحاء العالم واستجابة للأزمة، ستزيد من استكشاف واستخراج الوقود الأحفوري، لتعزيز مصادر الطاقة في الاقتصاد العالمي، إلا أن هذا الأمر سيكون مؤقتا ولفترة زمنية قصيرة، وبالتالي، فإن الأزمة لن تقوض التحول الأخضر الشامل في العالم، طالما ظلت الحكومات حازمة في التزاماتها بالأهداف المناخية طويلة الأجل، الأمر الذي تشير الدلائل إلى التزام مختلف الدول بها.

وأضافت فعلي سبيل المثال، في بعض الدول، بما في ذلك بريطانيا والاتحاد الأوروبي، فإن الوصول إلى هدف حياد الكربون بحلول عام 2050 منصوص عليه في القانون، كما ما تزال النقاط الأساسية للانتقال الأخضر قائمة، بما في ذلك اللوائح الرئيسية، مثل الحظر البريطاني على بيع السيارات التي تعمل بمحركات الديزل والبنزين بحلول عام 2030، وغيرها من اللوائح التي يتطلب التخفيف منها أو تغييرها إجراء تشريعيا لا يمكن القيام به ببساطة.

وترى المجلة الأمريكية أنه على العكس من ذلك، فبعد انحسار حالة الذعر الأولية، ستكون حوافز الاستثمار في مصادر الطاقة الملوثة للبيئة محدودة للغاية، خاصة وأن هذه المصادر تستغرق عدة سنوات لتؤتي ثمارها وغير ملائمة للسياسات الخضراء المتوقع تطبيقها بصرامة في المستقبل.

ووفقا لفورين بوليسي، هناك أسباب رئيسية تجعلنا نتوقع أن تؤدي الأزمة الحالية إلى دعم الإجراءات المناخية، من بينها: أن ارتفاع أسعار النفط والغاز ستجعل من مصادر الطاقة البديلة وتدابير كفاءة الطاقة أكثر جاذبية للمستهلكين والشركات والحكومات من الناحية التجارية مقارنة بالوقود الأحفوري، فعلى سبيل المثال، وبأسعار البنزين الحالية، فإن قيادة كيلومتر واحد في سيارة كهربائية أرخص بثلاث إلى أربع مرات منه في سيارة ذات محرك يعمل البنزين، كما ستصبح المضخات الحرارية، التي تدفئ المنازل وتعمل بالكامل بالكهرباء، أكثر جاذبية من مثيلاتها التي تعمل بالوقود التقليدي. 

ومن بين الأسباب التي تدعم إجراءات مكافحة التغيرات المناخية أيضا، مسألة الأمن القومي، حيث من المتعارف عليه أن دعم الطاقة المتجددة يرتفع بشكل كبير عندما يتماشى مع مخاوف الأمن القومي، وهو ما أصبح ملحا في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية، ودعوات إنهاء الاعتماد على الطاقة الروسية، والاستثمار في الطاقة البديلة.

وهناك سبب آخر يصب في صالح الإجراءات المناخية، يتمثل في أن أسعار الوقود الأحفوري المرتفعة ستعمل على تعزيز وتسريع التمويل لما يسمى بالابتكار الأخضر، وهي تقنيات جديدة ستساعد البلدان على التخلص من الكربون، حيث من المرجح أن تعطي الحكومات الأولوية للابتكار الأخضر في ميزانياتها للأمن القومي.

وترى "فورين بوليسي" أنه كما ساعدت الاستثمارات العسكرية ومخاوف الأمن القومي في تسريع التنمية التجارية لمصدر جديد للطاقة في الماضي، فإن أزمة الطاقة الحالية ستسرع من أبحاث الطاقة الرائدة لاسيما في التقنيات الخضراء، مثل الهيدروجين الأخضر أو الاندماج النووي.

وأضافت أن أزمة الطاقة قد تؤدي أيضا إلى الابتكار في كيفية عثور البلدان على المعادن المهمة واستخدامها، والتي تعد ضرورية لاستخراج وبناء مصادر طاقة بديلة.

ومن المرجح أيضا، إذا استمرت الأسعار مرتفعة لفترة طويلة، أن يجد الباحثون، بدائل لبعض المعادن، كما فعلوا في الماضي، فعلى سبيل المثال، في عام 2010، فرضت الصين حظرا مؤقتا على صادرات المعادن الأرضية النادرة إلى اليابان بسبب نزاع إقليمي. 

وفي غضون خمس سنوات، طورت شركتا "تويوتا" و"هوندا" طرز سيارات هجينة جديدة قللت بشكل كبير أو حتى ألغت استخدام العناصر الأرضية النادرة الثقيلة؛ ما جعل هذه الطرز أخف وزنا وأرخص سعرا، وفي هذا الإطار، يمكن لبطاريات أيون الصوديوم الجديدة للسيارات الكهربائية التي لا تحتوي على الكوبالت أو النيكل أن تدخل حيز الإنتاج بحلول عام 2023، وهو ما سيشكل نقطة فارقة في الأزمة الراهنة.

وقالت إنه تاريخيا، أدت أزمة النفط في السبعينيات، عندما تضاعف سعر برميل النفط ثلاث مرات، إلى تحولات جذرية طويلة الأمد في الاقتصاد والمجتمع، ففي محاولة لكسر اعتمادها على النفط وتجنب الابتزاز من أوبك، استثمرت فرنسا بكثافة في الطاقة النووية، والآن، وبعد نصف قرن، تستمد فرنسا أكثر من 70 في المئة من الطاقة الكهربائية التي تحتاجها من الطاقة النووية ولديها واحدة من أقل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري للفرد في دولة صناعية (ما يقرب من ثلث الولايات المتحدة في عام 2019).

وتابعت "كما استجابت هولندا لأزمة النفط بدفعة غير مسبوقة نحو استخدام الدراجات، وأصبحت تمتلك حاليا عددا من الدراجات يفوق عدد سكانها، ما جنبها انبعاثات تقدر بنحو 1.41 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا (أي ما يعادل زراعة 54.4 مليون شجرة).

ويرى مراقبون أن الأزمة الحالية قد تفرض حلولا للتعاطي مع مشكلة ارتفاع أسعار الطاقة، وعليه، فإن التحول الأخضر يمكن أن يشكل فرصة كبيرة لتعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، ولكن يجب على صانعي السياسات توخي الحذر بشكل خاص حتى لا يقللوا من أهمية التحدي الاقتصادي الكلي الذي ينتظرنا، حيث سيحتاجون إلى التعاطي مع تأثير الصعوبات الاقتصادية المؤقتة والحفاظ في الوقت نفسه على ثقة المستثمرين في الطاقة المتجددة، لذا، فإن الاتجاه الغالب سيكون بلا شك للمستقبل الأخضر.