بقلم – ثروت الخرباوى
العديد من الأكاذيب والشائعات التي روجها الإخوان عبر عقود يتم تناقلها بين أنصاف المثقفين، أو قل أنصاف المتعلمين، دون أن يعرف أحدهم مصدر هذه الكذبة، وأصل هذه الشائعة، وتظل هذه الشائعات مصدرا للخرافات إلى حد أنها تتحول في عيون العوام إلى شيء ثابت من الصعب أو قل من المستحيل زحزحتهم عنها.
خذ مثلا الشائعات التي أطلقها الإخوان على عبد الناصر، وقد كان هذا الزعيم الكبير محطة من محطات الشائعات الكبرى التي روجها الإخوان، فقد أشاعوا مثلا أن والدته كانت يهودية وأنه كان منحازا لليهود، مع أنه في الحقيقة كان أكبر محارب لإسرائيل عبر التاريخ الحديث، وأشاعوا أنه تقابل مع قيادي صهيوني كبير في حصار الفالوجا عام ١٩٤٨ وأنهما اتفقا في هذا الوقت على أن يقوم عبد الناصر بحكم مصر من أجل التمكين لإسرائيل ولدولتها التي تريدها! مع أن عبد الناصر في الفالوجا كان في حرب مع إسرائيل، وبدا من سذاجة الشائعة وكأنهما كانا يجلسان في فندق على النيل لا في أرض معركة، أو كأن إسرائيل فجأة فكرت في استقطاب شخص ما ليحقق لها أهدافها، وفجأة وجدت ضالتها في شاب مصري من ضباط الجيش المصري، فقام جيشها بحصار موقعه الحربي في الفالوجا، ثم جلسوا معه ليتفقوا على سيناريو ثورة يوليو!
وأضف بعد ذلك شائعات عبد الناصر عدو الإسلام، الذي فكر في الحج وأثناء الطواف حول الكعبة توقف وقال لمرافقيه: لماذا أطوف حول حجر، هيا بنا ننصرف!!، وعلى ناحية أخرى شائعة عبد الناصر الإخواني الذي انخرط في الإخوان وكان صديقا لحسن البنا ثم انقلب عليهم، ثم عبد الناصر صديق الأمريكان، وثورة يوليو الأمريكية، وعلى الطرف الآخر عبد الناصر الشيوعي الملحد صديق خروشوف وعميل المخابرات الروسية! المهم أي شائعة حتى ولو كانت متناقضة مع الشائعة الأخرى، ليس المهم الشائعة في حد ذاتها ولكن الأهم هو تشويه الشخصيات المقصودة بالشائعات.
وبعدها، لك أن تطالع الشائعات التي أطلقتها على السادات، فهو عندهم عميل المخابرات الأمريكية الذي تم تجنيده في الستينيات عن طريق كمال أدهم رجل المخابرات السعودية! ثم أشاعوا أنه اعتنق اليهودية وذهب لحائط المبكى وبكى على شهداء اليهود في محرقة الهلوكوست! ثم هو أيضا كان الصديق المقرب من حسن البنا، وهو قبل هذا وذاك كان عميلا للمخابرات الألمانية والتابع الأمين لعزيز المصري وسبق أن التقى بهتلر صاحب محارق اليهود! الذي قال له: في يوم من الأيام ستصبح رئيسا لمصر!.
وخذ الرئيس الأسبق مبارك ورحلتهم في الشائعات ضده، وأذكر أن خيرت الشاطر في بداية التسعينيات أنشأ داخل الجماعة قسما للحرب المعنوية كان من أهدافه ترويج أكبر كم من الشائعات ضد نظام الحكم ورجاله، وكان من الأسباب التي أقيم من أجلها هذا القسم هدم الدولة، وكانت دراسات الشاطر تشير إلى أنه من الممكن أن تهدم دولة من خلال التحكم في الشائعات وتوجيهها، وأن الإخوان لن تستطيع أن تحكم مصر إلا إذا تم هدمها، وبعد الهدم يأتي البناء على أسس عقائدية إخوانية.
وفي ذات الوقت وجه الإخوان طاقاتهم الحركية والتنظيمية والفكرية إلى تقديس رموزهم، فحسن البنا يجب أن يكون مقدسا وربانيا لا يمكن أن يقع في خطأ، نعم عندهم قد يقع الرسول صلى الله عليه وسلم في خطأ ما لكن البنا فكلا وألف كلا، ثم لك أن تتأمل أقوالهم عن مرشديهم، كلهم أبرار قديسون، كلهم ورثة الأنبياء، حتى أن أحدهم كتب عن المرشدين بأن الله عندما وجد الدعوة قد انتهت فأرسل «حسن البنا» ليبنيها، وعندما تعرضت الدعوة لحروب أرسل لها «الهضيبي» كهضبة تصد عنها الحروب، وبعد أن خرجت الدعوة من سجون عبد الناصر أرسل لها «التلمساني» ليتلمس لها طريقها، وبعد أن تلمست الدعوة طريقها أرسل لها «أبو النصر» نسبة لمرشدهم حامد أبو النصر لينتصر لها، وبعد أن انتصرت في مصر أرسل لها «مشهور» لينشأ لها التنظيم الدولي فتصبح مشهورة، وهكذا إلا أنهم توقفوا لأنهم لو صلوا لبديع لما وجدوا إبداعا ولا يحزنون وكانوا سيجدون نهاية وسجونا وهزائم وكراهية نالوها ما نالوا مثلها من قبل.
ولكنهم مع ذلك أشاعوا أمورا خارقة عن حسن البنا، اختلقوها اختلاقا وهي في الأصل من بنات أفكارهم أرادوا بها التأثير على العوام الذين تم تجنيدهم إخوانيا كي يظلوا تحت تأثيرهم، ثم أشاعوا كما من الشائعات عن سيد قطب الذي كان صاحب النصيب الكبير من التقديس، حيث أرادوا بها توجيه ضربة لعبد الناصر من ناحية، ومن ناحية أخرى تأليه سيد قطب، وقصص سيد قطب بالذات يصح أن نستعرضها لنعرف كيف تتحول قصة مختلقة لا أساس لها إلى حقيقة ثابتة في عقول الناس لاشك فيها؟ ومع ذلك سيقسم لك الإخوان إن هذا لهو القصص الحق، ومن هذا القصص ما رواه الإخوان عن علاقة سيد قطب بتنظيم ١٩٦٥ الذي أنشأه قطب لاغتيال عبد الناصر وقلب نظام الحكم، وصولا إلى إعدام سيد قطب.
وقد روى الإخوان عن هذه القضية الأساطير التي لا أصل لها، بل والتي تخالف الحقيقة التاريخية، فيقولون مثلا: إن هذه القضية ملفقة وأنه لم يحدث قط أن أنشأ قطب تنظيما بهذا المعنى! ثم يقولون إن رئيس المحكمة التي كانت تحاكم قطب قال له: أريد أن أعرف الحقيقة، فكشف قطب عن ظهره وأراه آثار التعذيب وقال له: هذه هي الحقيقة، ويسترسل واضعو الأساطير بأن مدير السجن قبل إعدام قطب قال له: اكتب اعتذارا لعبد الناصر حتى يعفو عنك، فقال قطب: إن السبابة التي توحد الله في الصلاة لا يمكن أن تكتب اعتذارا لعبد الناصر.
ويجمح الخيال بأحدهم فيقول إن الشيخ الأزهري الذي حضر الإعدام قال لسيد قطب قبل أن يصعد للمشنقة: قل لا إله إلا الله، فنظر إليه قطب وهو يقول: وهل أتى بى إلى هنا إلا لا إله إلا الله، ثم يختتم الإخوان أساطيرهم بقصص التعذيب التي تعرض لها قطب، إلى أن تروي أخته حميدة قطب ـ أو بالأحرى يُروى عنها ـ أن حمزة البسيوني استدعاها عشية تنفيذ حكم الإعدام وقال لها: إننا نحب الأستاذ سيد ونرى أنكم الجماعة الوحيدة في العالم التي تطبق صحيح الإسلام وأننا نريد أن ننقذ الأستاذ قطب من الإعدام إذ أمر عبد الناصر أن يتم باكرا، وكل ما نريده هو أن يكتب اعترافا بأنه أنشأ تنظيما لاغتيال عبد الناصر وقلب نظام الحكم، وسأرسلك له الآن في زنزانته لتقنعيه بالاعتراف؛ فإذا اعترف سأضمن لك حكما بالبراءة وعفوا صحيا من الرئيس عن الأستاذ سيد قطب، فذهبت حميدة ـ كما يقولون ـ إلى أخيها في زنزانته وأخبرته بما قيل لها فرفض وقال لها: لو كنت قد ارتكبت هذا الفعل لاعترفت وما منعتني أي قوة على وجه الأرض من الاعتراف.
فإذا كنت تريد معرفة الحقيقة عزيزى القارئ فلا تعوِّل على كل ما سلف، فلم يحدث شيء من هذا على الإطلاق، فسيد قطب لم يقع عليه أي تعذيب، فقد قضى فترات العقاب قبل إعدامه في مستشفى السجن، والإخوان هم الذين يقولون ذلك، ويتحدثون عن الفترة الأولى التى حبس فيها قطب فقالوا فى كتبهم: «قضاها فى مستشفى السجن وأرسل له فى هذا المستشفى حسن الهضيبى يسأله عن تكفيره للناس فأنكر أنه كفَّر أحدا»، ثم إن أحدا لم يقل لنا: من أين عرف الإخوان أن مدير السجن طلب منه أن يكتب اعتذارا لعبد الناصر قبل إعدامه؟ هل أخبرهم بهذا مدير السجن؟! أم أن سيد قطب قام من موته وأخبر الإخوان بما حدث؟! ولأن هذه المعضلة وقفت أمام الإخوان فقد حاولوا إخفاء تلفيقها، فقالوا: كان واحد من الجند يحرس زنزانة قطب ـ الذي هو في مستشفى السجن من الأصل ـ وكان يظن وفق ما قيل له أن قطب هذا من اليهود، فرآه يقوم الليل ويقرأ القرآن، ويتعرض من أجل ذلك لتعذيب بشع ـ في مستشفى السجن ـ وتصادف أن كان هذا الجندى هو الذي اقتاد قطب لغرفة الإعدام، فرأى وقال وقص علينا ما حدث من مسألة السبابة التي توحد والاعتذار المرفوض والشيخ الذي قال له قطب: وهل أتى بي إلى هنا إلا لا إله إلا الله، هذا والله شيء عظيم، ولكن من هو هذا الجندى؟ ما اسمه وأين كتب اعترافه هذا، فلن تجد جوابا لهذا.
أما الأغرب فهو ما روي على لسان حميدة قطب من أن حمزة البسيوني طلب منها أن تقنع قطب بالاعتراف بالجريمة ولكن قطب رفض بإباء وشمم، ووجه الغرابة أن سيد قطب اعترف أصلا اعترافات تفصيلية بتنظيمه ومخططاته، بل إن قطب كتب هذا الاعتراف بخط يده، وهو موثق في القضية، وقد اعترف الإخوان بصحة الاعتراف، وقد قاموا بوضعه في كتيب بعد ذلك ونشروه على حلقات فى «مجلة المسلمون» تحت عنوان «لماذا أعدموني»! فكيف يطلب حمزة البسيوني من حميدة قطب أن تقنع أخاها بالاعتراف بارتكاب الجريمة وهو معترف بالجريمة فعلا .
وفي اعتراف قطب بالقضية يقول: (وهذه الأعمال هي إزالة رؤوس في مقدمتها؛ رئيس الجمهورية، ورئيس الوزارة، ومدير مكتب المشير، ومدير المخابرات، ومدير البوليس الحربي، ثم نسف لبعض المنشآت التي تشل حركة مواصلات القاهرة لضمان عدم تتبع بقية الإخوان فيها وخارجها - كمحطة الكهرباء والكباري - وقد استبعدت فيما بعد نسف الكباري كما سيجيء) .
وفي موضع آخر يقول: (وبناء على ذلك اتفقنا على الإسراع في التدريب، بعدما كنت من قبل أرى تأجيله ولا أتحمس له، باعتباره الخطوة الأخيرة في خط الحركة وليس الخطوة الأولى).
وأظن أن الإخوان سيقولون إن قطب اعترف تحت وطأة التعذيب، لندور في دائرة مفرغة إذ سنقول: فلماذا إذن طلبوا منه أن يوقع على اعتراف إذا كان معهم اعتراف بخط يده!.
هذه القصص تناقلها الإخوان وبكوا وأبكوا معهم الغافلين، واشتهر أمر قطب بسبب أن الإخوان جعلوا من نهايته مأساة كربلائية، وصدق كثير من الناس أن نظام عبد الناصر طلب من قطب أن يعتذر فأبى، وطلب منه أن يعترف فأبى، وقال: السبابة والأصبع توحد لله ولا تعتذر، وما جاء بي هنا إلا لا إله إلا الله، وكأن عبد الناصر نقم منه أنه من الموحدين .
ولايزال الإخوان إلى الآن يطلقون الشائعات ويستخدمونه لترويجها وسائل التواصل الاجتماعي، ولجانهم الإلكترونية تعمل بجد وانتظام لنشر هذه الشائعات على أوسع نطاق، وهم في سبيل ذلك يزيفون الوقائع والأفلام والفيديوهات، سمعناهم وهم يقولون إن سيدنا جبريل نزل ليساندهم في اعتصام رابعة، وأن سيدنا محمد طلب من محمد مرسي أن يؤمه في الصلاة! وأن وأن وأن.. أما شائعاتهم ضد الدولة فلم تتوقف لحظة، حتى أنني أعجز عن حصرها وعدها، والآن هل عرفتم كيف يزيف الإخوان تاريخهم ويعبثون بتاريخنا، ويزيفون؟ أظنكم عرفتم ولكن الأغرب أننا رغم معرفتنا سنظل نقع في حبائلهم وحبائل شائعاتهم!!.