د.عمرو دوارة
كان لصحوة المناخ الثقافي والفكري في نهايات القرن التاسع عشر (والتي كان من مظاهرها تشجيع التعليم وتنشيط حركة التأليف والترجمة وظهور عدة صحف مع إيفاد البعثات العلمية للخارج) أكبر الأثر في نجاح مسرح "يعقوب صنوع" وغرس أسس وبذور الفنون المسرحية بالتربة المصرية، وفي هذا الصدد يجب التأكيد على أن التعضيد والمساندة والتشجيع الذي أبدته الطبقات المتوسطة بالمجتمع نحو مسرحيات "يعقوب صنوع" كان معبرا بصورة صادقة عن حاجة البلاد إلى مسرح مصري وطني يتناول القضايا اليومية للطبقات المهمشة والطبقات المتوسطة، ويكون بديلا عن تلك المسارح الفخمة التي شيدت لتقديم العروض الأجنبية المستضافة بهدف الترفيه عن الجاليات الأجنبية بالبلاد والطبقات الأرستقراطية فقط.
والحقيقة أن تجربة الرائد/ يعقوب صنوع والتي وئدت مبكرا - بعدما استمرت عامين فقط - بنفيه إلى باريس عام 1872 كنتيجة منطقية لتوجيهه بعض الانتقادات اللاذعة للخديو من خلال مسرحياته (وخاصة مسرحية الضرتين) لم تذهب هباء، بل كان لها الفضل الأول في التمهيد لغرس عادة الفرجة المسرحية بالنسبة للمشاهد المصري والتمهيد لعروض الفرق المسرحية العربية (الشامية) بعد ذلك، وكذلك في تنبيه الخديو إلى ذلك الفراغ الذي تركه "يعقوب صنوع" شاغرا، مما دفع الخديو إلى محاولة استكمال مظاهر النهضة التي ينشدها وتعويض غياب الفن المسرحي بالموافقة على دعم واستقبال فرقة "سليم النقاش" القادمة من الشام (عام 1876) لتقديم عروضها بمصر.
كانت فرقة "سليم النقاش" بمثابة الفرقة الأم التي من خلالها تفرع عدد كبير من الفرق المسرحية وفي مقدمتها فرق: يوسف الخياط (عام 1877)، سليمان حداد (عام 1881)، سليمان قرداحي (عام 1882)، تلك الفرق التي كان لنجاحها أكبر الأثر في توجيه نظر الرائد السوري/ أبو خليل القباني بضرورة الحضور إلى "مصر" أيضا لتقديم عروضه مع رفيق دربه "إسكندر فرح" (عام 1884). وقد حققت هذه الفرقة بعروضها الغنائية نجاحا جماهيريا كبيرا، وكان من أهم نتائجه انفصال"إسكندر فرح" عنها وقيامه بتأسيس فرقته المستقلة بعد ذلك (عام 1891)، وهي الفرقة التي كان لها تأثير كبير في بدايات المسرح المصري خاصة بعدما بدأت في الاستعانة ببعض الفنانين المصريين وأصحاب الأصوات المصرية الأصيلة وفي مقدمتهم الرائد الفنان/ سلامة حجازي، الذي كان قد سبق له العمل مع كل من فرقتي: سليمان قرداحي،يوسف الخياط، والذي نجح بعد ذلك بتأسيس فرقته المسرحية عام 1905 ليصبح بذلك أول فنان مصري (مطرب وملحن وممثل) يؤسس فرقة مسرحية غنائية.
والجدير بالذكر أن الفرق الشامية التي قدمت عروضها خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر بمصر - وللتغلب على مشكلة غياب العنصر النسائي - قد اعتمدت خلال مرحلة البدايات على مشاركة بعض الرجال الشوام الذين تخصصوا في تمثيل أدوار النساء، ثم بعد ذلك على مشاركة بعض الفنانات من الشام (أو اللاتي تعود أصلوهن للشام) ومن بينهن: ملكة سرور، هيلانة بيطار، مريم سماط، وردة ميلان، ماري صوفان، أبريز أستاتي،ألمظ أستاتي، صالحة قاصين، فاطمة اليوسف (روز اليوسف)، بديعة مصابني، دولت أبيض، ماري منيب، فيكتوريا حبيقة، ثريا فخري، أو على مشاركة مجموعة من المصريات المنتميات للجالية اليهودية بمصر، ومن بينهن: ميليا ديان، أديل ليفي، إستر شطاح، نظلة مزراحي، سرينا إبراهيم، نجمة إبراهيم، هنريت كوهين، فيكتوريا كوهين، فيكتوريا موسى، سامية رشدي، نجوى سالم (نظيرة موسى شحاتة) .
ومع بدايات القرن العشرين عرف المسرح المصري ظهور نخبة جديدة من نجمات المسرح من المصريات، وذلك بعدما استطعن تخطي الصعاب ومواجهة جميع التحديات (وفي مقدمتها العادات والتقاليد) وتضم القائمة أسماء كل من الفنانات: منيرة المهدية، لطيفة عبد الله، زينب صدقي، فاطمة رشدي وشقيقتيها (رتيبة وأنصاف)، زكية إبراهيم، عزيزة أمير، فردوس حسن، علوية جميل، أمينة رزق، أمينة محمد، نعيمة ولعة، عقيلة راتب،إحسان الجزايرلي، فاطمة قدري، إحسان كامل، حياة صبري، ميمي وزوز شكيب، زوزو نبيل، إحسان شريف، سعاد حسين.
ويجب التنويه في هذا الصدد إلى أن العائلات المصرية كانت ترفض بشدة مشاركة بناتها بالمجال الفني، مما اضطر بعضهن إلى إخفاء أسمائهن الحقيقية واستبدالها بأسماء أخرى فنية للشهرة، ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك الفنانة/ عقيلة راتب(كاملة محمد شاكر) التي رفضت أسرتها بشدة ولفترة طويلة عملها بالفن. وإذا كان يحسب لكل من الفنانين/ يوسف وهبي ومحمد تيمور وسليمان نجيب احترافهم للفن وهم من أبناء الطبقة الأرستقراطية فإنه يحسب أيضا وبدرجة أكبرللفنانة/ عزيزة أمير (مفيدة محمود غنيمي) مغامرتها باقتحام مجال التمثيل.
وتستمر مسيرة المسرح والتنوير خلال النصف الثاني بمشاركة جيل جديد من الدارسات لفن التمثيل - بعد نجاح الرائد/ زكي طليمات في تأسيس المعهد وإعادة افتتاحه للمرة الثانية عام 1944 - وفي مقدمتهن: زوزو حمدي الحكيم، نعيمة وصفي، ناهد سمير، برلنتي عبد الحميد، زهرة العلا، كريمة مختار، ملك الجمل، سميحة أيوب، سناء جميل، روحية خالد، عايدة كامل، وقد توجت تلك الفترة بتألق كل من النجمتين/ سناء جميل وسميحة أيوب خلال عقد الستينيات، ولتفوز القديرة/ سميحة أيوب بعد ذلك بلقب "سيدة المسرح العربي".
الريادة النسائية في المسرح:
ظل الاعتقاد السائد لفترة طويلة بأن سلطانة الطربالفنانة/ منيرة المهدية، هي أول ممثلة مصرية وقفت على خشبة المسرح وذلك من خلال مشاركتها ببعض عروض فرقتي: "جوق أولاد عكاشة" عام 1914، و"جوق الكوميدي العربي" للرائد/ عزيز عيد عام 1915 (كما جاء بمراجع د.محمد يوسف نجم)، وذلك قبل تحقيقها للنجاح الجماهيري والذي دفعها إلى تأسيس فرقة تحمل اسمها عام 1915، ولكن بعض الباحثين والمؤرخين (وفي مقدمتهم د./ سيد علي إسماعيل) نجحوا في إثبات أن أول ممثلة مسرحية مصرية مسلمة وقفت على خشبة المسرح كانت الفنانة/ لطيفة عبد الله عام 1891، وذلك من خلال فرقة "جوق جمعية السرور" بإدارة حضرة الأديب/ميخائيل أفندي جرجس، كما يحسب لها أيضا أنهاكانت أول مؤلفة مسرحية عربية حينما قدمت مسرحية "الملكة بلقيس" عام 1893.
وجدير بالإشارةأن مسيرة المسرح المصري خلال مسيرته الثرية وخاصة خلال النصف الأول من القرن العشرين قد شهدت تباينا كبيرا في الأشكال والقوالب والمستويات الفنية للعروض المسرحية، وذلك بفضل تأسيس عدة فرق مسرحية بفضل موهبة وإصرار نخبة من الرواد الذين عشقوا الفن المسرحي وأخلصوا له، ومن خلال تلك الفرق برزت أسماء مجموعة كبيرة من الممثلات اللاتي كان لهن فضل كبير في نجاح تلك الفرق وتنوع عروضها ومن بينها:
- العروض الكلاسيكية التي كانت تقدم من خلال الفرق الكبرى وفي مقدمتها فرق: جورج أبيض، سلامة حجازي، أولاد عكاشة، عبد الرحمن رشدي، رمسيس، فاطمة رشدي، القومية، تلك العروض التي أبدع في إخراجها كل من الأساتذة/ عزيز عيد، جورج أبيض، يوسف وهبي، عبد الرحمن رشدي، زكي طليمات، عبد العزيز خليل، فتوح نشاطي،ومن خلالها برزت موهبة كل من الفنانات: ميليا ديان، أديل ليفي، ماري صوفان، فيكتوريا موسى، زينب صدقي، فاطمة رشدي، دولت أبيض، فردوس حسن، أمينة رزق، سرينا إبراهيم، نجمة إبراهيم، ماري منصور، علوية جميل، زوزو نبيل، زوزو ماضي، حيث تألقت كل منهن في أداء بعض الشخصيات التاريخية وكذلك بعض الشخصيات الدرامية العالمية (خاصة شخصيات كل من الكاتب الإنجليزي/ وليم شكسبير والفرنسي/ جان راسين) باللغة العربية الفصحي.
- العروض الكوميدية التي قدمتها بعض الفرق التي تميزت في هذا المجال وفي مقدمتها فرق: الكسار، الريحاني، عزيز عيد، أمين وسليم عطا الله، يوسف عز الدين، فوزي منيب، فوزي الجزايرلي، والتي برزت من خلالها موهبة كل من الفنانات: زكية إبراهيم، ماري منيب، فيكتوريا كوهين، ميمي وزوزو شكيب، سعاد حسين، نجوى سالم. ويجب التنويه أنه خلال فترة البدايات وبالتحديد خلال النصف الأول من القرن العشرين كانت البطولة الكوميدية مقصورة على الرجال وفي مقدمتهم: نجيب الريحاني، علي الكسار، بشارة واكيم، إستيفان روستي، فوزي الجزايرلي، فوزي منيب، يوسف عز الدين، في حين انحصر دور المرأة على المساندة كفتاة جميلة مدللة (بديعة مصابني، نعيمة ولعة، ميمي شكيب، زوزو شكيب، سعاد حسين) أو بالقيام بأدوار الحموات بصورتها التقليدية التي تمتد جذورها إلى الكوميديا الشعبية، حيث تعتمد في كثير من الأحيان على فواصل (نمر) من الردح والمعايرة - والتي قد تستخدم خلالها بعض الألفاظ النابية الجارحة أيضا - وذلك بهدف إثارة الضحك من خلال المفارقات وإظهار مدى رضوخ زوج الابنة وتحمله وصبره على مناوشات وتجاوزات حماته من أجل عيون الزوجة، ويستطيع الباحث المسرحي أن يرصد بسهولة ويسر أصداء لهذه الشخصية منذ البدايات الأولى للمسرح وبالتحديد بأعمال "يعقوب صنوع" ومن بعده مختلف أعمال رواد الكوميديا المصرية (مصطفى أمين، علي الكسار، أمين صدقي، نجيب الريحاني وبديع خيري وأبو السعود الإبياري).ويحفل سجل الدراما المصرية بعدد كبير من الفنانات اللاتي تميزن في أداء دور "الحماة" بصورة كاريكاتيرية مبالغ فيها من خلال بعض الأعمال الكوميدية ومن بينهن الفنانات: ماري منيب، إحسان الجزايرلي، عقيلة راتب، ميمي شكيب، زينات صدقي، سامية رشدي، إحسان شريف، ملك الجمل، جمالات زايد.
- المسرحيات الغنائية والأوبريتات التي تخصصت في تقديمها بعض الفرق الغنائية (وفي مقدمتها فرق: سلامة حجازي، منيرة المهدية، أولاد عكاشة، سيد درويش، عليالكسار، ملك) وقد اعتمدت تلك الفرق على ألحان نخبة من كبار الملحنين من بينهم: سلامة حجازي، داود حسني، كامل الخلعي، سيد درويش، إبراهيم فوزي، زكريا أحمد، كاميل شامبير، فريد غصن، عزت الجاهلي، محمد القصبجي، ملك، أحمد صدقي، محمود الشريف، ومن خلالها برزت موهبة كل من الفنانات: منيرة المهدية، بديعة مصابني، حياة صبري، فاطمة سري، عقيلة راتب، فتحية أحمد، ، فاطمة قدري، ملك.
وإذا كان يحسب للفنانة القديرة/ منيرة المهدية نجاحها كأول امرأة بمصر تؤسس فرقة مسرحية تحمل اسمها، كما يحسب للفنانة/ فاطمة رشدي تأسيسها لثاني فرقة مسرحية تحمل اسم امرأة، وأيضا قيامها بالإخراج كأول مخرجة بالمسرح المصري، فإنه يحسب أيضا للمطربة الكبيرة/ ملك نجاحها في تأسيس فرقة تحمل اسمها لتقديم "فن الأوبريت"، ومساهمتها من خلال عروضها بالتمثيل والغناء والتلحين والعزف، كما تميزت - عن جميع الفنانات السابق ذكرهن - ببنائها لمسرح (دار عرض) يحمل اسمها حتى الآن.
وفي هذا الصدد يجب التأكيد إلى أن أهمية فرقة "أوبرا ملك" لا ترجع فقط إلى قيمة ومكانة مؤسستها كمطربة وملحنة شهيرة ومرموقة ولكن يكفي أن نذكر لهذه الفرقة تحملها بمفردها مسئولية المحافظة على "المسرح الغنائي" وفن "الأوبريت" خلال فترة أربعينيات القرن العشرين، والتي شهد المسرح خلالها كسادا فنيا وهبوطا كبيرا، دفع كبرى الفرق المسرحية إلى إغلاق أبواب مسارحها وإطفاء أنوارها - باستثناء الفرقة القومية وفرقتي الريحاني والكسار- كما دفع كبار الفنانين وأشهرهم إلى العمل في الملاهي الليلية والصالات. كما يحسب لفرقة "أوبرا ملك" أيضا ما أرسته من تقاليد فنية رصينة للمحافظة على الموسيقى العربية والغناء الشرقي الأصيل، حيث استطاعت أن تمثل مدرسة مهمة لتخريج دفعات متتالية من المطربين والممثلين القادرين على المشاركة بعروض المسرح الغنائي، والمحافظين على التقاليد المسرحية بكل دقة والتزام.
- عروض ونجمات الصالات: أول ما يتبادر إلى الذهن عند استخدام مصطلح "مسرح الصالات" أنه مسرح الملاهي الليلية (الكباريهات)، وللأسف الشديد أن هذا التصور العام - الذي جانبه الصواب - يحدد بداية بأن كل مايقدم بها من عروض فنية هي مجرد منوعات غنائية أو اسكتشات كوميدية أو فقرات من الرقص، وفي أفضل الحالات مجرد لوحات استعراضية لا تنتمي إلى فنون المسرح الراقية، وبالتالي لايمكن أبدا تصنيفها تحت مسمى المسرح الجاد، ولكن من خلال الرصد الدقيق والدراسة التوثيقية يمكنني أن أؤكد أن الواقع الفعلي يكشف كذب وزيف هذا الادعاء المبني على تصور سريع وغير دقيق.
حيث تقتضي الحقيقة أن أقرر بأن "مسارح الصالات" وخاصة خلال فترة ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي تحتاج من الباحثين والدارسين إلى إعادة النظر والإنصاف، حيث قامت تلك الصالات خلال مسيرتها الفنية بتقديم كثير من العروض المسرحية الجادة والراقية، كما نجحت في تقديم بعض المعالجات الدرامية لبعض القضايا الاجتماعية المهمة، ويكفي أن نذكر أسماء بعض العروض التي قدمت بها خلال هذه الفترة لنؤكد ذلك ومن بينها على سبيل المثال بصالة "ببا عز الدين": "أزمة عمال"، "خد بالك"، "إيد على إيد"، "محطة العواطلية"، كما قامت بعض الصالات خلال هذه الفترة أيضا بتقديم بعض العروض الوطنية التي ساهمت في شحذ الهمم والدعوة إلى مقاومة المستعمر البريطاني سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ومن المسرحيات المباشرة على سبيل المثال المسرحية التي قدمتها المطربة/ فتحية أحمد بصالتها بعنوان "أنا المصري" من تأليف/ محمد إسماعيل عام 1933، وكذلك بعض المسرحيات التي قدمتها الفنانة/ بديعة مصابني بصالتها ومن بينها: "عصبة الأمم" عام 1932، و"ابن النيل وابن سوريا" عام 1934، و"درس في التاريخ" عام 1941، وأيضا مسرحيتي "الجامعة العربية"، "عودة الروح" عام 1947، وحتى الاسكتشات التي كانت تقدمها هذه الفرق فإن بعضها كان يمكن تصنيفه وإدراجه تحت مسمى العروض الوطنية الجادة ومثال لها تلك الاسكتشات التي قدمتها الفنانة/ حورية محمد من خلال فرقتها، حيث يظهر جليا من أسمائها أهمية الموضوعات التي تناولتها ومن بينها: لعنة الفراعنة، مجد الفراعنة، جزيرة الذهب، مصر بعد المعاهدة، آمال مصر، كما شاركت أيضا الفنانة/ فتحية محمود من خلال فرقتها عام 1939 بتقديم استعراض الجهاد.
وقد شارك بكتابة هذه المسرحيات نخبة من الكتاب من بينهم: أمين صدقي، أبو السعود الإبياري، حمدي مصطفى، وذلك بالإضافة إلى مساهمة الفنانة/ ببا عز الدين التي قدمت على سبيل المثال عام 1937 مسرحيتي "فتح عينك"، "جرس الخطر" وهما من تأليف الكاتب المسرحي/ أمين صدقي.
ويستطيع الباحث الدؤوب التأكيد أيضا على أن مسارح الصالات المسرحية التي قامت بتأسيسها والإشراف عليها نخبة من الفنانات والراقصات وفي مقدمتهن: بديعة مصابني، ماري منصور، فتحية أحمد، ببا عز الدين، ببا إبراهيم، رتيبة وأنصاف رشدي، فتحية محمود، حورية محمد قد ساهمت بدور كبير في تقديم عدد كبير من المواهب الشابة التي تبوأت فيما بعد صدارة الإنتاج الفني بجميع القنوات الفنية (السينما والمسرح والإذاعة)، ومن بينها على سبيل المثال الفنانون: محمد عبد المطلب، فريد الأطرش، محمد فوزي، محمد الكحلاوي، تحية كاريوكا، سامية جمال، محمود شكوكو، إسماعيل يس، هاجر حمدي، ببا عز الدين وثريا حلمي وغيرهم كثيرون .
والحقيقة أن دور الفنانات الرائدات وتأثيرهن في المجتمع المصري لا يمكن حصره فقط بمشاركتهن الفنية والمسرحية، فهو يتعدى ذلك كثيرا ويكفي أن نذكر لهن مشاركتهن في مظاهرات ثورة 1919، وأيضا إصرارهن على خلع النقاب والدعوة لسفور المرأة وكشف وجهها، وكذلك تقديم القدوة للجيل الجديد من الفتيات سواء عن طريق مشاركتهن في تقديم بعض القضايا الاجتماعية المعاصرةبالعروض المسرحية والدفاع عن المرأة، أو من خلال التطبيق العملي بحياتهن الشخصية - التي تتسم بصفة عامة بالانطلاق والحرية - بحرصهن على ارتداء أحدث موضات الأزياء وتقديم أحدث تسريحات الشعر، تلك التفاصيل التي كانت تنشر بمصاحبة صورهن بالصحف والمجلات، ولعل قضية الفنانة/ فاطمة سري وخلافها مع الرائدة النسائية/ هدى شعراوي (والدة زوجها) وإصرارها على إثبات نسب ابنها أكبر دليل على رفض الفوارق الطبقية والمساهمة في تحقيق المساواة وتغيير نظرة المجتمع للفنانة بصفة خاصة والمرأة بصفة عامة.