"فورين بوليسي": هل أصبح إنهاء عزلة كوريا الشمالية والعداء مع واشنطن الحل الوحيد في شبه الجزيرة الكورية؟!
بعد عقود من التوترات والعداء مع الغرب وجارتها الجنوبية، وعقب تجربة العديد من السيناريوهات والسياسات بلا أي جدوى، تساءلت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية قائلة: هل أصبح إنهاء عزلة كوريا الشمالية هو الحل الوحيد المتبقي لإعادة الأمن والاستقرار والازدهار في منطقة شبه الجزيرة الكورية؟!
تاريخيا، تصاعدت حدة التوترات في شبه الجزيرة الكورية، ووصلت إلى مراحل غير مسبوقة منذ توقف الحرب الكورية عام 1953 وتقسيم كوريا إلى دولتين (شمالية وجنوبية). ووصلت حدة التوتر إلى قيام بيونج يانج بسلسلة من تجارب الأسلحة تضمنت إطلاق عدة صواريخ فوق اليابان، وإجراء تجارب نووية وتفجير قنابل هيدروجينية، وهو ما ساهم فى تأجيج حرب كلامية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.
ومنذ عملية التقسيم، هناك محاولات مستمرة لمعالجة الأزمة في شبه الجزيرة الكورية، تركز بعضها على التلويح في بعض الأحيان بـ (العصا) عبر فرض عقوبات على كوريا الشمالية أو العزل أو الإدراج ضمن ما يسمى بـ "محور الشر" عقب هجمات الـ 11 من سبتمبر، وفي أحيان أخرى، استخدام "الدبلوماسية الهادئة" وتقديم "الجزرة" لبيونج يانج؛ لتشجيعها على الانفتاح التدريجي على العالم الخارجي وتحسين وضعها، شريطة التخلي عن برنامج الأسلحة النووية.
لكن هذه المحاولات - وفقا لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية - باءت بالفشل، حيث واصلت كوريا الشمالية إطلاق صواريخ ذات قدرات متزايدة، بما في ذلك بعض الصواريخ التي تحلق فوق الأراضي اليابانية، وإجراء تجارب أسلحة باليستية يقال إنها قادرة على ضرب أي جزء من الولايات المتحدة.
فبعد أن كانت بيونج يانج تمتلك - وفقا لمراقبين - سلاحين نوويين اثنين فقط في نهاية التسعينيات لم يتم اختبارهما، وكانت تطلق صواريخ قصيرة المدى بناء على تصميمات قديمة وسهلة التعامل معها مثل صاروخ سكود السوفييتي القديم، أصبحت تمتلك حاليا –وفقا لمسؤول متقاعد في الاستخبارات الأمريكية- من 50 إلى 60 سلاحا نوويا، وباتت أكثر مهارة في تصغير تصميمها، وتمكنت من اختبارها أيضا.
ويؤكد "روبرت كارلين" المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية الأمريكية، أن كوريا الشمالية لا تمتلك، اليوم، صواريخ عابرة للقارات فحسب، بل أصبحت تركز أيضا على اكتساب قدرات إطلاق الصواريخ من الغواصات، مع حيازة أسلحة نووية تكتيكية مثيرة للقلق، وهو ما يشكل مخاطر غير عادية لأنها تنقل مسؤولية صنع القرار من أيدي سلطة مركزية إلى أيدي قادة ساحة المعركة.
وترى "فورين بوليسي" أنه حان الوقت للاعتراف بأنه لا أحد، على الأقل من واشنطن، لديه القدرة على حمل كوريا الشمالية على التخلي عن برنامج أسلحتها النووية. كما أن التهديدات باستخدام القوة لن تحملها على ذلك، ولن تدفعها نحو التصالح مع الجيران. لذا، ربما حان الوقت للنظر فيما لم يتم تجربته من قبل وهو: إنهاء حالة العداء بين واشنطن وبيونج يانج والتي دفعت كوريا الشمالية نحو التسلح النووي؟!.
وتشير المجلة الأمريكية إلى أنه يجب التنبه إلى حقيقة أن الكوريتين لم توقعا حتى الآن على اتفاق سلام يتم بموجبه إعلان انتهاء الحرب بينهما رسميا، وهو ما يستدعي من الدبلوماسية الأمريكية أن تطرح في المرحلة الراهنة هدفا قابلا للتحقيق يتمثل في محاولة الحد من العداء والتوتر، وإعادة الارتباط خطوة بخطوة مع بيونج يانج وإنهاء عزلتها الاقتصادية وتمكينها تدريجيا من إنشاء مجتمع كوري شمالي أكثر ازدهارا من خلال التجارة وتعزيز الاتصال البشري مع العالم الخارجي، الأمر الذي من شأنه الدفع في نهاية المطاف للوصول إلى هدف نزع السلاح النووي.
وترى "فورين بوليسي" أن الرافضين لهذا النهج، سيروجون لفكرة أن هذا الطرح من شأنه منح كوريا الشمالية الوسائل لتعزيز قدرتها العسكرية بشكل أكبر. ولكن الواقع يشير بوضوح إلى أن الجهود القائمة على العقوبات والعزلة لم تفعل شيئا لمنع بيونج يانج من تطوير قدرات قتالية نووية مدمرة، وأنه قد يكمن أفضل أمل في السلام بدلا من ذلك في إقناع الشمال بأنه ليس لديه الكثير ليخافه من العالم الخارجي، وبالتالي يمكنه الاسترخاء وتطبيع علاقاته مع الدول الأجنبية.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن بيونج يانج تراهن على أن عصر النفوذ الأمريكي في شرق آسيا آخذ في التلاشي وأن الصين ستستمر في النمو بقوة نسبية، ولكن حتى هذا الأمر يمكن أن يعزز المنطق وراء التغيير التاريخي لمسار الدبلوماسية الغربية سيما وأن بيونج يانج لم تعتمد بشكل كامل على جارتها (الصين) حتى في أصعب الفترات التي مرت بها. كما أن الفكرة نفسها تستحق المحاولة، وإذا تم اكتشاف أن بيونج يانج تستغل الوضع لتعزيز وضعها العسكري، سيكون من المناسب بلا أدنى شك تعليق التجربة.
وتشير المجلة الأمريكية إلى أن بيونج يانج تستغل العقوبات الغربية في حشد الدعم الشعبي والشرعية مع تبرير أي إخفاقات اقتصادية لها، ولكن تخفيف القيود وإشراك كوريا الشمالية اقتصاديا من شأنه أن يحرم الدولة تدريجيا من أيديولوجيتها ضد العالم. ومع الازدهار المتزايد، ستتعاظم الطبقة الوسطى في كوريا الشمالية، ما يعني وجود عدد سكان أكثر انفتاحا على الأفكار الجديدة وأقل عرضة لوسائل السيطرة الشمولية.