رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


قراءة لحادثة المنصورة

21-6-2022 | 14:22


إيهاب عطية,

حتماً سيُحاسب مرتكب جريمة قتل فتاة جامعة المنصورة عن فعلته، ومؤكد أن عقاباً عادلاً سينزل بساحته في الدنيا قبل الآخرة التي بات الكثيرون غافلين عنها، لكن من الخطأ الفادح الوقوف بالحادث عند تلك الحدود واختصاره في فعل فردى صادر عن شاب أهوج، لا سيما أنه سبقه وقائع عنف مقلقة وترافق معه واقعتا انتحار، من يحسن قرأتهما لا أظنه يخطئ فهم ما يحيط بمشهدنا العام من ملابسات تنذر بعواقب غير آمنة.

صحيح أن تفكيك تلك الوقائع يتطلب دراسات أكاديمية تحتاج لحرية بحث سقفها عالٍ، خاصة أن أبطالها جمعوا بين متناقضات حادة، فقاتل المنصورة متفوق دراسيا غير متورط  بسلوكيات جنائية في روايات البعض، لكنه بلحظة حاسمة أتى بأقصى درجات العنف دون سابق إنذار أو دافع مُعتبر، فكم من شبابنا عاش قصص حب غير مكتملة أو فاشلة.

لكن من الصحيح كذلك أننا بتنا دون حاجة لكثير نظر أمام حالة مجتمعية مربكة، فيبدو أننا نحصد ومن زمن ليس بالقصير ما زرعنا، فما نراه الآن من عنف وخبل ليس سوى نتيجة منطقية لما تعرضت له الشخصية المصرية من تهميش وتلاعب تراكمي في جيناتها المنشودة.

فالقصة ليست فقط في حوادث عنف هنا أو هناك، فالكرة الأرضية تشهد بأكثر من نقطة عنفا صارخاً له أبعاد واضحة ومسببات يمكن الاتفاق أو الاختلاف حولها، فالإنسان الآن يئن من حياة مادية تطرد كل ما هو روحاني حتى لو كان قادماً من السماء، فالنزاع مع الدين أصبح سمة يصعب نفيها وإن تخفت وراء شعارات براقة أو لافتات لامعة.

الموضوع أبعد من هذا بكثير، فالأمر يتعلق بثقافة هزت الوجدان وأفقدت العقول رشدها وأوقعتها بشباك التردي والهوان، وليس أدل على هذا من تعليقات البعض على جريمة المنصورة، فما بين من حاولوا تبريرها بإلصاق ما لم يعلموا بالفتاة من تصرفات أو بالتعريض بها لطريقة لباسها أو من حاولوا نصح الجاني بأثر رجعى باستبدال فعلته بفعلة لا تقل عنها شناعة يمكن تلمّس حجم الكارثة.

أما ذاك الجار الذى وصف القاتل بأنه "ولد محترم مش بنسمع صوته غير وهو بيضرب امه وأخواته البنات"، فعبارته تحتاج لدراسات نفسية واجتماعية منفردة لتفكك ما وصل له بعض شبابنا من ارتباك وشتات عقلي يجمع بين المتناقضات، ولا يرى في اعتداء الابن على أمه وشقيقاته ما يخرجه من دائرة الاحترام!
إذن نحن أمام جبل ثلج لم يبد منه سوى اليسير، أما الجانب الأكبر منه فيحتاج بيانه لنظرة أوسع وأشمل تتطلب استبعاد المنافقين و"المطبلين"، فالمسئولية في تمييع قضايانا تعود في جانب منها لهؤلاء لكنها ترتد في الأصل لكل من أفقدونا هويتنا وصنعوا من أوطاننا شعارا يطالب البعض بالعطاء في حين يفتح أبواب المنح أمام الاخرين، لمن أوغلوا الصدور بتمايزات طبقية موجعة.
لمن أشاعوا فينا ثقافة "أمشى جنب الحيط" وإن أمكن بداخله لتسلم، لمن غيّبوا كلمة الدين وهاجموا مؤسساته ودعاته واتهموهم بالرجعية والتخلف علنية دون رادع أو حساب، لمن فتحوا باب التطلعات والشهوات دون مراعاة لأحوال اقتصادية تحول دون إشباعها بالطرق المشروعة إلا استثناءً، لمن أفسدوا حياتنا بأفلام ومسلسلات العنف والتفاهة والعرى.
لمن صدّروا لنا نماذج مشوهة تتحدث عن الفضيلة بينما تاريخها وربما حاضرها يفضحها ويدعوها للانزواء، لمن أفرغوا عقول شبابنا من كل جد وصرفوها لمتابعة من خلعت ثيابها ومن تزوجت ومن طلقت، لمن أفردوا الصفحات والشاشات أمام المسطحين والتوافه وحجبوا عنا أصحاب الجد والبذل.

على ما يبدو أن لائحة الاتهام ستطول، فالعنف الذى بدأ الآن وإن كان طيفه يلوح بالأفق منذ زمن، محاصرته تحتاج لوقفة، فالعنف مرض لا يأتى من الهواء الطلق، فلا بد من أن خللا ما أصابنا وأفرز ما نشاهده من جرائم تهز الوجدان، ومن ثم فعلينا الإسراع نحو تحديد مواطن الخلل تلك وعلاجها دون الإكتفاء بالنظر لها من زاوية أمنية أو إجرائية قانونية فقط.