رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الخطاب الرئاسي المصري تجاه القضايا الاجتماعية (5)

6-6-2022 | 13:33


د.شريف درويش اللبان,

في هذا المقال نعرض لجملة جديدة من نتائج الدراسة المهمة التي أعدها الباحث د. أحمد شحاته عبد الفضيل عبيد المدرس بكلية الإعلام جامعة بني سويف للتحليل التداولي للخطاب السياسي الرئاسي في ظل ما شهدته مصر من تحولات مهمة فيما يتعلق بأجندة القضايا والأزمات المطروحة محليا ودوليا، خصوصا بعد ثورة 30 يونيو، وفي ضوء ما يتمتع به الخطاب الرئاسي من آليات، اعتمدت الدراسة علي تحليل 21 خطابا للرئيس خلال عام 2021 والتي تم الحصول عليها من الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية.

 

وقد قام الباحث بدراسة الإشاريات التداولية كأحد عوامل نجاح عملية التواصل اللغوي، فالإشاريات عبارة عن علامات لغوية لا يتحدد مرجعها إلا في سياق الخطاب التداولي، لأنها خالية من أي معنى في ذاتها، ولا يمكن فهمها إلا بالرجوع للسياق الخاص بها، لذا فإن السياق يلعب دورا مهما في تحليل العناصر الإشارية الخاصة بكل ملفوظ، باعتبار أن هناك كلمات وتعبيرات تعتمد اعتمادا تاما علي السياق الذي تُستخدم فيه، ولا يستطيع إنتاجها أو تفسيرها بمعزل عنه.

 

لذا تم تقسيم الإشاريات التداولية إلي ثلاث أنواع:

  1. الإشاريات الشخصية: تمثل الضمائر الدالة علي المتكلم والمخاطب سواء كانت متصلة أو منفصلة، حيث تعتبر ضمائر المتكلم والمخاطب والغائب عناصر إشارية، باعتبار مرجعها يعتمد علي السياق الذي تستخدم فيه، ومن خلال الرصد والتحليل للخطب الرئاسية محل الدراسة تبين دور الإشاريات الشخصية في تحقيق المعني، وإفهام المتلقي، وإزالة الغموض وذلك علي النحو التالي:

نوضح فيما يلي استخدام الرئيس السيسي في خطاباته ضمائر الغائب سواء المنفصلة أو المتصلة، والتي توضح معناها ودلالتها عند إعادة الضمير إلي مرجعه في السياق، مما يزيل عن نص الخطاب اللبس والغموض، فعلي سبيل المثال لا الحصر:

"أكرر الحمد والشكر والثناء العظيم لربنا سبحانه، لله سبحانه وتعالى، اللي هو قدر، اللي وفقنا ومكنا"، ...."مما لا شك فيه أن الإنسان المصري هو أهم وأغلى ما نمتلكه من ثروات"... " أتوجه إلى المولى عز وجل أدعو المصريين جميعا أن يتوجهوا إليه سبحانه وتعالي أن يرفع عنا هذا البلاء"...إنني معكم على عهد ووعد أجددهما بين حين وآخر".. "فتمكين المرأة هو كلمة السر وراء بناء حضارات قوية يشار لها بالبنان" .."بكلم كل المصريين، وبقولهم صدقوني"،  "تحية للشعب المصري العظيم الذي يعي قيمة الأمن والأمان ويحافظ عليها.. ويقدر لرجال الشرطة مجهوداتهم المخلصة في خدمة هذا الوطن".. "إن قصة الكفاح والإصرار والإرادة... قابلها العديد من التشابكات والتحديات واجهناها معًا ....مرهونة بمقدار ما يمكن أن نقدمه لأبنائنا وبناتنا، وهو ما حرصنا عليه، ووجهنا به مختلف الجهات المعنية بالدولة".

 

يتضح من الأمثلة السابقة أن الضمائر الإشارية غير واضحة المرجعية، ويعجز المتلقي عن فهم قصدية المرسل بمعزلها، ولكن عند إحالة الضمير الإشاري إلي الجملة الكاملة داخل السياق ُيفهم منها مرجعية الضمائر الواردة في متن الخطاب.

كما تبين أيضا توظيف الخطب الرئاسية إلي استخدام ضمير جمع المتكلمين بصورتيه سواء المنفصل أو المتصل، يساعد في إزالة المسافة والفجوة بين مرسل المقال ومتلقيه، وهنا حرص الرئيس في خطبه علي توظيف ضمير جمع المتكلمين؛ للتأكيد علي أنه جزء من الجمهور "المتلقي"، وأنه لا يمثل نفسه فقط في خطاباته، بل يمثل جموع الشعب المصري، ومن هنا يلعب دورا مهما في عملية نجاح عملية التواصل، فاستخدام هذا الضمير يضفي قدرا من الثقل والمصداقية لخطاب الرئيس، ثم لمرسله (المواطن)، كما يمنحه القوة في عملية التأثير والإقناع، من أجل إقناع متلقي الخطاب برؤيته، وجذب انتباهه بجعله النقطة المحورية للحدث، وجزئا حقيقيا من مضمون الخطاب، وبالتالي ينجح بشكل غير مباشر في استمالته وكسب تعاطفه، وفتح قناة اتصال بين المرسل والمتلقي، وذلك تفصيلا على النحو التالي:

"ها نحن نجنى ثمار ما قمنا به"... "في نهاية كلمتي ونحن نحتفل بيوم الشهيد"... "وإحنا في 7 سنوات أنفقنا في متوسط التريليون جنيه"... "أننا ماضون سوياً بإرادة صلبة وعزم".. "إحنا عايزين نبقى شايفين مع بعض كويس".. "قضيتنا بناء الوعي الحقيقي"... "حرصنا أن يكون التطوير لتحسين التعليم"... "إحنا اتكلمنا في النقطة دي قبل كدا"... "يحتم علينا التفكر والتدبر".

 

بينما لم يتم استخدام ضمير الأنا إلا في أضيق الحدود، في حال التخصيص وعدم إمكانية التعميم، مثل الالتزام، وتحمل المسئولية، أو التنظير للمستقبل والتنبؤ به، مثل: "أنا متصور.. أنا حذرت..بأكد..أنا قلت..أنا بتكلم"

 

كما تبين أيضا توظيف ضمير المخاطب في بنية خطابات الرئيس تحت مصطلح "الحوارية" مع المتلقي، فالحوار يعد عنصرا مهما في العملية التداولية، حيث يسلط الضوء على الاستخدامات المختلفة للغة في إطار التفاعل بين منتج النص والمتلقي، وهو ما يظهر في المثال التالي بحرص الرئيس الدائم في مخاطبة الشعب المصري، وإرادته وعزيمته علي تحمل الصعاب من اجل بناء مستقبل أفضل، فعندما قال الرئيس: "أنتم في عقل وقلب مصر... لن نترككم تواجهون الحياة وحدكم... سنكون معكم في كل خطوة تخطونها... فإذا كنتم قد فقدتم فردا عزيزا غاليا من أهلكم... فإنني أؤكد لكم... أن مصر كلها أهلكم،وفي خطاب آخر يقول:" وبكم سنحقق الكثير"،"اسمحوا لي بأن أعلن لكم، عن حزمة من الإجراءات التنفيذية"، "أقول لشباب مصر إن وطنكم يتطلع حالياً لسواعدكم الفتية وجهودكم الصادقة"، "أنتن في قلب الدولة المصرية وعقلها، فحماية مستقبل سيدات وفتيات مصر أصبح أولوية "

وهنا يتضح أهمية توظيف ضمير المخاطب في متن الخطاب الرئاسي في إشراك المتلقي "الجمهور" كما لو كان يخاطبه شخصيًا، حيث يجعل المتلقي في بؤرة الحدث، ويعتبره جزءًا أصيلًا لا يتجزأ من خطابه؛ لما يمتلكه المخاطب "الرئيس" من طاقة حجاجيه، وبالتالي ينجح المرسل في استمالته وكسب تعاطفه، وفتح قناة اتصال بين المرسل والمتلقي الحاضر في بنية الخطاب، ومن ثم التأثير فيه لغرض تحقيق التبيلغ، وتفعيل عملية التواصل.

 

  1. الإشاريات الزمانية:

هي العناصر الإشارية التي تدل علي الزمان المحدد بالسياق، مع الأخذ بالاعتبار زمن التكلم، لأنه إذا لم يعرف القارئ زمن التكلم التبس عليه الأمر، فالإشاريات الزمانية تعمل على تأطير عملية التواصل داخل نطاقها الزمني، وتعبر عن اندماج المتكلم والمخاطب معا داخل الزمن النصي والتلفظي والتواصلي. ونلاحظ هنا استعانة الخطب الرئاسية بتوظيف الإشارات الزمنية التي تعبر عن كل زمن، حيث ينتقل من الماضي للحاضر أو العكس فعلي سبيل المثال:" "وها نحن الآن أمام فرصة تاريخية مهمة لطرح الصورة الحقيقية والصحيحة حول وضعية المرأة في الإسلام، .... وذلك لكي نوضح للعالم أجمع حقيقة أن ديننا الحنيف أعطى للمرأة حقوقها منذ أكثر من 1400 عام"، "ولنا كل الحق في أن نحتفل اليوم ... فعلى مدار السنوات الماضية ومنذ بدأنا سوياً مسيرة التنمية، ضرب المصريون المثل في إعلاء قيمة العمل"، "القيمة الاستثمارية على مدار السنوات قبل تولى المسئولية في حدود 30 مليار جنيه في 30 سنة يعنى 900 مليار جنيه والأن بعد 7 سنوات أنفقنا في متوسط التريليون جنيه"،"اختتم كلمتي على أمل بلقاء فعلى قريب، بعد أن نكون قد طوينا صفحة الوباء"، "قضية النمو السكاني في منتهى الخطورة لما نيجي من عام 2011 إلى اليوم ما يقرب من 20 مليون زيادة".

 

وهنا نلاحظ تميز الخطاب الرئاسي بالتنقل بين الأزمنة وذلك لإجراء مقارنات قياسية بين الأحداث في مختلف الأزمنة، لتسهيل وصول الفكرة للمتلقي بدون أي صعوبة في الفهم )قصدية المرسل(، فالإشاريات الزمانية من التقنيات التي تساعد في تدعيم حجاجه التاريخي، لأنها تحيل إلى سياق تواصلي زماني، يساعد على استحضار السياق الزماني لتحديد المؤشرات، بالإشارة إلى زمان معين وقياسه على الزمن الحاضر لدعم قضيته، وبالتالي نجاح عملية التواصل.

 

كما اعتمد أيضا الخطاب علي مجموعة من العناصر الإشارية الأخرى، مثلا:" أقف متحدثًا إليكم اليوم"،"إنني أجد نفسي الآن"، "وطموحنا نحو الغد سنصنعه بأيدينا اليوم"، "حين لبيت نداءكم"

لذا يمكن القول إن الإشاريات الزمانية تجعل المتلقي وكأنه في الحدث، حتي لو لم يتعايش معه، فتساعده على استحضار الصورة في ذهنه، لتمكنه من فهم الفكرة، ومن ثم نجاح العملية التواصلية التي يسعى إليها منتج النص منذ اللحظة الأولي لخطابه.

 

  1. الإشاريات المكانية:

 للإشاريات المكانية أهميتها في الموقف الاتصالي، سواء كانت صيغا ملفوظة أو مضمرة، لأنها مرتبطة بالمساحات التي تركها المتكلم في رسالته، والإشارية المكانية لا يمكن فصلها عن أي خطاب مثلها مثل الإشارية الزمانية والشخصية، فقد يحدث لبس في الفهم، وفشل عملية التواصل عند اجتزاءها من السياق، فجميعها إحالات تساعد في الكشف عن قصد المخاطب، وفي تعزيز معلومات المخاطب وتأويلها.

 

ومن خلال الرصد والتحليل، تبين أن هذه العناصر الإشارية مؤثرة في الاستعمال اللغوي من حيث القرب، والبعد من المكان المشار إليه، وتمثلها طائفة من أسماء الإشارة (هنا-هناك-هنالك-تلك-..)، وظرف المكان(فوق-تحت-أمام-وراء...)، أو الأفعال المتضمنة لمعني الحركة، مثل(ذهب-أتي-أعطي-...)، كما نوضح فيما يلي: "والإعلام بيغطى الأراضي اللي تم استهلاكها في البناء فوق منها خلال الـ 50 و 60 سنة"، "الشركات المصرية على استعداد للعمل مع الدول في تنفيذ مشروعات أنفاق تحت المياه أو المترو"، "وكانت ومازالت، الدرع الواقية.. أمام كل من يحاول النيل من عزيمة هذا الوطن"، (وهنا يقصد بها المرأة المصرية)، "فتمكين المرأة هو كلمة السر وراء بناء حضارات قوية يشار لها بالبنان"، "هناك أشياء كثيرة وكلها نعم لدى الأطفال يمكن للأسر أن تنميها، منها أنشطة رياضية وأنشطة أخرى"، "أشارككم اليوم افتتاح هذا المؤتمر الوزاري المهم الذي تستضيفه جمهورية مصر العربية هنا في العاصمة الإدارية الجديدة"، "أنني أشعر بالفخر والامتنان، لمشاركتي معكم اليوم في تلك المناسبة" (وهنا يقصد بها احتفالية ذوي الهمم)،" وإننا إذ نتخذ من تلك المبادئ الغالية نبراساً ومنهج عمل" يقصد بها مبادئ رسالة الإسلام،" إنه لمن حسن الطالع أن يأتي احتفالنا بأعياد تحرير سيناء، متواكبا مع احتفالات عيد القيامة المجيد وحلول شهر رمضان المعظم".

 

يتضح مما سبق أن الإشاريات المكانية لا يمكن تفسيرها إلا بمعرفة المكان الذى يقصده المتكلم، وذلك بالرجوع إلى سياق الخطاب "مركز الإشارة"، كي نتمكن من معرفة المكان المقصود، وبالتالي تحديد اللفظة الإشارية العائدة عليه جيدا، لذلك تحتل الإشاريات المكانية مكانة مهمة في بنية الخطاب الرئاسي، لأنها تعمل على استحضار السياق المكاني لتحديد المؤشرات، وجعلها أكثر وضوحا أمام المتلقي.

 

من هنا نلاحظ اتسام الخطاب الرئاسي "بالترهين" سواء مكانيا أو زمانيا، حيث تهدف مثل هذه العبارات السابقة إلى رغبة في الإمساك بالحدث في حدوده الزمانية والمكانية، والتفاعل معه بما يناسبه، وهو نوع من الميل إلى الحضور داخل سياق الأحداث لا خارجها.

وفي الأسبوع المقبل نستعرض باقي نتائج هذه الدراسة.