رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


«وثيقة طلاق»

6-6-2022 | 20:37


عبد الرازق توفيق,

نحرص قبل الزواج على الاتفاق على كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة.. تُكتب قائمة بحقوق الزوجة من موبيليا وذهب وأشياء أخرى كثيرة.. ومكان الشقة والفرش وديكور المنزل.. وغيرها من التفاصيل.. لكن الغريب أنه تغيب عنا الاحترازات والإجراءات إذا حدث الطلاق تجنباً للمشاكل والصراعات التي تحدث جراء تداعيات الانفصال ويدفع ثمنها الأبناء.. فلماذا لا نهتم بالاتفاق على تفاصيل الزواج والطلاق من حقوق ومسئوليات وواجبات والتزامات في ورقتين.. ورقة أو عقد الزواج والقائمة.. ونحول ورقة الطلاق واشهاره إلى «وثيقة الطلاق»؛ لتتضمن وتحتوى على التزامات الطرفين الزوج والزوجة في حال تعذر العشرة ووقوع الطلاق؛ لنختصر ونتجنب طريق الصراع والمعارك حامية الوطيس.. وروح الانتقام والتشفي لتصبح الأمور..«حقي وحقك والقانون يفصل بيننا.. والعقد شريعة المتعاقدين».
 
تتفق مع القانون وتحظى بحمايته.. ولا تختلف مع نصوصه.. ولكنها تسوِّى في التفاصيل بين إجراءات الزواج والطلاق.. حفاظاً على الحقوق وتجنباً للمشاكل والصراعات والمعارك المشتعلة.

اتصل بي أحد الأقارب في قريتنا بسوهاج يطلب مني التوسط لدى أسرة أخرى بقرية مجاورة لرؤية أولاده من طليقته تربطني بأسرتها علاقات طيبة سألته، ولماذا وقع الانفصال؟.. قال هي ترفض الإقامة في منزل الأسرة مع أبي وأمي، وهما في حاجة لوجودي معهما ولا أستطيع العيش بعيدًا عنهما حتى لو كنت أعمل في السعودية فهذا لا يصح.. وأنه بعد ذهابها إلى بيت أسرتها قطعت كل خطوط الاتصال والتواصل، ورفضت كل محاولات الوساطة للعودة إلى المنزل، لذلك قمت بالزواج من فتاة أخرى.. ثم فوجئت بطلب الانفصال.. وقع الطلاق بيننا إلا أنني لا أستطيع رؤية أولادي، رغم أنني لم أقصر معهم.

هذه رواية على عهدة صاحبها.. لكنها تكشف أحد أسباب الخلافات التي تصل إلى الطلاق.. وهناك قصص وروايات وحكايات أخرى.. تكشف المزيد من الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق.. لكن الأمر يحتاج إلى التعرف على الأسباب المختلفة التي تؤدي إلى الشقاق والانفصال وتبدل المحبة والرحمة والمودة والسكينة إلى روح التشفي والانتقام والعند والعناد.. وتدخل الآباء والأمهات وعدم القدرة على قيادة دفة الأسرة، والشخصية الاعتمادية والاتكالية أو اللاشخصية «ابن أمه»، وعدم القدرة على تحمل المسئولية أو عيوب أخرى تتعلق بالسلوكيات والمظهر العام أو الادمان والمخدرات، التطلع الزائد عن الحد لدى السيدات وكأنها تريد زوجاً فى وسامة «براد بيت»، أو أحمد عز، أو الزوج دائم التأنيب والتوبيخ وممارسة العنف والضرب، أو الاهتمام بالخروج والسهرات والجلوس على المقاهي ولقاء الأصدقاء دون الاهتمام بالزوجة أو الأسرة.. هناك أيضاً التدخل السافر من الآباء والأمهات (الحموات) وممارسة التسلط والتدخل وعدم الحكمة وتهدئة الأمور، وإهمال السيدة لنفسها وسوء المظهر والسلوك والفجاجة وكذلك ينطبق على الزوج، ناهيك عن أسباب أخرى تتعلق بأسرار غرف النوم أو الإصابة بأمراض تحول دون إشباع الطرف الآخر، وهنا لا حياء في العلم أوالدين أو العلاقات الزوجية طالما أنها تؤدي إلى الاستقرار، أو طالما أنها أسباب جوهرية للشقاق والانفصال وإحداث أزمات زوجية عنيفة تتعلق بعدم القدرة على الاشباع وتلبية الاحتياجات الغريزية.

هنا أريد أن أقول حتى وإن كانت اللجنة المشكلة من وزير العدل تضم القامات والخبرات القانونية والقضائية المختصة في قضايا الأسرة من أجل إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية يضمن جميع حقوق كل الأطراف المعنية، لكن من المهم إجراء جلسات استماع لما لا يقل عن 100 حالة تختلف في أسباب الطلاق والانفصال والخلافات حتى تصل إلى تحديد أغلبية الأسباب التي تؤدي إلى هذه الظاهرة.

الحقيقة أننا في حاجة إلى التمسك بإجراءات واضحة للطلاق ومكتوبة وموثقة وعليها شهود وضامنون، مثل إجراءات ومقدمات الزواج التي تتمسك بالاتفاق على كل صغيرة وكبيرة، وهناك لا أتحدث عن وثيقة أو عقد الزواج الذى يتضمن الكشف الطبي أو شروط اكتمال العقد، ولكن أتحدث عن «القايمة» التي تشمل كل حقوق الزوجة من عفش أو موبيليا وذهب وغيره ويوقع عليها الزوج والشهود، فطالما أننا نضع محددات وشروطاً والتزامات ومسئوليات وتعهدات عند الزواج.. وهنا تكون الأمور واضحة ومحددة، فلماذا لا يكون التعامل بالمثل في حال وقوع الطلاق، لماذا لا تكون هناك إجراءات وشروط ومسئوليات والتزامات وتعهدات موثقة ومكتوبة وموقعة من الزوجين بعد أن قررا الطلاق.. لتكون مستنداً.

ربما يبادرني البعض، كيف؟ وربما يشير آخرون إلى أن ذلك موجود في القانون الحالي.. وإنك لا تضيف جديدًا.. وربما يكون هذا صحيحًا إلى حد كبير، لكنني أريد أن أقول إن كل الأمور والأشياء والمبادئ تكون أكثر وضوحًا حتى لا تقع الخلافات والتجاذبات والمشاحنات والروح الانتقامية في مرحلة ما بعد الطلاق، ويكون الأطفال أو الأبناء هم الضحية، ما أريده أن تستمر علاقة الاحترام والالتزام لدى الطرفين حرصًا على الأخلاقيات والانسانية وكذلك حرصًا على الأبناء، لابد أن يكون هناك إطار من الالتزام، فإن لم يكن نابعاً من الداخل والذات، فمن الممكن أن يكون ملزما بحكم القانون.

ما اقترحه، ليس ورقة (طلاق) عادية تشير في مضمونها إلى حدوث ووقوع الطلاق وإشهاره في المحكمة بشكل مكتوب، ولكن أريد أن اقترح عمل (وثيقة طلاق)، لا تتضمن فقط وقوع الطلاق بين الطرفين.. ولكن التزامات ومسئوليات وتعهدات وواجبات وحقوق كل طرف الرجل والمرأة كالآتي:

أولاً: فيما يتعلق بالاتفاق، ما هو المبلغ الشهرى الذى يخصص من قبل الزوج للانفاق على أبنائه وبسعة من دخله وموعد سداده.. والزيادة المقررة حسب زيادة دخل الزوج، وربما هذا موجود في القانون لكن لماذا لا تتضمنه وثيقة الطلاق بتوقيع الطرفين.

ثانياً: الأبناء مع الزوج أو الزوجة (بالاتفاق)، وإذا كانوا مع الزوجة كم مرة من حق الزوج أو الرجل أن يرى أبناءه وفي أي مكان، ولماذا لا يذهب إلى بيته ويلتقي بأهله، والعكس صحيح في إطار المودة وتهيئة الأجواء النفسية والاجتماعية المناسبة للأطفال بدلاً من الحدائق العامة والأندية والضغوط النفسية التي تسببها هذه المواقع، فنحن نريد أموراً طبيعية، وما هي ولاية الأب على الأبناء، بمعنى في حالة وجوب اتخاذ قرار زواج للابنة أو الفتاة، من يقرر ومن هو صاحب الرأي والفصل، بالطبع بعد استطلاع رأي الفتاة وقرارها، ثم حق الأب في الذهاب إلى مدارس الأبناء وما حكم رؤية الأبناء أو الأطفال في حال كان الأب أو الأم سييء السلوك، أو لديه انحراف أو متعاطي أو مدمن للمخدرات بشهادات وتحاليل موثقة.

ثالثاً: حق الأبناء أو الأطفال في الإقامة مع الأب لمدة يوم أو اثنين أو أسبوع، أو السفر أو الذهاب إلى المصيف أو لقاء الجد والجدة.

رابعًا: تشرف النيابة أو المحكمة المختصة على إبرام وصياغة هذه الوثيقة الخاصة بالطلاق والمتضمنة كل البنود السابقة وغيرها، أو ما يستجد لدى آخرين للإضافة، بحيث يعي كل طرف مسئولياته وإلتزاماته وواجباته وحقوقه، وفي حال التهاون في التنفيذ أو الاخلال بالبنود، فإن تعظيم العقوبة والحسم في تطبيقها أمر مهم لإعادة الاتزان في الالتزام ببنود الوثيقة.

خامساً: الاستعانة بسجلات ووقائع قضايا الطلاق أو قضايا الأسرة للتعرف على أسباب الخلاف والشقاق والانفصال هو أمر مهم أيضاً مع وجود الخبرات والقامات القانونية والقضائية، لكن السؤال هل اللجنة في حاجة إلى وجود فضيلة المفتي مثلًا أو ممثل من الأزهر أو خبراء علم النفس والاجتماع والتربية، ربما تكون هذه الأطراف مهمة للمشاركة في اللجنة وصولاً لقانون أحوال شخصية يضمن حقوق جميع الأطراف، وربما يسألني البعض لماذا علم النفس والاجتماع والتربية؟ أقول لدينا أطراف أخرى مهمة هم الأبناء أو الأطفال، نحتاج في ظل ما آلت اليه علاقة الأبوين إلى توفير مناخ صحي لهم من أجل شخصية سليمة نفسياً وعقلياً وسلوكياً، ووضع المحددات والأطر التي تحافظ على السلامة النفسية والسلوكية والتربوية للأبناء.

سادساً: هل يمكن أن يكون هذا الاقتراح مقبولاً؟.. إذا ما حاولنا إعادة العلاقة الزوجية إلى طبيعتها ومسارها الذي يخدم استمرار الأسرة والحفاظ على الأبناء من خلال محاولات لرأب الصدع والعلاج والإصلاح الشامل مع لجنة من الحكماء، وأيضًا من أهل الطرفين ي محاولة لإزالة الخلافات والأسباب التي أدت إلى التنافر أو قرار الانفصال، ربما يكون الأهل هم السبب الرئيسي في الخلاف.. وهو ما يتحرج منه الزوج أو الزوجة.. ونحاول إقناع الأهل بالتراجع أو الانسحاب أو عدم الضغط على الطرفين، أو حتى الانفصال في السكن عن الأهل وإيجاد سكن مستقل، أو إيقاف التدخلات والتحريض والعناد أو التسامح مع حالات الإساءة لآباء وأمهات الأزواج والزوجات من أجل استمرار الحياة لصالح الأبناء وجمع الأسرة، فربما تكون هناك أسبابًا نستطيع علاجها وإزالتها لتعود الحياة إلى طبيعتها والأيام كفيلة بالنسيان أو العلاج.

- الأمر في حالة وضع قانون مناسب للأحوال الشخصية ليس بيانات وإحصائيات فحسب.. ولكن دراية وإلمام ومعايشة لأحوال وظروف وسلوكيات الأسر والأزواج، أيضًا من المهم وقبل إصدار القانون إجراء حوار مجتمعي حول بنود القانون التي تصب في صالح وحقوق جميع الأطراف، وأن يحوى كل الأبعاد والمحاور فيما يتعلق باحتياجات كل طرف الأب والأم والأبناء.. فماذا عن مكان السكن في أحواله المختلفة؟.. ماذا لم يكن الزوج مالكاً لوحدة سكنية (تمليك)، أو كان يستأجر شقة مؤقتاً للزواج، وأسرة الأم لا تقبل ولا تستطيع تحمل وجود الابنة المطلقة وأطفالها.. وفي حال سفر الأب أو الأم إلى من تؤول الاختصاصات المكتوبة في وثيقة الطلاق، أو إذا مرض الزوج وأصبح غير قادرًا على العمل.. من يحدد هذه القدرة وما هي بدائل الانفاق على الأبناء؟ وهل يعاقب على عجزه وعدم قدرته.. وانطلاقاً من حماية الدولة والمجتمع للأبناء.. ماذا في حال وفاة الأب أو الأم المطلقين؟ فنحن نريد الحفاظ على الإنسان أيا كان أباً أو أماً أو طفلاً أو ابناً مادياً ونفسياً وسلوكياً واجتماعياً، لابد أن نتأنى ونبحث وقد تكون هناك نصوصًا في القوانين تحل هذه الاشكاليات لأ أعلمها لكن ما أريده هو زيادة المسئولية الاجتماعية للدولة؛ للحفاظ على أبنائها في هذه الأحوال والتصدي لكل أسباب الضرر التي قد تلحق بالأطراف الثلاثة، في حالات العجز أو المرض أو الموت.
 
 
طرف رابع
 
نحتاج إلى قانون أحوال شخصية يحقق مصالح وحقوق جميع الأطراف مضافاً إليه الأبعاد الإنسانية، وربما يحدد التزامات الدولة كطرف رابع، بالإضافة إلى الزوج و الزوجة المطلقين والأبناء، فالدولة هنا لديها مسئولية عن سلامة أبنائها.. لأن الإنسان هو أساس وجوهر سلامتها ومستقبلها وأمنها القومي.. فلدينا نماذج تعرضت الأسرة فيها للطلاق، وربما توفي الزوج أو الزوجة، أو الاثنان معاً، فما بالنا إذا عرفنا وهي واقعة موجودة أن زوجاً وزوجة قررا الانفصال وتم الطلاق ويتهربان ولا يريدان الاحتفاظ بأبنائهما.. فلا يريد أي منهما أن يتحمل مسئولية الاحتفاظ بأبنائه، لذلك النتيجة تنعكس على الأبناء.. وتشعرهم بعدم الاهتمام والحيرة والضياع، فالابن الذي كان متفوقاً قبل الإعدادية حصل على مجموع 150 درجة من 240 درجة بعد انفصال الأب والأم، وكل منهما لا يريده.. ويطالبه بالذهاب لأمه أو الذهاب لأبيه، إنها عجائب الدنيا وغرائبها أن نرى آباء وأمهات بهذا الشكل.

الرجولة والأبوة ليست بالقانون أو الإلزام.. فكيف يتهرب الأب من الانفاق على أبنائه وأطفاله.. ويعاند ويخل هل هذا من النخوة والرجولة.. وهل هذا يستحق أن يكون أباً؟.. وماذا عن موقف الأبناء بعد أن يبلغا أشدهم من هذا الأب.. كيف سيعاملونه؟.. وماذا عن الأمانة التي حملها له المولي- عز وجل- هل من الرجولة والنخوة أن يتلذذ الرجل بالتنكيل والتعذيب ومعاناة طليقته، الانسان يتعامل بأخلاقه ورجولته ودينه لكن للأسف وبسبب غياب الوعي الديني والإعلامي والدرامي، تفشت هذه الظواهر المسيئة للأبوة والأمومة.. لذلك على الأسر أن تربي في أبنائها النخوة والرجولة وتحمل المسئولية والعطاء، وعلى الخطابات الدينية والثقافية والإسلامية والفنية والدرامية والتعليمية أن تنشط عزة الضمير والرجولة والنخوة في شبابنا بدلاً من أن نجني مثل هذه النوعية من الآباء والأمهات.

الاهتمام الرئاسي بحماية الأسرة المصرية والإنسان المصري هو غير مسبوق، لذلك فالرئيس عبدالفتاح السيسي يولي هذا الأمر اهتماماً كبيراً ويقينًا فإننا سنرى الحلول قريبا بعد 40 عاماً من المعاناة والعذاب.