رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


كريم كراميل أوروبا أم فاكهة مصر

18-6-2022 | 02:34


مها محسن,

أعتبر نفسي وأسرتي من محبي كل منتجات الألبان بشكل كبير، حتى أنه لا يمكن أن يخوى بيتنا من اللبن أو الجبن، وهو اهتمام يأتي على حساب اهتمامنا باللحوم بشكل عام، وفي نفس الوقت الذي كان باقي سكان العمارة التي كنا نسكن بها يحرصون على ابتياع اللبن من عم عادل الذي كان يمر علينا بقسط اللبن الشهير خاصته، كانت كل أسرة من السكان تبتاع كيلو أو اثنين من اللبن على أقصى تقدير، في حين تشتري أمي ما يزيد على الثمانية كيلو، هذا لأننا كنا أسرة تميل إلى كل استخدامات اللبن في المشروبات والأكل، بالإضافة إلى الحصول على القشطة البلدي اللذيذة منه.

لذا، كان من دواعي استيائي في أي من المرات التي كانت تستدعي وجودنا بأي دولة أوروبية (باستثناء فترة وجودنا في الاتحاد السوفييتي السابق الذي كانوا يتركون لنا فيه زجاجة اللبن اللذيذ كامل الدسم على باب المنزل)، أما باقي المرات كان استيئائي بسبب عدم وجود نفس جودة الألبان، الذي قد تجد منه لبن الماعز متوفراً في أسواقهم بشكل عادي جنباً إلى جانب ألبان الأبقار، مكتوباً عليها نسبة الدسم فيها بحد أقصى 3.8% وبحد أدنى 0.6%، ليس كحالنا كامل ونصف وخالي، في حين تجد كل أنواع الأجبان الصفراء بجميع أصنافها وأشكالها وأنواعها، ولا تجد نوعاً واحداً من الأجبان البيضاء إلا عند أسواق العرب أو الأتراك.

المرات القليلة الوحيدة التي كنت أستشعر فيها بعضاً من الطعم المعتاد هو أثناء سفري لأي من الريف الأوروبي، سواء في حالة اللبن أو البيض تحديداً، وأنا المعروفة بعشقي للاثنين، كانت تلك السفرات قليلة الزمن بمثابة المكافأة التي أحصل عليها في مقابل وحشة الغربة، واختلاف تفاصيل المعيشة المعتادة لي، والتي قد يراها البعض بمثابة حياة الجِنان.

أزيد على هذا، جميع أصناف الفاكهة والخضار التي اعتدنا شراؤها بشكل يومي في مصر لصنع السلطة مثلاً، كالخيار والفلفل والخس والجزر، والنعنع للشاي، وهي في أنظارنا كمصريين من الثوابت في أي من البيوت المصرية ووجودها حتمي كالمياه والخبز، ولا حتى في حالة الفاكهة التي مع كل أسف لست من محبيها باستثناء أصنافاً قليلة كالمانجو والموز والبرتقال.

وهي أصناف لن تجد منها في أوروبا إلا الشكل والحجم فقط، لكن لا طعم لها ولا لون ولا رائحة كتلك التي تشتم ريحها في مصر بمجرد دخولك لأي مكان هي موجودة فيه، فمثيلاتها في أوروبا في الدول التي زرتها عملاً أو سياحة أو دراسة ومنهم (ألمانيا، انجلترا، فرنسا، بلجيكا، إسبانيا)، كانت كما طعم النشا أو الكاوتشوك، ومنها مَن به درجة عالية من الحمضية على حساب درجة الحلاوة، فأنا التي تعشق المانجو والبرتقال، لم أتجرأ على الاقتراب منهما إلا للتجربة في كل مرة ثم الانسحاب الكامل بعد تمام الندم.

هذا الهجين الذي صنعته أوروبا بمنتجاتها الزراعية، هو تماماً كما فعلت في جينات أجيالها منذ الحرب العالمية، فهي قد تكون عملت على تحسين السلالات الجينية للمنتجات القادمة من الأراضي الدافئة، والنتيجة كانت مبهرة في الواقع على مستوى الشكل العام، وقد يكون أيضاً على مستوى العائد من الفيتامينات المحقونة في جيناتها لا أعلم بدقة، لكني أعلم أن الأمر ذاته تحقق على مستوى كل الأجيال الحالية في أوروبا، التي كانت تحرص على التزاوج من نفس العرق الأوروبي الأشقر، ها هي الآن خليط من كل شيء شرقي وغربي مُخَلّق ومُصنّع، والنتيجة لا طعم ولا أصل ولا شكل، تماماً كما كل أصنافهم الزراعية.

ومن ناحية أخرى، أرى والله أعلم أننا أيضاً نشبه أصنافنا الزراعية إلى حد كبير، لما لا ولها نفس قدر التأثر بشمس مصر، وُسقيا مياه النيل، والخروج والنماء من طين ضفتيه، نحن الأمة الزراعية المنشأ، دافئة القلب، سريعة النمو، حلوة المعشر، عظيمة التأثير، عسيرة التأثر.

نحن أمة مصر الزراعية طينها ذهب، وشمسها لهب، وماؤها عجب..