تستحق حياة الفنانة أمينة محمد، أن تخلد سينمائيا، فهي تعتبر من الرعيل الأول الذي سعى لنهضة السينما، وعرف عنها جرأتها وإقدامها على العديد من المشروعات السينمائية والتجارية، فهي راقصة وممثلة ومخرجة ومنتجة، التحقت في أول حياتها الفنية بمسرح رمسيس مع إبنة شقيقتها أمينة رزق، ثم تركت الفرقة لأن يوسف وهبي منح أمينة رزق راتبا أكبر منها.
تنقلت أمينة محمد بين الفرق المسرحية وأيضا مسرح بديعة مصابني إلى أن اتجهت إلى السينما عام 1934 وشاركت في فيلمين وهما "ليلة في العمر" و"شبح الماضي" مع المطربة نادرة أمين، وفي عام 1935 شاركت بالتمثيل في أربعة أفلام، إلى أن تجرأت وأنتجت وأخرجت فيلم "تيتا وونج" عام 1937، ولم يلق الفيلم النجاح المطلوب فسافرت إلى أوربا لتنشأ هناك مسرحا إستعراضيا لاقى إقبالا شديدا ونجاحا كبيرا، لكن سرعان ما قامت الحرب العالمية الثانية فعادت أمينة إلى مصر لتشارك في آخر فيلمين لها وهما "جوهرة" الذي بذغ فيه نجم المطربة نور الهدى عام 1943 وفيلم "تاكسي حنطور" عام 1945.
منذ ذلك التاريخ ابتعدت أمينة محمد تدريجيا عن عالم الفن لتبدأ عدة مشروعات تجارية، كانت تعتمد فيها على الإقتراض من إبنة شقيقتها الفنانة أمينة رزق .. وسنروي فيما بعد طرائف مشروعاتها وجسارتها في الإقدام على المشروعات البسيطة لكي تعيش منها هي وإبنتها الصغيرة، أما عام 1958، وفي شهر يونيو حدث لها موقفا لا يعد طريفا جعل أمينة رزق نفسها تثور على ما حدث لخالتها أمينة محمد.
في تحقيق صغير بمجلة الكواكب عدد 24 يونيو 1958 تحت عنوان "بط أمينة محمد في قلم المرور" جاء في مقدمته أن الفنانة أمينة رزق ثائرة، فقد كانت خالتها الفنانة أمينة محمد تقود سيارتها وتضع بها بعض الخضار والفاكهة لزوم وجبة الغداء ومعها أيضا ست بطات صغيرة، وفي طريق عودتها إلى منزلها بأول شارع الهرم، وعند إشارة مرور كوبري عباس استوقفها عسكري المرور وطلب منها رخصتي السيارة والقيادة، وبعد أن تفحصهما طلب من أحد رجال البوليس أن يصطحب الفنانة أمينة محمد إلى المركز.
أما الفنانة أمينة محمد فقد أكملت باقي الرواية للكواكب التي سابقت إلى هناك لرصد الموقف غير الطريف فقالت:
ــ ذهبت مع رجل المرور إلى مركز البوليس، وقال الرجل لرئيسه وهو برتبة "صول" أن الشاويش الذي أرسله يقول أنني وضعت في السيارة "حمولة"، وطلب الصول أن توزن الحمولة، وركب رجل المرور معي إلى محطة الجيزة، وطلب من السئولين هناك وزن السيارة بحمولتها، فقالوا أنهم يستطيعون فقط وزن الحمولة، أي وزن الخضار والفاكهة وقفصا به ست بطات صغيرة، كنت قد أحضرتها لتربيتها، وعندما عدنا إلى مركز الشرطة حولنا الصول إلى قلم المرور، وهناك لم نجد مسئولا واحدا، فقد كان اليوم هو الجمعة، العطلة الرسمية.
صمتت أمينة محمد لحطة ثم قالت:
ــ طلب منا الجنود أن نترك العربة لليوم التالي، وسمحوا لي بأخذ الأطعمة حتى لا تفسد، وبالفعل نفذت طلبهم وعدت في اليوم التالي، فقال لي "الكونستابل" أنه سيحرر لي إنذارا بعدم تكرار هذا الحادث، وكانت تهمتي أنني حملت العربة بحاجيات غير قانونية تخالف ما سمح به في رخصة السيارة، وفحصت الرخصة لأبحث عن بند أو شرط ينص على أنه ممنوع على صاحب السيارة أن يحمل طعامه أو حاجياته في عربته فلم أجد !!
وتدخلت الكواكب في الأمر لتسأل كومندان المرور عن تفسيره لهذا الحادث فأجاب:
ــ لو أن الموجودات التي كانت في العربة بهذه الكميات المحدودة فلا شك أن هذا سوء تصرف من رجل المرور الذي حرر المحضر، أما إن كانت السيارة الملاكي محملة بحمولة كبيرة يفهم منها أنها أعدت للتجارة أو أنها منقولة لحساب الغير فهذا مخالف للقانون، وفي الحالة الثانية ينذر صاحب العربة بألا يكرر هذه المخالفة، وإذا كررها يعاقب بما تنص عليه قوانين المرور.
يتضح من هذا الموقف غير الطريف أن من تسبب فيه هو رجل المرور الذي أساء التصرف، وهذا ما أكده رئيسه بعدما علم بأن الحمولة كانت بعض الخضر والفاكهة للغداء وست بطات صغيرة، وكانت أمينة محمد في ذلك الوقت تنزوي بعيدا عن الأضواء، حتى في ملبسها كانت قد ابتعدت عن الأناقة، رغم أنها كانت في مجدها أشد الفنانات أناقة، وكانت كل ملابسها وقبعاتها من أوروبا، لكنها أيقنت أن عجلة الفن غدارة، فهي تلتهم شباب الفن لتكبر بهم، ثم تلقي بهم عند المشيب، لذا أثرت أمينة محمد أن تترك القاهرة كلها بعد ذلك وتذهب إلى أسوان لتبيع الفول والعدس والشاي لعمال السد العالي في مطعم صغير من الخشب والخوص، بعد ذلك الموقف بعامان لتقتات هي وإبنتها الصغيرة من القروش القليلة التي تربحها بجهدها وعرقها.
بقي أن نؤكد أن أمينة محمد أيضا مكتشفة النجوم، فهي أول من قدمت الفنان حسين صدقي للسينما، وساعدت المخرج العالمي سيسيل دي ميل في إخراج فيلم "الوصايا العشر" عندما جاء إلى مصر لتصويره في منتصف الخمسينيات.
الفنانة أمينة محمد في أوج الشباب مع إبنة شقيقتها الفنانة أمينة رزق.