رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


السلف تلف

29-5-2022 | 14:58


د. صلاح سلام,

في الأمثال العامية يقولون "السلف تلف والرد خسارة" ومن يبحر في خضم بحور الأمثال التي توارثتها الأجيال يجد أن معظمها قيل عن تجربة أو خلاصة خبرة سنين أو جادت به قريحة حكيم شعبي من الذين طحنت عظامهم قسوة الأيام وداست على أجسادهم عجلات التجارب وثقلت الأيام حنكتهم فتنفسوا في عبارات إما حكم أو أمثال.

أما المثل أو الحكمة التي راودت تفكيري منذ أيام هي تلك التي أسلفت ذكرها.. والحقيقة أنك تجد من يريد أن يستدين منك أو يتوسم فيك الطيبة والسماحة فيحاول أن يستدر عطفك أو يستميت في عرض ظروفه الصعبة وأنه سوف يكون جاهزا لرد ما أخذ خلال أيام أو شهور أو هكذا، وما أن ينال ما أراد، ربما لا يرد عليك السلام واذا كان يتصل بك مرة في الشهر، ربما لا يتصل إلا كل ثلاثة أشهر ليقدم اعتذارا ثم بعد ستة أشهر ثم يتوقف عن الاعتذار أصلا.

ومن يريد أن يشركك معه في تجارة أو أي عمل يريد أن يوسع به معاملاته أيضا، كثيرا ما يتوقف عن الرد عليك اذا حان السداد وربما لا يرد على رسائلك برغم أنه استفاد وزاد مكسبه وراجت تجارته وتيسرت أعماله، ولا أعرف لماذا يتصرف هؤلاء البشر بهذه الطريقة؟

فمنهم من هو محترف اقتراض وهذا نوع من البشر موجود وربنا يكفيك شره لأنه لن يسدد ما عليه أبدا، ونوع آخر يقطع اتصالاته ولا يأتي إلا بإلحاح شديد، وكأنك تستجدي منه ما أعطيته له ليقضي حاجته، ويحضرني هنا احد الأشخاص الذي طلب منه أحد معارفه مبلغ فوافق بعد إلحاح على أن يبوس المقترض يده فسأله لماذا؟ فرد عليه لأنني قد اضطر أن أبوس قدميك لأسترد ما أعطيته لك، والأشد غرابة أنك لو طالبته بحقك قد تصبح من أعدائه وأنك ظالم جاحد لا تقدر ظروف البشر.

وفي كثير من التجارب تنتهي العلاقة ما بين الأصدقاء بكثير من الجفاء سواء أثناء السداد أو بعده وربما تنقطع علاقتهم.

ومن الأقوال الدارجة، إذا كنت تريد الاحتفاظ بصديق لا تسلفه ولا تناسبه أي "تصاهره"، فواقع الأمر أن كليهما يؤديان إلى مسار غير آمن.

فمن عجائب الزمن أن يكون وقوفك إلى جانب صديق أو رفيق أو زميل، هي بداية افتراق، وإذا الأحباب كل في طريق، وساعتها يهون الود، ولا يرى منك إلا كل نقيصة، وينسى ويتناسى كل معروف.

والفيلسوف الذي صاغ المثل كان حريصا على اكتمال المعنى بأن "الرد خسارة" وفسر أنت كيفما تشاء فإذا تم رد المال فيكون إما بخسارة جزء منه أو خسارة معرفة أو صداقة صاحب المال  لصاحبه، أو اعتبار المقترض أن ما يدفعه واقع عليه بخسارة بلغة أولاد البلد وكأنه اعتبر أن ما أخذه حق أصيل له بمنتهى الفجاجة.

عزيزي القارئ هل قابلتك هذه النماذج في حياتك أو سمعت أو قرأت عنها؟، أكيد لدى كل منا حكاية، أسوأ ما فيها أن يتحول الصديق إلى لا صديق، وهذا أضعف الإيمان.