محمد رضوان
حدود مصر المُلتهبة، الصادر عن دار سنابل، ليس عنونًا لأحدث إصدارات الزميل الكاتب الصحفي محمد شلبي أمين، سكرتير مجلة الهلال، فحسب، لكنه أقرب إلى الوثيقة التاريخية المحكيّة.
يرصد الكتاب من خلال فصوله مايشهده الوطن العربي من نزاعات نشأت بعد خروج الإستعمار عسكريا ، والذى لا زلنا نعاني نتائجه حتى اليوم، ومصر ليست بمعزل عن ذلك، كما يرصد بالوثائق غالبية النزاعات الحدودية في العالم العربي، وكيف برع الاستعماران البريطانى والفرنسى فى صناعتها من خلال اتفاقية سايكس بيكو بتقسيم هذا الوطن إلى دويلات بهدف زرع الفتنة بين شعوبه بحدود أضحت مشكلاتها هى السمة الرئيسة بين أقطاره.
محمد شلبي يروي لنا كيف رست مراكب المستكشفين الإسبان والبرتغاليين على شواطئ جزر الهند الغربية والأميركتين، وإفريقيا، خلال القرن الخامس عشر، وعندها "بدءوا في غرس أقدامهم الاستعمارية وظلوا لأكثر من أربعمائة سنة جاثمين على صدور هذه الشعوب، وعلى أراضي هذه الأوطان، ولم يتوقفوا إلا مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، مما حفز بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وبلجيكا، لاستعمار الشرق الأوسط، وإفريقيا، وأستراليا، ونيوزيلندا، ومنطقة البحر الكاريبي، ومناطق كثيرة من آسيا. كذلك بدأ اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية في التوسع خلال النصف الأول من القرن العشرين وسيطر على روسيا ومعظم آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية، وعليه قام الاستعمار البريطاني والفرنسي من خلال اتفاقية سايكس – بيكو بتمزيق الوطن العربي الكبير.
ويكشف لنا الكتاب أن الاستعمار خلّف وراءه أكثر من مائة دولة جديدة، معظمها لم يكن موجودا بالمرة قبل وجوده، أو أنها لم تكن موجودة بنفس الحدود بعد رحيله. لذلك، وقع عدد من الصراعات داخل حدود ما بعد الاستعمار وكانت أطراف هذه النزاعات تبرر وتضفي الشرعية على موقفها باستخدام الحدود التاريخية كأدلة لمطالباتهم.
ويؤكد الكتاب أن غالبية المنازعات في العالم العربي حدودية، برعت في صناعتها بريطانيا الاستعمارية التي لعبت دورا رئيسا في نشأة معظم هذه الحدود، والتي تنبهت لأهمية وقيمة مصر بعد الحملة الفرنسية التي أعادت للعالم معرفة القيمة الحقيقية لمصر العظيمة، حين قال نابليون بونابرت: “إن مصر هي أهم بلد في الدنيا”. فسال لعابها وأخذت تعد عدتها للسيطرة عليها، ورغم فشلها سنة 1807 بسبب وحدة الجيش والشعب المصري في رشيد.. حيث هزمت هزيمة مهينة تسببت في عقدة نفسية زادت من الكراهية والحقد الإنجليزي على مصر وزادت من إصرارهم على احتلالها، لأن مصر منذ بدء الخليقة هي صمام الأمان للمنطقة العربية والقارة الإفريقية بموضعها وموقعها وحدودها التي تحولت بفعل هذا الاستعمار البغيض إلى حزام من اللهب كما في أم الرشراش، وحلايب وشلاتين، وواحة جغبوب، وسيناء، وتيران وصنافير، والعقبة.
ورغم أن جميع الأراضى المتنازع عليها ملك لمصر إلا أن المستعمر الإنجليزى لعب دورا كبيرا فى التلاعب بالتقسيم كما فى واحة جغبوب، والتي تقع تحت السيطرة الليبية، وأطلقوا عليها اسم ميناء البردية، وتشهد اعتقال مئات الصيادين المصريين سنوياً بتهمة الصيد في مياه الليبيين، والاحتلال الصهيونى لفلسطين العربية كما فى أم الرشراش،والمسماة لدى الكيان الصهيوني بإيلات، وهي قرية مصرية مساحتها 1500 كيلومتر، احتلها الصهاينة منذ 1948.
عندما تنتهي من قراءة هذا الكتاب، تجد عزيزي القارئ، بين يديك حكايات وقصصا وأسرارا، كلها تصب في صالح عبارة واحدة مفادها أن الحدود التي خلقها المستعمر في منطقتنا لم تكن سوى خيوط من اللهب أو كأنها لُّغم كبير.