أسبوع العندليب.. آخر حوار صحفي لـ عبدالحليم حافظ
يحتفل عشاق العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، هذا الأسبوع، بالذكرى الثالثة والتسعين لميلاده، والتي توافق 21 يونيو، ورغم مرور 45 عامًا على وفاته إلا أنه لا يزال محافظًا على مكانته الكبيرة في قلوب محبيه كواحد من أهم المطربين في تاريخ مصر.
وننشر لكم من أرشيف «دار الهلال»، آخر حوار صحفي أجراه العندليب الأسمر مع إصدارات مؤسستنا الصحفية العريقة، ونُشِر في 28 ديسمبر عام 1976.
عبدالحليم حافظ يجيب على أكثر من اتهام
بماذا تفسّر قلة إنتاجك الغنائي في السنتين الأخيرتين، بعد أن كنت تقدّم في الموسم الواحد أغنيتين وثلاث أغنيات، أصبحت تُقدّم أغنية واحدة؟
المسؤولية الفنية التي يتحمّلها الفنان المسؤول.. فالذي يقدّم عملًا كبيرًا يجب عليه أن يحافظ على هذا المستوى، فيحاول دائمًا أن يُقدّم عمله القادم أكبر منه، والأغنية الكبيرة الجيدة تحتاج إلى وقت أكبر، العملية مش سلق بيض، والدليل على ذلك أنّ الأغنية الجديدة التي يلحنها لي الموسيقار الكبير الأستاذ محمد عبدالوهاب يجري إعدادها منذ أكثر من عام.
الملاحظ أنه لم يعد هناك تنافس بين المغنين والملحنين والمؤلفين كما كان من قبل، ما أسباب ذلك؟
التنافس كبير بين المطربات، كل واحدة يهمها إظهار نشاطها ومين غنّت أحسن!.. ومين حفلتها نجحت أكتر!.. ومين عملت أغاني أكتر!.. ومين تخلف أم كلثوم!.. كل ده مش تنافس؟!.. الإنتاج وفير، وكل واحدة بتغنّي أغنيتين وثلاثًا في السنة، حاجة عظيمة جدًا.
يتهمك البعض بأن موت أم كلثوم وفريد الأطرش واعتزال عبدالوهاب الغناء هو سبب قلة إنتاجك، لأنه لم تعد هناك منافسة على القمة التي تنفرد بها؟
هو قلة الإنتاج أصبح عيبًا وكترته عيب ومتوسطه عيب واتهام.. هو الفنان المسؤول لما يكون عايز يقدّم حاجة كويسة مش عايز يخدع الناس ويخدع نفسه، ويعمل عملًا له قيمة بكل ضمير الفنان، أصبح عيبًا؟!.. زي ما بقول الفنان المسؤول يخاف الإقدام على عمل فارغ فاض يخدع به جمهوره.
لا تنس أنني واقف بحارب لوحدي في جو مليء بتفاهات الأغاني، كل ذلك علشان أثبت أنه لا تزال مصر هي اللي بتقدّم الفن الجيد لكل العالم العربي، أتحمل هذه المسؤولية وحدي، فما هي التهمة هنا!.
طوال حياتنا الغنائية كان الموسم الغنائي يبدأ في الشتاء وينتهي قبل الربيع، والآن أصبح الموسم الغنائي يبدأ مع بداية الربيع وينتهي بانتهاء الصيف، ما رأيك في هذه الظاهرة؟
منذ سنوات تعوّدت أن أقدّم أي عمل في الربيع، ولكن منذ سنتين فقط بدأت أقدّم أعمالًا جديدة في الصيف، وقبل كده لم أشارك في حفلات الصيف في مصر، لأنني كنت أقيم حفلات الصيف خارج مصر، وكل حفلاتي كانت فعلًا في الشتاء، وفي هذا العام أقمت حفلة في أوائل ديسمبر الحالي، وكذلك أقمت حفلة في الشيراتون بمناسبة الكريسماس.
ما رأيك في ارتفاع أثمان تذاكر الحفلات الغنائية لدرجة أن المواطن المصري العادي وهو الجمهور الحقيقي والترمومتر لنجاح الأغنية لم يعد قادرًا على ارتياد الحفلات؟
ليست كل التذاكر ذات قيمة مرتفعة، حتى الآن في تذاكر ذات جنيهين، طبعًا أنت هتقول لي إن أغلى تذكرة زمان كانت بعشرة جنيهات، ودالوقت وصلت 30 و40 و50 جنيهًا وفي الشيراتون بـ75 جنيهًا.. سيبك من الشيراتون لأن له جمهورًا خاصًا وبيقدّم عشاءً كاملًا، وجمهور الشيراتون هو الجمهور اللي مبيقدرش ييجي الحفلات في دور العرض أو الأندية، لأن معندناش مسرح كبير ومحترم يستوعب كل الناس بمختلف قدراتهم.
ارتفاع أثمان التذاكر ليس ظاهرة موجودة في مصر فقط، إنما ظاهرة في العالم كله نظرًا للظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم ومن بينها بلدنا، وبعدين مين بيشتري التذاكر الغالية، القادرون فقط، ومحدش بيضرب حد على ايده علشان يشتري، ولكن لو عندنا مكان محترم يستوعب أربعة أو خمسة آلاف متفرج، لأمكن تخفيض أثمان التذاكر وتزداد الحفلات وتصبح أحسن، ياريت الدولة تفكر جديًّا في عمل مسرح لحفلات المنوعات في كل من القاهرة والإسكندرية.
مَن المسؤول عن إظهار مواهب غنائية جديدة من هذه القطاعات، الإذاعة، التلفزيون، المعاهد الموسيقية، الملحنون، متعهدو الحفلات، وشركات الأسطوانات؟
الإذاعة والتلفزيون والمعاهد الموسيقية، لأن المتعهدين لا يتعاملون إلا مع الأسماء الناجحة وكذلك شركات الأسطوانات، وأحيانًا تقدّم شركات الأسطوانات أسماءً جديدة، زي ما قدمت صوت الفن عفاف راضي بعد أن اكتشفتها مجلة "الكواكب"، هو مش بليغ حمدي اللي وقف معاها وأسهم في نجاحها، وصوت الفن تحملت مسؤولية إنتاج فيلم لها بلغت تكاليفه 90 ألف جنيه، وكانت ماوقفتش قبل كده أمام الكاميرا.
وأنت مَن أسهم في إظهارك؟
الإذاعة طبعًا.
أعتقد أنك كنت تنوي شراء سيارة للإنتاج التلفزيوني، فما رأيك في القرار الذي أصدره المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون بمنع القطاع الخاص من منافسة التلفزيون في إنتاج أعمال تلفزيونية إلا إذا كان شريكًا له؟
قرار خاطئ.. ثم ان القانون ولا الدستور يمنعانني من عمل أعمال تلفزيونية.. أين إذا الانفتاح؟.. إذا كان التلفزيون خائفًا على نفسه، يبدأ يعمل حاجات أحسن من القطاع الخاص.. طيب ما هي الدولة عندها مؤسسة سينما، ما كانوا بالمرة يمنعوا الناس تعمل سينما ما دام عندهم قطاع سينما.. ثم أنني أتساءل المبالغ الكبيرة التي خسرتها مؤسسة السينما وتبلغ حوالي ثمانية ملايين جنيه، مَن المسؤول عنها، القطاع الخاص؟.. هذا قرار يجب إعادة النظر فيه؛ لأنه ضد الحريات والقانون والدستور والانفتاح الاقتصادي.
نُشِر أخيرًا أنك تنوي العمل على المسرح في عمل مسرحي غنائي، فمتى يرى هذا العمل النور؟
سمير خفاجي كلمني ووافقت على الفكرة، على أساس أن العمل يكون غنائيًا نشوفه وندرسه ونقدمه على مسرح جديد، فوافق سمير على رأيي، وعندما تتم الخطوات التي طلبتها سيرى العمل النور.
هل تابعت الأعمال المسرحية الغنائية التي قُدّمت على مسارحنا وما رأيك فيها؟
تابعتها.. ولكنها مش حلوة.
أقيمت عندنا مهرجانات مسرحية، وأقيم أخيرًا مهرجان سينمائي عالمي، فلماذا لا يحاول أهل الغناء والموسيقى إقامة مهرجان غنائي للموسيقى والأغنية العربية والعالمية؟
المهرجانات مسؤولية الهيئات الفنية الكبيرة أو النقابات الفنية أو الدولة، ولكن للأسف مفيش عندنا هيئة مهتمة بفن الموسيقى والغناء، وأنا أطلب من الدولة أن تفكّر في هذا جديًّا، وتعطي المسؤولية لأكاديمية الفنون لتنفيذها.. واحنا موجودين.
عبدالحليم حافظ صاحب أكبر اسم وشهرة بين المطربين العرب، لماذا لا يشترك في مهرجان من المهرجانات الغنائية العالمية باسم مصر ليسهم في انتشار الأغنية العربية عالميًا؟
هذه المهرجانات تُقام لنوع معين من الأغاني، والأغنية العربية ليس لها نصيب من النجاح وسط هذه الألوان من الغناء الأجنبي، يعني أروح أشترك في مهرجان وأنا حاكم على نفسي بالفشل فيه مقدمًا.. وأي مطرب بيشترك في هذه المهرجانات بياخد شهادة تقدير، يعني أروح أجيب شهادة تقدير وأجي أقول إن أغنيتي طلعت الأولى!.
كثرت أخيرًا محاولات تقديم أغنيات سيد درويش وبعض أغنيات من التراث القديم، ألم تحاول تقديم هذه الأعمال بعد تطويرها؟
لأ.. لم أحاول.
ما رأيك فيما يقدّمه نوح والإسكندراني من أعمال سيد درويش؟
هذه الأعمال أساسًا ناجحة، ومَن يقدم على غنائها ميفتكرش أنه عمل معجزة من المعجزات.. ربنا يكفيهم ويكفينا شر الغرور.
وما هو رأيك في مَن يقيّمون كبار الفنانين؟
بعض هؤلاء الناس عاملين دارسين موسيقى، وهم معندهمش فكرة عن الموسيقى، وما يقولونه عبارة عن كلمات هابطة، زيّ.. أصل فلان ده مش بطال.. وعبدالوهاب في الحقيقة.. يعني.. إلى حد ما.. إنما في الواقع.. لو كان.. هو عمل تطوير.. لكن المسألة.. في أبعاد ومسافات.. ثم ان الموازير الموسيقية.. وهكذا من الكلمات التي لا معنى ولا طعم ولا فهم لها.. بقى ده كلام! مين هم علشان يقيّموا عمالقة الموسيقى زي عبدالوهاب والسنباطي والطويل وغيرهم، عايز أسألهم.. أنتم مين أولًا.
ما هو في رأيك أهم حدث فني تم في عام 1976؟
في الأغاني "قارئة الفنجان"، ولا أقول هذا لأنها غنوتي.. وفي المسرح "شاهد ماشفش حاجة" و"فيدرا".. وأخيرًا الاحتفال بعيد الفن، وإن كان بعض ما حدث فيه صح وأغلبه خطأ، ومن أهم الأحداث الفنية أيضًا، قيام مهرجان سينمائي مصري عالمي في القاهرة.
وما هو العمل الفني الذي تستعد لتقديمه في العام الجديد؟
فيلم "رصاصة في القلب" عن مسرحية توفيق الحكيم بمعالجة سينمائية جديدة واستعراضات جديدة يخرجه حسين كمال، وفيلم "لا" قصة مصطفى أمين وإخراج المخرج الجزائري أحمد الراشدي، وأغنية "من غير ليه"، كلمات مرسي جميل عزيز، وتلحين محمد عبدالوهاب، وأغنية أخرى من تلحين عبدالوهاب أيضًا، من كلمات حسين السيد، اسمها "لو جابولي الشمس"، أغنية ستغنّى في كل مكان في العالم، لأن أهم ما فيها اللحن الجديد.