إذا كانت الدولة تسابق الزمن، لتوفير احتياجات المواطن من السلع الأساسية والمواد الغذائية فى ظل أوضاع دولية معقدة.. فماذا عن دور المواطن، أليس فى حاجة إلى الانتباه، ألا تستوجب الأزمة العالمية أن يغير من سلوكياته وأنماطه الاستهلاكية.
العالم يتسابق لاتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة التى من شأنها تأمين احتياجاته من السلع الأساسية والحفاظ على الأمن الغذائى للدول والشعوب فى ظل تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التى خلفتها الحرب الروسية ــ الأوكرانية.. بل إن هناك حالة من القلق والتوتر تنتاب دول العالم خشية النقص أو العجز فى السلع الأساسية.
تعامل مصر مع تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية يستحق التحية خاصة فى مجال الأمن الغذائي، فى ظل المشروعات القومية العملاقة فى مجال التوسع الزراعى الرأسى والأفقى.. وهو ما حقق حالة من الاستقرار والاكتفاء فى بعض المحاصيل وزيادة الرقعة الزراعية فى محاصيل أخرى مثل القمح، وهو ما أتاح للمصريين توافر المعروض من المحاصيل والخضروات والفواكه بالاضافة إلى التصدير للخارج والذى حقق طفرات غير مسبوقة حتى وصل التصدير إلى 5.6 مليون طن بما يعادل 3 مليارات دولار.. وسوف يرتفع معدل التصدير خلال الفترة القادمة.
على صعيد الثروة الحيوانية.. هناك رؤية تستهدف زيادة الإنتاج من اللحوم والألبان من خلال التوسع فى إنشاء المزارع فى مجال الثروة الحيوانية وتشجيع المشروعات الصغيرة فى مجال الثروة الحيوانية واستيراد الماشية من السلالات عالية الإنتاج فى مجال اللحوم والألبان، أو تطبيق أحدث ما وصل إليه العلم فى تحويل الثروة الحيوانية المحلية إلى سلالات عالية الإنتاج والألبان، والاهتمام باستيراد مليون رأس ماشية من السلالات عالية الإنتاج، بالاضافة إلى المشروع القومى للبتلو الذى يحظى باستثمارات كبيرة، ناهيك عن الاكتفاء من الدواجن والبيض والسكر وغيرها من السلع الأساسية.
الدولة المصرية أيضا تعمل على تأمين الأمن الغذائى وتوفير احتياجات شعبها.. من خلال مشروعات مرتبطة بالزراعة وهى المشروع القومى لصوامع الغلال والحبوب وكذلك المستودعات والمخازن الاستراتيجية للمواد البترولية وزيوت الطعام والبوتاجاز والحقيقة ان هذه المشروعات العملاقة والرؤية الاستباقية خلال الـ 7 سنوات الماضية هى التى جعلت الدولة المصرية تقف على أرض صلبة فى مقاومة وطأة الأزمة الاقتصادية العالمية، ولا تدخر مصر جهداً فى التوسع الزراعى لكن الموارد المائية المحدودة تشكل تحدياً كبيراً فى هذا الإطار.
هذه المقدمة باختصار تشير إلى جهود الدولة المصرية وسباقها مع الزمن حتى تؤمن احتياجات المواطن فى توقيت بالغ الدقة والحساسية سواء فى صعوبة الحصول على السلع الأساسية، وارتفاع نسبة التضخم والأسعار وتكاليف الشحن، وارتفاع فاتورة المخاطر لأن سلاسل الإمداد الرئيسية فى العالم شكلت عبئاً كبيراً على مسارات التجارة والنقل، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار البترول والطاقة عموماً حتى وصل سعر برميل البترول إلى 120 دولاراً وهو قابل للزيادة فى حالة استمرار الأزمة وارتفاع الغاز من أربعة إلى خمسة أضعاف، لكن السؤال الكبير هل يدرك المواطن العادى هذه التحديات.. هل يعى أن مبدأ الاتاحة والعرض وتواجد السلع أهم بكثير من تحرك أسعارها وارتفاعها، وهو أمر خارج عن إرادة أى حكومات فى العالم، لكن الدولة المصرية تتحمل الجانب الأكبر من زيادة التكلفة والأسعار للسلع والخدمات.
هل يدرك المواطن المصرى صعوبة هذه التحديات فى أى دولة تعدادها السكانى وصل إلى 104 ملايين نسمة.. وفى ظل أوضاع وأزمات عالمية وتحديات داخلية.. لذلك من المهم أن يدرك المواطن المصرى خطورة النمو السكانى المنفلت، وهل توصل إلى حقيقة ثابتة وقناعة كاملة أنه من المفروض أن يعادل النمو الاقتصادى ثلاثة أضعاف النمو السكانى حتى يشعر المواطن بالتحسن وعوائد التنمية والبناء والتقدم، هل يدرك المواطن ان مصر لديها زيادة سكانية سنوياً 2.5 مليون مواطن جديد، وبحسبة المواليد والوفيات يصبح لديها مليونا طفل سنوياً.. فى حاجة إلى خدمات ومرافق وتعليم وصحة وفرص عمل.. فكم يتكلف توفير الحياة الكريمة لمليونى مواطن سنوياً وهل هناك تكافؤ بين النمو الاقتصادي، والنمو السكانى فى مصر.. وهل هذا الملف لا يخص المواطن أو يتحمل مسئوليته، وأنه رهن إرادته، ووعيه بخطورة الزيادة السكانية، وأنه حتى يشعر بالتحسن والمردود الاقتصادى للتنمية لابد أن يكون النمو الاقتصادى 3 أضعاف النمو السكانى وماذا عن موارد الدولة وأزماتها على مدار العقود الماضية، وماذا كانت تفعل خلال الـ 50 عاماً الماضية، أين كانت الرؤية والإرادة فى كل المجالات والقطاعات ماذا عن خطط الدولة طيلة خمسة عقود ماضية، لماذا لم تتصد للمشاكل والظواهر السلبية من تعديات وعشوائيات وضرورة توفير البدائل أمام المواطن، وماذا عن تنمية وزيادة الموارد خلال 50 عاماً وماذا عن بناء الإنسان، أحد الزملاء قال لى ..لو أن الدولة فعلت أو أنجزت على مدار الـ 50 عاماً الماضية 20٪ من إنجازات ما يتم وينفذ على مدار 7 سنوات.. كانت مصر فى وضع ومكانة أخرى.
نعود إلى موضوعنا الرئيسى والأساسى.. الدول تسابق الزمن، ومصر تبذل جهوداً استثنائية من أجل توفير احتياجات المواطن، لكن السؤال المهم ماذا عن دور المواطن أو المستهلك نفسه.. هل يتصرف بنفس سلوكيات وأنماط الاستهلاك فى الأوقات الطبيعية رغم أن بها أخطاء وكوارث أم يدرك أن التعامل مع تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية يستوجب سلوكيات وأنماط استهلاك مختلفة؟ أعتقد أننا لم نغير نفس الأنماط الاستهلاكية وحالات البذخ والإهدار.. هل تعرفون لماذا، لأن المواطن لم يشعر بوجود أزمة أو نقص فى احتياجاته لذلك لم يصل سلوكه ونمطه الاستهلاكى إلى متطلبات الأزمة، هو يذهب ليجد كل شىء دون نقص أو عجز، هل نحن فى حاجة إلى جرس إنذار، أو إيقاظ مخاوف المواطن، ليشارك فى المسئولية لماذا لم تصل له رسالة الأزمة.
على سبيل المثال ..مازلنا نتمسك بعاداتنا الغذائية وأنماط سلوكياتنا ..السفرة عامرة بأنواع المأكولات وعلى سبيل المثال فى بند النشويات تجد فى بعض البيوت، الأرز والمكرونة الباشميل، والبطاطس أو «الشيبسي» والخبز، على مائدة واحدة وفى وجبة واحدة ..وفيما يخص رغيف الخبز، لا يتم تقسيم الرغيف إلى أرباع بحيث لا يهدر باقى الرغيف الكامل أو يأخذ منه الابن وجه الرغيف ويلقى بظهره، أيضا أحياناً تجد الإسراف فى تناول اللحوم.. ونحن أكثر بلدان العالم استهلاكاً للخبز، فالمواطن فى العالم يستهلك 70 كيلو سنوياً وفى مصر 200 كيلو سنوياً أو ربما أكثر، ونشترى كيلو اللحم، ونلقى (بنصفه) ..وهذه سلوكيات وأنماط استهلاك لا تتسق تماماً مع الوضع العالمى المأزوم والحاجة إلى الترشيد وتغيير أنماط السلوك الاستهلاكى، والاقتصاد فى كل أمور حياتنا، فعلى سبيل المثال (المترو إلى جوارنا) ونصر على استخدام السيارة.. وفى دول العالم يستخدمون (الدراجة، وهذا ليس فيه مبالغة فوزير الاقتصاد الألمانى ينصح شعبه باستخدام الدراجات لوجود أزمة فى المواد البترولية والطاقة، وألمانيا أهم اقتصادات العالم لا يستطيع المواطن الحصول على السلع كيفما شاء.. ولكن فقط على سبيل المثال كيس دقيق وزجاجة زيت، ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون يخبر شعبه بأن الحكومة لن تستطيع مساعدة أو دعم المواطنين، الأزمات تجتاح العالم فى الأمن الغذائى والطاقة وارتفاع الأسعار ورغم ارتفاع الدخول.. إلا أن المواطن يشكو من زيادة الأسعار.. وأن دخله أو راتبه يضيع على استهلاك الطاقة وهذا جوهر حديث مواطن فرنسى مع الرئيس إيمانويل ماكرون.
ما أريد أن أقوله إنه آن الأوان لتغيير الثقافات والأنماط الاستهلاكية فى مجتمعنا، نشترى كميات ضخمة من الخضروات والفواكه فى حين أن المواطن فى أوروبا مرتفع الدخل، يشترى بالحباية أو الوحدة، ولديه وجبة محددة ومحدودة ولا يميل للبذخ أو الهدر والإهدار.
تخيل أن رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولى خرج على المصريين بأن الدولة لن تستطيع دعم مواطنيها مثلما فعل رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون ماذا لو هناك عجز فى الوقود والطاقة ورغيف الخبز والسلع الأساسية، سأترك الإجابة للقارئ..
ورغم نجاح مصر فى التعامل مع تداعيات الأزمة العالمية ودعم شعبها وتوفير احتياجاته لكنها لم تسلم من أكاذيب وشائعات الإعلام المعادي، ولا أدرى لماذا نقسو على أنفسنا.. ونجلد ذواتنا ونحن نسير بشكل جيد، لا أقول إنه ليست هناك مشاكل.. لكن أقول إن تجربتنا على الطريق الصحيح عمرها لم يتجاوز 7 سنوات فعلنا وأنجزنا فيها الكثير وبما يفوق التوقعات ولم نفتأ لنصطدم بأزمات عالمية قاسية وكأن هناك من يفتعل لنا الأزمات ويصنعها حتى يحاول إيقافنا، كنا ومازلنا نمضى بمعدلات جيدة مقارنة بدول أخرى، لكن سؤال مهم ماذا كان الوضع فى مصر طبقاً لمعايير وإنجازات ومعدلات ومؤشرات ما قبل الأزمات إذا استمرت فى قفزاتها وطفراتها فى مجال البناء والتنمية لابد أن يفهم ويعى ويشهد المواطن، ويقول كلمة الحق، ويتعامل بالحق والمنطق والعقل والواقع، إن الأزمات فى العالم ومنها مصر لم تأت بسبب فشل أو تقصير أو تراخ أو سوء سياسات، ولكن العالم فوجئ بهذه التداعيات الخطيرة التى نالت من الجميع.
هنا لا أحمل المواطن المسئولية فى سياق حديثى عن تداعيات الأزمة العالمية ولكن أريده أن ينتبه بشكل أكثر جدية إلى أن مسألة الحصول على السلع الأساسية أصبحت أمراً ليس يسيراً سواء فيما يتعلق بالمرحلة المحفوفة بالمخاطر أو ارتفاع التكاليف والترشيد والتوفير ليس عيباً بل ضرورة وفضيلة دينية واقتصادية.
الغريب أيضا أن برامج «الطبخ» والمطبخ وما أكثرها على الشاشات لم تلتفت لهذه القضية، ومازالت تتعامل بنفس الأريحية والرفاهية، ولا تبذل جهداً فى تبصير وتنوير وتوعية المواطن، والحديث عن الترشيد وعدم الإسراف أو إيجاد البدائل الغذائية الأقل سعراً، والأكثر فائدة، أو حتى كيفية إعداد وجبة شاملة متكاملة العناصر الغذائية وبتكلفة مناسبة وما هى مكوناتها.. ولماذا يتوقف الحديث عن سلبياتنا وإسرافنا وأنماطنا الاستهلاكية الخاطئة فى الكثير من البيوت المصرية.
الوعى ليس فقط تعريف المواطن بالتحديات والتهديدات أو التصدى للشائعات والأكاذيب أو عرض الواقع المضيء بل أيضا فى لفت نظر الناس إلى الصواب والفضائل، ولا أجد فى الخطاب الدينى الذى يتعامل مع تداعيات الأزمة العالمية أى حديث عن حتمية الترشيد والتوفير وعدم الإسراف رغم أنه من أعمال الشيطان إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ..وضرورة التعقل فى التعامل مع السلع الأساسية والغذائية ومواردنا من الطاقة حتى لا نرهق كاهل الدولة، خاصة أن الشعب هو شريك أساسى فى تحمل المسئولية.
المطاعم والفنادق والكافيتريات، والأفراح الفاخرة التى تنفق عليها الملايين، لماذا لا نفكر فى استغلال الفائض وتحسينه وتجويده وندعم به بعض الفئات الأكثر احتياجاً والمواطن المقتدر الذى يذهب إلى المطاعم والفنادق لماذا لا يدرك أهمية التوفير والترشيد وعدم الإسراف، لأن الأمر أصبح لا يعنيه هو فقط إذا كان قادراً على شراء كل شيء بفلوسه، ولكنها قضية تهم الجميع.
نحن فى حاجة إلى رؤية شاملة ووعى جديد لإعادة النظر فى أساليب الانفاق والاستهلاك وتغيير سلوكياتنا ليس فقط فى أوقات الأزمات ..لكن لنجعلها أسلوب حياة.
لماذا الإصرار؟
من الواضح أننا أمام مشروع شيطانى يهدف إلى تغيير أخلاقيات وثوابت مجتمعاتنا.. من خلال تصدير سلوكيات وثقافات غريبة وشاذة.. فلا أدرى لماذا الإصرار على ترويج المثلية أو المصطلح غير (المجمل) وهو الشذوذ الجنسى رغم أنه جريمة حرمتها الأديان السماوية وتنافى طبيعة وفطرة البشر.. وصل الأمر إلى( كرتون الأطفال، ولعل ما أقدمت عليه شركة (ديزني) دليل على ذلك من خلال ترويج أو تضمين كرتون الأطفال لقطات ومشاهد تجسد (الشذوذ الجنسي).. لذلك فهى حرب شاملة تدار ضد الشعوب العربية والإسلامية سواء من خلال الأكاذيب والشائعات وثقافات مستوردة تدعو للإلحاد والإساءة للأديان وهدم ثوابتها وقيمها، وضرب منظومات الأخلاق فى هذه الدول حتى يسهل لقوى الشر قيادة الشعوب المستهدفة إلى تحقيق مخططاتها وأطماعها.
انتشار هوجة وحروب المثلية والشذوذ الجنسى التى لم تجلب سوى الأمراض والتشوهات الأخلاقية والسلوكية وارتكاب الانحرافات.. وهى محور للحرب الشاملة التى تدار ضد مجتمعاتنا من مخدرات وإلحاد وهدم الثوابت والإساءة والتشكيك فى الأديان ..والإساءة للرموز الدينية، لذلك علينا ألا نقف مكتوفى الأيدى أمام هذا الغزو أو الهجمات والحروب القذرة التى تستهدف ضربنا دون اللجوء إلى حروب نظامية، فتدمير العقول والأخلاقيات وهدم الثوابت ونشر الإلحاد والمخدرات والإدمان تدمير للأمم واستهداف شبابها عماد قوتها وتقدمها.. هى حروب من نوع جديد، تستلزم وجود أسلحة مضادة من نوع متطور لبناء الوعى وامتلاك «الحصانة»، من خلال ترسيخ القيم الأخلاقية والدينية والتمسك بتعاليم الأديان الصحيحة والفضائل وتعظيم الشعور بالرجولة والأنوثة.. حتى يعتز أبناؤنا برجولتهم، وفتياتنا بأنوثتهن وهو ما يستلزم خارطة عمل ورؤية متكاملة.. تعليمية ودينية وثقافية وأسرية وإعلامية، ودرامية أيضا، ــ فإنتاج المسلسلات والأفلام والمسرحيات التى ترسخ هذه القيم وتلفظ هذه السلوكيات الشاذة والمستوردة خاصة أنها بمثابة العار والخزى لدينا فهى جريمة اجتماعية ــ هو السبيل الوحيد لحماية مجتمعاتنا لكننا للأسف، مشغولون بأمور أخري، نترك أبناءنا وشبابنا فريسة للتليفونات والسوشيال ميديا ونركز على أمور لا تسمن ولا تغنى من جوع.. إن مؤسساتنا الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية وقوانا الناعمة فى حاجة إلى نوبة صحيان، ويقظة وامتلاك الرؤية والخيال.. وقراءة وتحديد التحديات ووضع العلاج وخطط وأساليب المواجهة والإصرار على تنفيذها.. وليس الحماس لبعض الوقت ..لكن الأعداء وقوى الشر لديهم دأب وإصرار على ترويج الباطل والنيل من شبابنا وأبنائنا.
ترسيخ الرجولة، ومظاهرها وفضائلها، واعتزاز المرأة بكونها أنثي، والتصدى للإساءة للأديان والتمسك بالقيم والأخلاقيات والعادات والتقاليد والهوية المصرية، وقيمنا الدينية ..كل ذلك يؤمن المجتمع من خطر الحروب والغزو الثقافى والفكرى الممنهج.