رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الشاعر عمر سبيكة: "الحبّ والسلام" رسالتي للإنسان أينما كان.. والشّعر العربي أجمل ما في تاريخنا

9-6-2022 | 20:25


الشاعر التونسي عمر سبيكة

حوار أجراه: أحمد طايل

دوما وبتكرار دائم، أحتاج أن ألقى نفسى بين أحضان محيط الثقافة وأمواجها المتنوعة ما بين، شعر، قصة، رواية، نقد، وغيرها من الأجناس الأدبية، هى منظومة متكاملة، لا فرق بين جزء وآخر، هى أوركسترا موسيقية، لكل منها آلته الموسيقية ونغماته الخاصة، ولكن تتكامل مع البقية، لتكون موسيقى بلا نشاز، وحوارى مع شاعر، الشعر طوال الأزمان، ديوان العرب، الشاعر التونسى(عمر سبيكة) يفرد قلاعه، لنسبح سويا بمحيط الثقافة.

 

نودّ بالبداية أن نتصفّح بطاقتك التّعريفيّة إنسانيّا وإبداعيّا وثمارك الإبداعيّة؟

اسمي عمر ولقبي سبيكة، أنا مولود يوم 14 أكتوبر سنة 1958 بمدينة حمّام الأنف وهي المدينة الّتي أعيش فيها إلى اليوم ولن أغادرها حيّا أو ميّتا

متخرّج من الجامعة التّونسيّة بشهادة مهندس مساعد في اختصاص النسّيج صباغة وتكملة

انخرطت منذ سنوات السبعين الأولى من القرن الماضي في شبكة من الجمعيّات الشّبابيّة في مجال السّينما التّي تنطلق في نشاطاتها من أرضيّة عمل ثقافي تؤسّس لثقافة وطنيّة ملتزمة بقضايا الجماهير الواسعة،

كان ذلك في سنوات 1973 وما بعدها، قبل ذلك بقليل وعندما كنت في السّنة الأولى من التعليم الثّانوي سنة 1972 في شهر فيفري كنت شاهدا على انتفاضة تلميذيّة وطلّابيّة عارمة نسميها في تونس حركة فيفري 72

هذه الحركة هي في الأصل محاولة قامت بها الحركة الطّلّابيّة من أجل عقد المؤتمر الثّامن عشر للإتّحاد العام لطلبة تونس،

كان لهذا الحدث التّأثير الكبير على تكوين شخصيّتي الفكريّة وعلى ذاكرتي وهو محرّك أساسي لكتاباتي

أنا عضو الرّابطة التّونسيّة للدّفاع عن حقوق الانسان، وعضو الاتّحاد العام التّونسي للشّغل، عضو الجامعة التّونسيّة للسّينمائيّين الهوّاة، وعضو الجامعة التّونسيّة لنوادي السّينما، وبالطبع عضو اتّحاد الكتّاب التّونسيّين.

وقد أصدرت ثمانية كتب، أولاها كان "عناق" وهو مجموعة شعريّة صدرت عن دار الاتحاف للنّشر سنة 2001، وآخرها "إِلَى آخِرِ الْمَطَرِ" مجموعة شعريّة صدرت عن دار سنابل للنّشر سنة 2011

كما أنجزت العديد من الأفلام القصيرة في إطار نشاطي ضمن الجامعة التّونسيّة للسّينمائيّين الهوّاة.

البدايات هى ما ترسخ لكل المراحل، حدثنا عنها، كيف كانت؟

بداياتي كانت عندما كنت طفلا أحببت بنت الجيران وكنت أكتب لها رسائل أعبّر من خلالها عمّا أشعر به نحوها بعد حين تأكّد لي أنّ ما كنت أكتبه لها هي قصائد حبّ ومازلت أكتب لنفس الطّفلة قصائدي لأعبّر لها عن حبّي.

 

مؤكد أن حكايات الطفولة والصبا كانت مساحات شاسعة، كيف رأيت هذه الحكايات، وكيف عبرت عنها ؟

في كلّ قصائدي تقريبا، يتحدّث الطّفل فيّ، يستطرد، يلهو، يبكي، يضحك، يركض، يتدفّق ظامئا مثل الماء لا يني، هذا الطّفل هو الّذي يكتب القصيد بلا قلم وبلا ورقة، يتحدّث الطّفل الفقير الّذي يغلبه النعاس وهو جائع، ويوقظه قبل انبثاق الصّباح وجع الجوع.

 

ما الذى يستفزك للكتابة؟

أنا أكتب حين تغمرني مشاعر فرح أو حزن أو ألم أو قلق أو شوق أو حيرة أو غربة أو إهانة أو فخر وهكذا.. إذن المحرّك الأساسي للقلم عندي هي المشاعر والأفكار والقيم الإنسانيّة الّتي أرنو إليها.

 

 ما الأهداف التى تضعها أمامك حين الكتابة؟

قبل الكتابة، ثَمَّةَ لحْظَةٌ مؤسِّسة لما سأكتب، هذه اللّحظة هي لحظة المكاشفة الشّعريّة، قد تأتي هذه اللّحظة عندما أكون نائما، ولكنّ الشّاعر فيّ في تلك اللحظة يكتب ما قبل القصيد، وعندما أنهض أذهب مباشرة إلى الورقة وأكتب القصيد، قد يتمّ ذلك في زمن قصير وقد يأخذ وقتا أطول نسبيّا، ولكنّ ما سأكتبه لا أضع له مخطّطا أو أهدافا وإنّما تفاصيل حياتي بما فيها من هزائم وانتصارات ونخوة وغير ذلك هي المحدّد لما أكتب.

 

قراءتك، ماذا عنها، وهل بها تنوع؟

تعوّدت منذ زمان أن أقرأ الشعر أكثر من كل المواد المكتوبة الأخرى، ولكنّني كلّما أعثر على مادّة حتّى وإن كانت غير أدبيّة أتصفّحها ثمّ ألتهمها، وهنا أحبّ أن أشير إلى أنّني أحيانا أنطلق في قراءة مادّة أدبيّة ثمّ أتوقّف لأنّني قد أكتشفت بلاهة وبهامة في الكتابة، أفعل ذلك لأنّني أحبّ أن أقرأ مادّة ذكيّة.

 

- ما الذى جذبك إلى عالم الشعر تحديدا؟

الشّعر العربي هو أجمل ما فعله الانسان العربي عبر التّاريخ، وقد عشت شخصيّا طفولة عاشقة، وكنت قد قرأت ما كتب الشّعراء في الحبّ، فحاولت ومازلت أحاول أن أقول الحبّ شعرا.

مَن مِن الشعراء كان تأثيرهم أكثر عندك؟

استمعت في سنوات السبعين الأولى إلى الشّيخ إمام وقصائد الشّاعر أحمد فؤاد نجم وأعجبت بها كثيرا واستمعت بعد ذلك إلى الشّاعر العراقي مظفّر النّوّاب فكان معلمّي وأستاذي وقدوتي.. بعد ذلك أعجبت بشعر نازك الملايكة وشعر محمود درويش وسميح القاسم والكثير من الشّعر العربي.

 

هل لك رسائل تريد توجهيها لمتذوقى الشعر ولعالم المثقفين ؟

رسالتي أوجهها إلى الانسان أينما كان وكيفما كان، هي رسالة حبّ وسلام، وأدعوه لإطفاء الحرائق الّتي أتت على الأخضر واليابس، أدعوه أن يتضامن مع أخيه الّذي لا مأوى له ولا رغيف، أدعوه أن يساهم في المجهود المبذول لإنقاض الغرقى الّذين يموتون على أبواب العواصم الغنيّة هربا من الظّلم ومن الجوع والفقر.

 

ما حلمك الإبداعي، وما حلم الأمس واليوم والغد؟

كنت طفلا في السّنة العاشرة من عمري أحببت الموسيقى وتمنّيت أن أمتلك آلة العود لأتعلّم العزف الموسيقي لكنّني كنت يتيم الأب ووالدتي أعطتني مبلغا ماليّا لم يكن كافيا لاقتناء آلة العود

كان ذلك الحلم الأول الّذي لم يتحقّق.

اليوم أحلم بل أدعو الله أن يشفيني من مرض أعاني منه منذ سنة 1989 رغم أنّ هذا المرض ليس مرضا عابرا إنّما هو مرض وراثي والأمراض الوراثيّة لا نشفى منها .

هو مرض يصيب العضلات فيجعلها لا ترتخي أبدا، تشتدّ وتشتدّ، ولا ترتخي فلا أستطيع أن أستوي واقفا، وحتّى النّوم لا يمكنني أن أتمدّد على ظهري لأنّ عضلات الظّهر مشدودة.

أحلم أن أنام وأستيقظ مثل بقيّة البشر، أمشي أتوقّف وأجلس وهكذا، هو حلم بسيط ولكنّه مهمّ جدّا بالنّسبة لي هذه أحلامي بالأمس واليوم وغدا.

 

 ما رأيك بقصيدة النثر؟

أنا أكتب القصيد العمودي وأكتب قصيد التّفعيلة وأكتب قصيد النّثر وأرى أنّ كلّ ذلك من الشّعر،

أنا لا أوافق الّذين يقنّنون الإبداع والفنّ، فهذه المواد الّتي يعبّر من خلالها الإنسان عن مشاعر وهواجس تعتريه بأشكال متفاوتة الجمال ومختلفة ومتنوّعة لا يمكن تقنينها وضبط درجات الجمال فيها فهذه الدّرجات تبقى نسبيّة أبدا.

 

هل ما زال الشعر هو ديوان العرب؟

الشّعر العربيّ هو رمز وركن أساسي لهويّتنا العربيّة، وهو أجمل ما فعل الإنسان العربي عبر العصور، ولكن اسمحوا لي هنا أن أفتح قوسا صغيرا لأتحدّث عن خصوصيّة شعرنا العربي وهي البحور الشّعريّة، هذه البحور الشّعريّة بتفعيلاتها بزحافاتها وعللها بأوتادها بالقوافي، بقيودها الشّاهقة وبشروطها، تبقى زينة ما نكتب وتمنحنا إيقاعا يشبه صحراءنا، وأمّا ما نكتب من قصائد النّثر فهي تعبّر في أعماق ما تقول عن وجع الأرض العربيّة وتعبّر عن صرخة الإنسان العربي من أجل الحرّيّة والكرامة.

 

ما مشروعك الأدبى الذى تتمنى إنجازه؟

أنا بصدد كتابة سيرتي الذّاتيّة وأتمنّى الوصول إلى الزمن الّذي أعيشه كي أكتب اللّحظة في حينها.

 

هل يلقى الشعر بهذا الوقت اهتماما من مسئولى الثقافة، والصحافة الثقافية ؟

لا أظنّ أنّ رجال السّياسة والمسئولين عن إدارة شؤوننا يولون الأهمّيّة اللّازمة للشّعر، فحتّى دور النّشر لم تعد ترغب في نشر كتب الشّعر، هم يفضّلون نشر الرّواية على الشّعر لأنّ الرّواية تباع أكثر في السّوق.

اليوم أصبح للمال شأن هام فهو المحدّد لكلّ المسارات.

 

إذا آتت اليك الفرصة وصرت المسئول الأول عن الثقافة، ما الخطوات التى تضعها بأولوياتك؟

إذا أتتني فرصة أن أكون وزير للثّقافة في بلادي، سأسعى إلى النّهوض بقطاع الطّباعة والنّشر وأحثّ النّاشرين وأمنح الحوافز لنشر كتب الشّعر بطباعة أنيقة.

إن أصبحت وزيرا للثّقافة سأؤسّس ملتقيات وتظاهرات في كلّ المدن والأرياف يشارك فيها كلّ الشّعراء الأغنياء والفقراء سكان المدينة والأرياف بدون استثناء ولا فرز.

 

ماذا عن إصدارك الأول، وكيف تم استقباله؟

جميع كتبي لم يتم ترويجها في الأسواق بالشّكل المرضي، ولم أفهم لماذا يحدث ذلك لي، وحتّى الإعلام عن صدورها لم يتم بالشّكل المطلوب.

 

هل تذهب الجوائز الأدبية إلى مستحقيها من وجهه نظرك؟

لا أجيب عن هذا السّؤال بالنّفي ولا بالإيجاب فقط أقول أنّ هذه الجوائز لا يمكن أن تسند إلى أمثالي من الشّعراء والكتّاب.

 

إلى أى جيل من الشعراء كنت الحمد بالتواجد به؟

أنا أنتمي إلى الزّمان والمكان الّذي أنا فيه ولا رغبة لي أو أمنية لكي أبدّل الزّمان أو المكان أو النّاس.

 

رسائل إلى..

مسئولى الثقافة.. القراء.. النقاد.. الأبواق الاعلامية.

رسائلي برقيّة أبعثها إلى مسؤولي الثّقافة:

هذي البلاد كلّ ما فيها يشبهني فلا تبدّلوا الأسماء حتّى لا أسمّيها لأنّها حتما ستعرفني وتسمّيني

إلى القرّاء:

أحاول أن أكون قارئا جيّدا فكونوا قارئين جيّدين

وإلى النّقّاد:

أنا أكتب فلماذا لا أرى ما تكتبون؟

وأخيرا إلى الأبواق الإعلاميّة:

أنا لا أراني في ما تنشرون وفي ما تعلنون

 

جانب من إبداع الشاعر عمر سبيكة

أَنَا شَاعِرٌ،

يَحْلُمُ الْمَاءُ فِي لُغَتِي،

تُشْرِقُ الْأَرْضُ،

وَالْكَلِمَاتُ تُرِيقُ عَنَانَ السَّمَاءِ السَّحِيقَةِ،

تَمْتَدُّ،

وَ الْمَدُّ والْجَزْرُ

يَمْتَدُّ،

تَمْتَدُّ لَهُ الْحَاءُ فَارِحَةً

حِينَ بَاءَ لَهُ الْحُبُّ

و استَرْسَلَ النَّبْضُ،

وَ اسْتَرْسَلَ اللَّفْظُ والْكَلِمُ،

دَافِقًا

يَنْطِقُ الْمَاءُ

فِي الْكَلِمِ،

تَنْطِقُ الضَّادُ

وَ الظَّاءَ

وَ الْحَاءَ

وَ الْخَاءَ

وَ الْعَيْنَ

وَ الْقَافَ

يَسْتَبِقُ الْقَطْفُ قَصْفَ الْحَدَائِقِ،

الْقَلْبُ

مُحْتَفِلٌ بِاللِّقَاءْ،

لُغَتِي مَشْرِقٌ أَنْطَقَ الْكَلِمَهْ

 والْكِتَابُ الْقَدِيمُ،

كِتَابِي،

قَصِيدٌ قَدِيمٌ،

مِنَ الْمَاءِ سَالَ،

 مِنْ قُدُسٍ،

وَ مِنْ قُدُسٍ دَفَقَ النَّهْرُ مُلْتَمِعًا،

بَثَقَ الْمَطَرُ السَّرْمَدِيُّ مِنَ الظَّمَإِ،

بَثَقَ الْمَطَرُ مِنْ تُرَابِ رَفِيقٍ حَكَى وبَكَى،

وَلَهَ،

بَسَمَ،

رَسَمَ الْكَلِمَهْ،

صَاغَهَا اللَّهُ مِنْ مَائِهِ الْفَارِحِ ومِنْ حُلُمٍ،

أَتَدَفَّقَ مِنْ نَهَرٍ هَائِمٍ،

وَ يَنْبَثِقُ الْمَاءُ مِنْ حُلُمِي،

تُعَرِّبُهُ لُغَةُ الْعَرَبِ،

أُعَرِّبُ ذَاكِرَةَ الْمَاءِ،

أَحْلُمُ،

أَبْتَلُّ،

تَنْهَمِلُ الْكَلِمَاتُ مِنَ الْقَاعِ،

مِنْ قَاعِ ذَاكرَتِي،

وَ لِي فِي سَمَاءِ الْبِدَايَاتِ فَجْرٌ ورَايَهْ،

وَ لِي بِالْمَرَايَا الْبَهِيَّةِ نَايٌ وآيَهْ

 

عمر سبيكة

حمَّام الأنف في 10 ديسمبر 2021

 

الأديب أحمد طايل

الأديب أحمد طايل