رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الكاتب محمد زعل السلوم: اعتقالي بتركيا جعلني أدمنت الكتابة (حوار )

14-6-2022 | 18:00


الكاتب محمد زعل السلوم

أحمد طايل

كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء المبدعين عبر الفضاء الإلكتروني، وتطرق بيننا الحديث حول أدباء تركوا بلادهم لظروف قهرية وليست بإرادتهم، حينها حدثني عن كاتب متعدد الكتابات بالعديد من مناحى الإبداع، وأنه غزير الإنتاج، حتى وصلت إصداراته ما يتجاوز الستين إصدارًا، وبحاسة المحاور أيقنت أني أمام كنز، فدفعتني اللهفة الفضولية من صديقي أن يعرفني به، وقد كان، تواصلت معه، و كان لي هذا الحوار مع الكاتب السوري المغترب بتركيا محمد زعل السلوم.

إذا أخرجنا حافظتك التعريفية، إنسانًا، مبدعًا، إصدارات، أخبرنا عن محتواها، بكل استفاضة؟

محمد زعل السلوم مواليد دمشق 3 إبريل 1979، أنحدر من عائلة جولانية نزحت عام 1967، واليوم أعيش منفاي الثاني في اسطنبول ولا أعلم أين فيما بعد؟

شاركت بدايات القرن الحادي والعشرين بديوان باللغة الإسبانية مشترك في دمشق، وطبعت عام 2014 ثلاثة دواوين شعر هي عُرمة قمح والحب والتكوين وأوبوا، خريج الأدب الفرنسي جامعة دمشق ودرست الماجستير السمعبصري بالمعهد العالي للترجمة الفورية والترجمة جامعة دمشق، وحاصل على معادل ماستير بالتربية وعلم النفس صادر عن الأونروا خلال أعوام تعليمي الفرنسية في مدارس اللاجئين الفلسطينيين بدمشق.

عملت بمنظمات إغاثية واسعافية كمتطوع في منظمة فرنسية وأمريكية ويابانية عامي 2016-2017، وبعد لجوئي لتركيا كنت عضوا في بيت اسطنبول الفرنسي وعضو رابطة الكتاب السوريين في لندن.

نشرت دراسات ومئات المقالات في مركز حرمون للدراسات وموقع جيرون وعشتار وآفاق حرة وزي بوست وألوان نيوز والعربي الجديد وغيرها من المجلات والصحف.

  تنقسم أعمالي بين الرواية والشعر والترجمة والسياسة والكتب النقدية والمجموعات القصصية منها الحب والتكوين 2014، أوبوا، عُرمة قمح، وتبقى دمشق 2020، ألفية بغداد، ديوان الرثاء، نبطيات، هايكو معتقل سوري في زنزانة تركية 2022، ومن أعمالي الروائية مشرد البوسفور 2021، حب في زمن الكورونا تركيا 2022 ورحلة شنب أما مجموعاتي القصصية فوصلت إلى 7 مجموعات منها طفولة نازح من الجولان، ذكريات ياسمين دمشقي وحط بالخرج وعلى مستوى الكتب السياسية فأضفت للمكتبة العربية ثمانية كتب منها وقالت الصفحات، سوريا اللاجئة، الحروب السورية، سوريا 1967 في الوثائق البريطانية  وسوريا والشيوعية في الوثائق البريطانية (1954-1967)، كما قمت بمجموعة كتب خاصة بالجمع والتوثيق منها محمود درويش كاتبًا في زاوية الأدب (1961-1962) وجودت سعيد العلامة اللاعنفي وكتب حول الجولان منها طبوغرافية وقرى الجولان مقالات متنوعة عن الجولان، رحلات عربية إلى الجولان، لبطيحة في الأرشيف الفلسطيني (1935-1936)، فضلًا عن الترجمات عن الكتب الفرنسية منها خمريات الشعر الفرنسي، قصيدة الربيع الفرنسية، قصيدة الصيف الفرنسية، قصيدة الخريف الفرنسية ،القصيدة الثورية في موزامبيق و فى الدراسات النقدية قدمت أفلام أثرت في المجتمعات الغربية، أفلام غيرت حياتي، أفلام أوسكار 2022، روايات كندية تحولت إلى أفلام وغيرهم.

لكل كاتب صاحب قلم، عتبات ومراحل صعدها للوصول إلى عتبات القمة، ما هي بكتاباتك؟

ربما كانت عتبتي الهامة في الكتابة هي عندما كنت عضو فاعل في جمعية الأدباء العرب قبل أكثر من 14 عام وقبل ذلك عندما كان لي مدونة في موقع جيران الذي أغلق فيما بعد وانتشار ظاهرة المدونين العرب، ربما الانترنيت ساعدنا أن نكون صانعي ثقافة لا متلقين لها كما اعتدنا لعقود طويلة، وبالتالي كنت مغيبا عن الفكر العالمي، حتى عندما دخلت جامعة دمشق عام 1999 لم تكن تفسر رواية اوجيني غرانديه لاونوريه دو بالزاك كما يجب، بمعنى أنها عن بشاعة السلطة الأبوية بل تم تفسيرها بطريقة ساذجة تنم عن تجنب الرقابة على الأدب الفرنسي بجامعة دمشق، وحتى رواية الغريب التي تعكس عبثية الحياة وجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية لألبير كامو وانما التركيز على شخصية مورسو الرئيسية بأنها عدمية ولامبالية ونموذج لقلة الاهتمام وهو فعليا متمرد على السلطة والقانون ويعبر عن شخصية أناركية لم تعد تجد لحياة البشر قيمة، وحتى رواية الغثيان لجان بول سارتر وشخصيته الرئيسية روكنتان التي قرفت نفاق البشر من كافة النواحي مثل السلطة الكاذبة والدين الكاذب والمجتمع الكاذب الذي يتزيى بزينة النفاق المثير للغثيان، ربما روكنتان عدمي لكن كل ماذكر أوصل لأكبر عملية تدمير للبشر ألا وهي الحرب العالمية وكذلك أوضحت الرواية بأن ما وراء مرآة روكنتان الكثير من التجاعيد تماماً كرؤية سيوران السوداوية لهذا العالم الفاقد لإنسانيته والوحشي بالأساس.

ربما عتبة الأدب الفرنسي كانت الأهم في حياتي ولازالت تلازمني لليوم لذلك شرعت بمشروع خاص بالأدب الفرنسي لأني وجدت فيه الكثير من التفسيرات لعلاقتنا كبشر بوجودنا ذاته وحتى لرؤيتي لفكرنا العربي والإسلامي.

أيضاً العتبة التالية كانت اهتمامي بتاريخ أرضي التي نزح منها أهلي عام 1967 بسبب الاحتلال الصهيوني وقد بدأت الكتابة أو المساعدة في الكتابة والتوثيق، فوجدت أن تاريخنا غير التاريخ المعلب الذي أرساه النظام في شاشات التلفاز وكلام المتأنقين المنافقين الذين ينفون حتى وجودنا كشعب تم تهجيره من قبل الاحتلال، فكنا نصنع حتى السياسة في بلادنا وكانت لنا مكانتنا ودورنا في الاستقلال السوري الحديث وكانت قضيتنا مرتكز في الخارطة السياسية العربية لا جانبية كما حاول سياسيوا بلادنا تصويرها ليغطوا على هزائمهم وعارهم وخيانتهم.

أعتقد مررت بالكثير من العتبات خلال حياتي والفضل الأول والأكبر هو تعرفي على الفكر الغربي وخاصة الفرنسي فكانت نافذة هامة أولى وكذلك اللغات التي اقتربت منها ومن ثقافاتها وعتبة ثورة التواصل الاجتماعي التي فتحت كافة الأبواب أمامنا بعيداً عن الأبواب العفنة المحيطة بنا.

ما تأثيرات النشأة والبيئة والمكان والزمان عليك؟

نشأت في ضواحي دمشق بجديدة عرطوز والتي تقع بالريف الغربي لها، وفي تجمع لنازحي الجولان وهي إحدى عشوائيات البعث التي تشكلت بعد نزوح أكثر من 135 ألف سوري من أبناء الجولان، وكانت تابعة لمحافظ القنيطرة فكانت بيئتي ذات طبيعة عشائرية ووالدي شيخ قبيلة العجارمة وقبله جدي، وكانت هذه القبيلة الجولانية مشتتة في عشوائيات البعث كغيرهم من العشائر الأخرى في أربع محافظات سورية هي دمشق وريفها ودرعا وحمص، وكان اختلاطي بالبيئة الدمشقية من خلال الجامعة ومختلف أبناء المحافظات السورية القادمين للدراسة في جامعتها، وقبل ذلك كان لي اختلاط ببيئة جديدة عرطوز البلد وفيها تنوع بين فلاحين سنة ودروز ومسيحيين وأضيف أن الجولان ذاته متنوع فلم يشكل لدي الفارق الكبير، بل أتقبل الجميع وكذلك العشائر عندنا متنوعة وهناك تركمان الجولان وشركس الجولان والدروز والفلاحين وكنا جميعاً وعلى الدوام أسرة واحدة ينتمي أحدنا للآخر، هذا التنوع الجميل والناعم أثرى هويتي وهي هوية نازح فكتبت مجموعتي القصصية طفولة نازح من الجولان، وبعد تخرجي من الجامع توظفت كمعلم لغة فرنسية في منظمة الأونروا لأقترب أكثر للبيئة الفلسطينية وخاصة أن أغلب الفلسطينيين في سوريا من البيئة المجاورة للجولان مثل قضاء صفد والناصرة وعكا وحتى وصولاً لحيفا ويافا فكانت ثروة إضافية لمعارفي، عدا ذلك كان يزورنا أقارب من لبنان والأردن وبعد الغزو الأمريكي للعراق كانت فرصة التعارف عن قرب بالشعب العراقي الشقيق لأكتشف فيما بعد أن منهم في عداد أقاربي، وعدا ذلك كان والدي يعمل في السعودية وكانت هناك زيارات لأصدقائه كل صيف لدمشق، بكل بساطة كان العالم العربي موجود في دمشق وحتى بجامعة دمشق هناك الكثير من العرب، عدا ذاكرتي السينمائية والدرامية المصرية. وما نشاهده على الشاشة السورية والأردنية واللبنانية، حتى جاء عصر الستالايتات لنشاهد العالم العربي أجمع بل وحتى العالم، أيضاً كان لي نشاطات ثقافية بدمشق خاصة المركز الثقافي الفرنسي حيث المسرح الفرنسي والسينما والموسيقى فضلاً عن دار الأوبرا ومعسكراتي الصيفية في المكتبة الوطنية بدمشق وكنت أقضي الساعات الطويلة في القراءة، وقبل حتى وظيفتي في الأونروا كنت معلم خصوصي وكنت أتنقل في بيوت دمشق وهي تجارب ثرية، وفوق ذلك كان هناك بيت القصيد في برج الفردوس للقمان ديركي وكان منبر حر لكافة الشعراء العرب ومن العالم حتى أحمد فؤاد نجم رحمه الله زاره ذات مرة وكم احتفيت بصورة لي معه، ومهرجانات الجاز بقلعة دمشق وعيد الموسيقى الفرنسي العالمي كل عام حيث نتنقل من بيت دمشقي لبيت دمشقي في الشام العتيقة وبين حاراتها مثل بيت جاك مونتلوسون وبيت الخطيب وبيت نظام وكنيسة الزيتون وأمام الجامع الأموي ومقهى النوفرة ومقهى الحجاز والروضة، كان مكاني دمشق بروعتها وغناها ولياليها وروحها.

متى نبتت بداخلك بذور الإبداع؟

كان والدي يشجعني على الكتابة وخالي وعمتي يزودوني بالكتب والمجلات وكانت والدتي تشرف على كتاباتي الأولى رغم سذاجتها آنذاك إلا أنني كنت أحب الكتابة، بل ومن شدة شغفي كنت في فترة التسعينيات مولع بالراديو واستمع لحوالي السبعين إذاعة عبر العالم منها اذاعة القاهرة البرنامج الثقافي والبي بي سي ومونت كارلو وإذاعة موسكو واذاعة بكين وبغداد وعمان والرياض والكويت وطوكيو والشرق من باريس وإذاعة الشرق الأوسط من القاهرة وكنت أستمع للتمثيليات عن الروايات العالمية والمسرح العالمي ومجلات العلوم وأخباره، بل وكنت أقوم بتسجيل تلك الحلقات على شريط الكاسيت وتفريغها على الدفاتر، كل ذلك كان يحفزني على الكتابة وتجربة الكتابة، عدا نهمي لقراءة مجلة العربي الكويتية والمختار الأمريكية والمستقبل التي كانت تصدر في باريس وكنت أحصل على أعدادها القديمة من مكتبة خالي. أيضاً لأن والدي يهتم بالشعر النبطي فبدأت كتاباتي بالشعر النبطي وكنت أستمع لبرنامج ديوانية النبط وبقايا الليل في إذاعة الكويت وقصائد نبطية كل ليلة في إذاعة الرياض، لأقوم بمحاكاتها، ولاهتماماتي السياسية كنت أوثق الأحداث السياسية لكل بلد عربي سواء من صحيفة الحياة البيروتية أو الشرق الأوسط السعودية والتي كنت أتابع وبشغف مقالات أنيس منصور وسمير عطا الله وكذلك مجلة المجلة السعودية والكثير من المجلات السياسية من القاهرة وبيروت. القراءة كانت حافزي للكتابة ففي السياسة كتبت المسرح الخفيف الساخر من الأوضاع العربية وخاصة القضية الفلسطينية وتطورات الوضع اللبناني وغزو العراق للكويت ومباحثات السلام، جميعها كانت أحداث كبرى وكنت أستمتع بعد منتصف الليل على صوت أم كلثوم وكلماتها الجميلة على أثير إذاعة أبوظبي، بل وكنت أتابع حتى إذاعة صوت إسرائيل من أورشليم القدس لأسمع الوجهة الأخرى، ولا أنكر أنني كتبت قصيدة بسيطة وأنا بعمر ثمانية أعوام.

الحكايات التي سمعتها وشاهدتها بمرحلة الطفولة والصبا، هل كانت حافزًا لأن تسكب ذاتك على الورق؟

ربما حكايات جدتي رحمها عن الجولان كانت حافز كبير لي للكتابة، فضلاً عن مجالسة كبار السن والإصغاء لأحاديثهم عن الجولان وكيف يصيغون حكاياتهم بطريقة مذهلة عن حقائق عاشوها، حيث كنت أجلس لخدمة ضيوف أهلي، وكم أكون مسروراً حين أرافق والدي لسهرات الأقارب وحديثهم الدؤوب عن تحولات سوريا في أيامهم وأحاديث السياسة وحال الناس

أي الأجناس الإبداعية أقرب لك؟

الشعر ففيه أجد الكون الرحيب والرمزية والإقتراب أكثر من ذاتي الحالمة.

عندما تكتب، تكتب لماذا، ولمن تكتب؟

في البداية أكتب لنفسي وبذات الوقت للناس، لأنني أشعر على الدوام بأن لدي بحصة علي أن أبقها بمعنى شهادة على عصري علي أن أدلي بها وكأنني داخل محكمة التاريخ البشري، ربما لا أقصد التأريخ ولا التوثيق بقدر ما أرغب بإعطاء أجواء الزمن الذي أعيشه نوع من الحياة والروح، ربما هناك مقولة لكامو تقول الصحفي مؤرخ اللحظة وكذلك الكاتب مؤرخ الروح، وكتابتي ربما تحمل رسالة ما وربما تشير لعصر ما مثل ألفية بغداد التي تؤرخ لغزو بغداد عام 2003 وألفية الجنون عندما اجتاح ساحات العالم جموع البشر المناهضة لنية بوش غزو العراق أيضاً عام 2003. وعندما كتبت إكليل الغرباء أرخت لحمام الدم السوري وهانامي الياسمين لعلاقتي باليابان بعد كوارثها الثلاث عام 2011 وكيف لسوري أن يشعر بتزامن ثورته مع كوارث اليابان وكانت قناعي للإسقاط على أدب الكوارث خاصتي في بلدي.

ما مدى حلمك الأدبي؟

حلمي الأدبي ربما لا يتوقف عند حد معين فالتجارب الإنسانية وسعة الإطلاع تحفزني على الدوام لأن أكتب وحتى عندما تم اعتقالي مؤخراً في تركيا وتنقلت من كراكون لآخر حتى بقيت 24 يوم تقريباً بسجن أضنة ومهدد بالترحيل كتبت قصائد هايكو ساخرة، اكتشفت أنني أدمن الكتابة بل وحتى كتبت عريضة لمنع ترحيل الشباب السوري الذين كانوا معي وكتبت استبيان ومناشدة. الكتابة في دمي وبشكل يومي، أحياناً أشعر بعدم الرغبة إلا أن جمرها يحرقني فلابد أن أستمر، ربما أخجل من بعض كتاباتي وأجدها ساذجة بعض الشيء وبذات الوقت أفخر ببعضها الآخر وأتساءل بيني وبين نفسي متى كتبت هذا ولماذا، طبعاً أنا متغير على الدوام في تجاربي وما كتبته قبل ربع قرن ليس كما أكتبه اليوم وربما أكتب القصيدة العمودية ذات يوم ولو أنني جربت كتابتها عدة مرات، وكذلك في الرواية لدي تحولات حادة وفي كل مرة أكتب أكثر أصبح أكثر نضجاً ورغبة في الالتزام بقواعد رصينة أشد وهو ما يؤخر إصداراتي على الدوام لتختمر وتنضج أكثر.

مشروع يشغل فكرك وتتمنى أن يظهر لأرض الواقع، بعدها تتنفس الصعداء أنك وصلت لذروة حلمك؟

مشروعي هو صناعة 350 كتاب ربما أحتاج لعشر سنوات على الأقل لإنجازه، وربما يخترعوا لنا ما يسمى الكتابة العصبية بعد أن اعتدنا على الورقة والقلم وبعد ظهور جيل الزيرو اعتدنا على التنضيد واستغنينا عن القلم، وأصبحت الكتابة أكثر دقة والتوثيق أفضل، ربما تلك الكتابة العصبية من الأفكار ستوفر علي الكثير من الزمن في مجالي الترجمة والجمع والتوثيق والمحاكمة العقلية، وهذا أكثر ما أصبو إليه فكما أصبو لنشر الأدب الفرنكفوني في العالم العربي أصبو أيضاً لانتشار الأدب العربي جنوب الصحراء والساحل الإفريقي وما وراء البحار وأعزز الأدب العربي في أوروبا بالدراسات النقدية وللأسف فقدنا آداب عربية انقرضت في الأمريكتين والأندلس وأتمنى مع تطور اللغة العربية عبر وسائل التواصل وانتشارها احياءها في الهند وغيرها كما كانت متطورة من قبل.

 مدى تأثير الغربة على كتاباتك؟

أنا غريب في الأصل في بلادي لأني نازح وبالتالي كان لدي بحث دائم عن هويتي، وبعد الثورة بسنوات لجأت إلى تركيا عام 2017، فكتابتي داخل سوريا كانت عن غربة نازح من الجولان وفي تركيا عن غربة سوري في اسطنبول.

الترجمات من وإلى العربية، هل تؤدي دورها بجدية في عالم الإبداع؟

قبيل حرب أوكرانيا ترجمت قصائد للشعر الأوكراني الحديث عن الفرنسية فشعرت بحجم انقسامات الهوية الأوكرانية فمنهم من كتب بالروسية ومنهم من كتب بالأوكرانية وجميعهم كانوا يشعرون بالتشرذم وهذا ما جعلني أتفهم بالضبط ماهية تلك الحرب، فالترجمة ليست مجرد مساحة لتفريغ المعلومات بل هي روح تنقل المكان، فقراءاتي لروايات إليف شافاق التركية وكذلك أورهان باموك وعزيز نيسن الروائيان التركيان العظيمان جعلاني أرى إسطنبول بطريقة مختلفة جداً عن بقية السوريين والعرب القادمين إليها، ربما لأنني أشعر بأرواح المكان والوصف بشكل آخر وهذا لوحده لغة خاصة أخاطب من خلالها أمكنة إسطنبول، فترجمة الآداب عظيمة تجعل لديك عين ثالثة أكثر تفوق في قراءة المكان، ففضل الترجمة سيشعر به المتنقل بين الأمكنة، عدا أنها تصنع أجنحة للقارئ وتسافر بعيداً به إلى العالم.

بالفعل قراءاتي لترجمات غيري وتجاربي الخاصة جعلتني أعيد النظر في كينونة الترجمة، فالمترجم ليس مبدع فحسب بل هو مرشد نفسي وسياحي ومتعمق بالفكر البشري.

 لو عاد بك الزمن للخلف، هل كنت تختار نفس المسار الإبداعي؟

مساري الإبداعي بالتأكيد سيختلف لو عدت للوراء لأن وعيي وتجربتي اختلفت بكل تأكيد، وكما ذكرت ما أكتبه بالأمس ربما لن أتقبله اليوم، فكل مرحلة فيها رحلة خاصة وعالم مختلف.

ما القضايا الفكرية التي يجب الاهتمام بها أكثر من وجهه نظرك؟

الفكر الإنساني بالعموم، فنحن داخل عالم متغير ويحمل في طياته الكثير من الصراعات، ربما موضوع الهوية هو الأكثر إثارة للفكر ولكني أصبحت أؤمن بالفكر الإنساني بمعنى الإنسانية أكثر.

 الجوائز الأدبية هل لها معايير منطقية؟، وتأخذ طريقها دوما لمن يستحقها، أم أن هناك نوعًا من المحاباة والمجاملات بها؟

في بعض الأحيان أجدها منطقية، وفي أحايين أخرى أجدها قائمة على الحسابات السياسية لتلك الدولة ولأنك في مكان معين تختلف معه تلك الدولة فلن تحصد جائزة، ومن ناحية المحاباة والمجاملات ففيها الكثير من ذلك للأسف، فعندما تبرز قضية ما بزمن ما أو هوية ما تظهر المحاباة على مبدأ "الجمهور عايز كده" وبالتالي نخسر الكثير من الأصوات الإبداعية التي يتم استبعادها أو تشجيعها على المزيد.

الشللية الإبداعية، مدى تأثيرها على الحركة الثقافية؟

أنا أطلق عليهم غلمان الإبداع فهم يحاولون على الدوام عرقلة مسيرة المبدعين وهو أمر طبيعي لدى البشر، ولكن في النهاية لا يمكنك تغطية الشمس بغربال، فالمبدع سيتفوق على نفسه وينهض المرة تلو الأخرى حتى يصل لأهدافه وهي أهداف إنسانية سامية بالضرورة.

السياسة مؤثرة بشكل واضح على الحركة الأدبية، حدثنا عن تجربتك الخاصة وتأثرها سياسيًا؟

السياسة عقوبة بحد ذاتها، خاصة مع أنظمة لازالت تعيش عقلية القرن التاسع عشر، وفي الحقيقة خرجت من سوريا لأفتح فمي ولأقول كلمتي، ومع ذلك ستجد من يعمل على إخفات صوتك وتهديدك أينما كنت، فعندما وقعت كتبي في معرض اسطنبول للكتاب حرص أحد محطات التلفزيون عدم تصويري وتغطية توقيعاتي فقط لخلاف رأي بيني وبين أحد موظفيه وتحويله لموقف شخصي فعرفت معنى الشللية بشكل محسوس، ولأن ذاك الإعلام يتبع لممول معين فقد تم كتم صوتي في كافة تلك المؤسسات التابعة له، إلى أن تم اعتقالي في تركيا بحجة تافهة لأن رأيي لا يعجب البعض فقط.

 ما تحليلك للمشهد الثقافي إقليميًا وعربيًا ودوليًا؟

العرب اليوم أكثر تواصلاً بفضل وسائل التواصل الإجتماعي والثقافات أقرب لبعضها البعض وأنا متفائل بهذا المشهد المهول من كم المعلومات وكم التواصل البشري، وهو ما سيعكس غنى ثقافي عظيم يصب في تطوير الفكر العالمي فنحن نعيش مرحلة ما بعد الدول الوطنية وبالفعل العالم قرية صغيرة وتأثير الفراشة يتحول لتسونامي وزلازل فكرية إيجاباً وسلباً في عالم واحد.

هل وصلت رسائلك التي هدفت إليها من كتاباتك؟

أعتقد أن رسالتي وصلت عندما تم اعتقالي في تركيا وتوقيفي 24 يوماً بحجة ورقة الكملك أي هوية الحماية المؤقتة وقد وجدت بعد خروجي من المعتقل أن ردود الفعل كانت كبيرة في أوساط الإعلام السوري والتركي والدولي وقد عنى لي هذا الكثير بأن صوتي عالي غير خافت وأن لي صدى يتردد في قلوب الكثيرين، وقبل ذلك في سوريا وعندما كنت معلماً واقتادني أزلام النظام للسجن لحوالي الأسبوعين عرفت قيمتي بين طلبتي ومدرستي ومؤسستي التعليمية وأن رسالتي كمعلم ذات قيمة بين أطفالي.

 أخيرا، إذا كان هناك ترهل بالجسد الثقافي، لمن توجه أصابع الاتهام؟

قلة النقاد الحقيقيين ومحسوبيات الصحف والمجلات العربية والشللية القائمة على المنفعية والاصطفافات والانقسامات القائمة داخل الوطن العربي جميعها عوامل ساهمت في إضعاف الأقلام النقدية الرفيعة والحاذقة والمتفرغة بمعنى أننا نعيش في هذا الزمن ما نسميه بعاميتنا الشامية "سلق بيض" للأسف، وحتى بوجود تلك الأقلام الجيدة على قلتها فهي تراعي الممول وتسعى لاسترضائه بغرض الاستمرار بالعمل وعدم قطع "العيش" والرزق والتخوف من إغضاب ذوي السلطة والمال وهو ما سبب بحالة "الأدب المخصي" في عالمنا العربي وقد نشرت ذات مرة مقالة حول الأدب المخصي في سوريا والذي يخرج معقماً خالياً من الشوائب وتابوهات الرقابة وعلى مبدأ "طهور إن شاء الله" بمعنى خالي الدسم خشية تلك المقصات التي لا ترحم.

هل تعرضت لبعض القمع الفكري؟

حالياً أعيش بتركيا تحت ما يمكنني تسميته الإقامة الجبرية فلم يعد بإمكاني التنقل في إسطنبول كما في السابق والتهمة الأولى أنني سوري مع تصاعد حملات الترحيل للسوريين اللاجئين لهذا البلد والثانية والأساسية لانتقاداتي لسياسات الترحيل تلك وفي سوريا منع اتحاد الكتاب العرب بدمشق ثلاث دواوين نثر لي هي ألفية بغداد وألفية الجنون والنبش والهذيان

الرقابة حجر عثرة بطريق الكاتب، هل تعرضت كتاباتك لهذه الرقابة وأسبابها؟

عندما طبعت في تركيا وحصلت على تراخيص الطباعة لوزارة الثقافة التركية لم يتم ممارسة أي رقابة على كتاباتي وشاركت بتلك الكتب بمعرضي اسطنبول للكتاب العربي عام 2021 ومعرض غازي عينتاب للكتاب العربي عام 2022، ولكن شهر العسل هذا لم يدم طويلاً خصوصاً في ديواني النثري أيتام محمد الذي أنتقد فيه كذبة "المهاجرين والأنصار" وإحباطي من بلد اللجوء الذي أعيش فيه في رواية "مشرد البوسفور"

كيف ترى نهاية رحلة الإبداع لدى الكاتب؟

لا أعتقد أن رحلة الإبداع لدى الكاتب يمكنها أن تتوقف حتى آخر أنفاسه لكن الصدمات يمكنها أن توقفه مثل الروائي البلجيكي العظيم جورج سيمنون الذي نشر حوالي 600 رواية باسمه الأصلي وبعدة أسماء مستعارة بسبب انتحار ابنته وتوقف عن الكتابة عام 1976 واعتزل الكتابة حتى وفاته بعدها بسنوات طويلة، وبذلك خسرت البشرية قلم رفيع لايجب أن يتوقف حتى آخر لحظات حياته. ربما بالنسبة لي سأتوقف إذا حققت خطتي وهي 350 كتاب تشمل كافة مشاريعي في التأليف من كتابة إبداعية وترجمة وجمع وتوثيق وكتابات سياسية وتغطية مشروعي حول الأدب العربي خارج حدود الوطن العربي والدراسات النقدية والمسرحية والسينمائية والدراما.

هل الكاتب يحتاج أحيانا لاستراحة محارب؟

بكل تأكيد هناك لحظات يتوقف فيها الكاتب عن الكتابة ربما تمتد لأشهر وربما لسنوات فالحالة الإبداعية تحتاج للاسترخاء أحياناً وللمزيد من المخزون الفكري والثقافي والبصري والتجربة الحية التي يمكن للكاتب أن يعيشها ويجربها، هذه اللحظات لابد منها والكاتب بطبيعته حالة مزاجية تتطلب الكثير من الرغبة للكتابة وأحياناً الصدمات وربما حتى مستوى عالي من الراحة والشروط والطقوس التي ربما تتوفر في لحظة ما لكنها تتسرب من بين أيدينا بلحظات أخرى.

هل للغربة تأثيرات على كتاباتك؟ وهل من الضروري أن يخوض الكاتب تجربة الغربة؟

الغربة صنعت لدي رواية "مشرد البوسفور" وهي اللحظة الفارقة لما بعد الصدمة لدينا خاصة نحن اللاجئين السوريين، ربما كتبت بحث كامل في أدب اللجوء وهو أدب الاغتراب بامتياز، فخروجنا من القن السوري وانفتاحنا على الثقافات الأخرى ولو مجبرين، أغنى تجربتنا وغير نظرتنا للحياة ولذواتنا ولأحلامنا وطموحاتنا بل وحتى غير عاداتنا، ففي بلادك تتكيء على أخيك وعائلتك وجيرانك الذين عشت معهم لعقود، ثم لتجد نفسك عارياً تماماً ولتبدأ من النقطة صفر فتبني علاقات جديدة وتتعرف على بشر جدد بل وتتغير قناعاتك ومجالك البصري وذاكرتك وطبيعتك إما لتتعايش أو لتتقبل وتندمج مع محيطك الغريب عليك بل وحتى تتعلم لغة جديدة ليصبح لديك لسان جديد ونوافذ جديدة ترى منها العالم بشكل مختلف.

بالنسبة للقسم الثاني من السؤال أعتقد أن الغربة ضرورة حقيقية للكاتب، ربما بالنسبة لي عشت نوع من الغرب داخل وطني سوريا لأني نازح من الجولان بالطبع لست أنا من نزح من الجولان فقد ولدت وعشت بدمشق ولكن أهلي وعائلتي نزحوا من أرضهم وبالتالي فولدت وأنا علي دمغة نازح بمعنى مقتلع من أرضه وكذلك عندما لجأت لخارج وطني وأنا المعتاد الغربة أصلاً ولا ننسى أنه بالأنظمة الشمولية ستعيش الشعوب غربة جبرية في أوطانها ولأتذوق المزيد من جرعات الغربة بعدها، الغربة إثراء هائل للكاتب وبلا منازع وتعميق للتجربة الإنسانية فأنت تتحول من وطنيتك الضيقة لتصل للشخصية الكوزموبوليتانية أي الكونية ولا ننسى أن المجتمع السوري بالأصل متنوع ومختلف وفيه نزاعات في الهويات والانتماءات والطوائف والإثنيات والمناطقية بين ريف ومدينة وشمال وجنوب ونازح لا منتمي لا لهؤلاء ولا لهؤلاء وهجرة ريف لمدينة وكل التغيرات التي يمكنك معايشتها والتفاعل معها فكيف لو غيرت وطنك بأكمله واستبدلته بوطن جديد مختلف عنك، كل ذلك ثراء فاحش في التجربة الإبداعية وأعتقد أنها نقطة إيجابية في نفق الحياة العربية البائسة.