توفي في يوليو 1987: توفيق الحكيم .. أمير أدبنا المسرحي
د. محمد فتوح أحمد
-1-
كتب المستشرق اليوناني "ألكسندر باب دوبولو" في مقدمة الطبعة الفرنسية لمسرحية "الصفقة" يقول: "إن دور الحكيم في تطوير النثر العربي لا يقل قيمة عن دور أحمد شوقي في تطوير الشعر العربي" ، ثم يضيف موضحاً ما يعنيه من أجناس النثر التي ترك الحكيم فيها ذلك الأثر : " ... وإلى الحكيم يرجع الفضل في كتابة أول مسرحية نثرية حقيقية في الأدب العربي" (1).
ترى هل ترتبط هذه "الأولية" بتاريخ الحكيم كاتباً مسرحياً ، نعني بأول ما خطه قلمه للمسرح سنة 1918م تحت عنوان "الضيف الثقيل"، و مروراً بالصور الهزلية الساخرة Farce ، و المسرحيات الغنائية الخفيفة مثل : "العريس" و"علي بابا" وغيرهما مما كتبه لفرق مسرحية متواضعة المستوى، وتحرج الكاتب نفسه من نشره فيما بعد ؟ أو تراها تتعلق بفكرة "الحداثة" المسرحية التي لا ترتد إلى جدة الموضوع أو طرافة الوسائل بقدر ما ترتد إلى جدة النظرة وطرافة الخيال الدرامي وقدرة الكاتب على تجاوز الآني و المطروق حسبما ظهر جلياً منذ مسرحية "أهل الكهف" التي أصدرها سنة 1933م ؟
وقد لا يحتاج الأمر إلى كبير عناء لاختيار الاحتمال الأخير جواباً لذلك التساؤل المطروح، فأعمال الكاتب منذ البدايات الأولى وحتى قبيل مغادرته إلى فرنسا (سنة 1924م) لا تكاد تتجاوز قوالب الفكاهة السهلة و الذوق السائد الذي ينأى عن صعوبة التناول وعسر الاستيعاب، وبعضها كتب زجلاً ليلائم حساسية المتلقي العادي، وجميعها مما يتضح فيه خضوع الكاتب لقضايا اللحظة. وحتى ذلك القدر الضئيل الذي يبدو وكأن الكاتب فيه قد حاول صياغة القضية اللحظية بمنطق فني يعلو عن المباشرة ويجنح إلي الإيماء، كما قد يتبادر من مسرحيته "الضيف الثقيل" التي يشير فيها بالضيف إلي الاحتلال الإنجليزي لمصر(2)، نراه- علي العكس مما يبدو- يلجأ إلي قالب الاستعارة الرمزية Allegory التي تترجم الوقائع والأفكار والأشخاص إلي صور محددة الدلالة واضحة الملامح والتخوم، بحيث يمكن للذهن أن ينتقل من الصورة إلي مدلولها بمجرد إدراك العلاقة بينهما، وهي طريقة في البناء تختلف جذريا عن مبني الرمز؛ لأن الرمز تجريد ، أما الاستعارة الرمزية فتجسيد ، و في الرمز - كما يقول كولردج- يشف الفردي عن الخاص، والخاص عن العام، وما هو زمني وموقوت عما ليس بزمني ولا موقوت، هذا علي حين تنحصر الاستعارة الرمزية في تمثيل المعاني المجردة عبر أشكال حية تكون بمثابة الأقنعة لهذه المعاني. وهي – نعني الاستعارة الرمزية- تنتمي في جوهرها إلي الأدب التعليمي أكثر مما تنتمي إلي الأدب الصرف، وما نظن الحكيم فيها إلا متأثراً "بهنريك إبسن" الذي كان له ولع – وبخاصة في مسرحياته القصيرة – بالاستعارة الرمزية البسيطة Naive Allegory (3).
-2-
والحق أنه لن يكون من قبيل المصادرة أن نفترض – منذ البدء – أن مسرح الحكيم – حتى ما كان ذهنيا محضاً – لم يقع داخل دائرة الرمزية الخالصة، بمعنى أن صاحبه لم يلتزم بأقانيمها المذهبية التزام المتمذهبين، على الرغم من وضوح تأثره بالرعيل الأول من رواد المسرح الرمزي، وعلى رأسهم الكاتب البلجيكي الأصل "موريس ميترلنك"، وعلى وجه الخصوص في مسرحيتيه "العميان" و"الطفيلية"(4)، بل ربما أمكن أن نمتد بهذه الفرضية إلى حيث نزعم أن الحكيم لم يكن – وربما لم يحاول أن يكون – تابع مذهب يتأطر داخله ويظل مستمسكا بأهدابه فترة مديدة من الزمن، وعبر عديد من مفردات نتاجه، فهو قد بدأ مرتبطاً بقضايا اللحظة ومعطيات الذوق السائد، وما لبث تحت وطأة الرمزية الفرنسية أن انعطف تجاه المسرح الرمزي Symbolic Theater في أوائل الثلاثينيات، ثم ارتد في أواخرها يزاوج بين المسرحيات الرمزية والمسرحيات التي لا تعدم وشيجة بالواقع، وظل هكذا حتى أواسط الخمسينيات حين كتب "الأيدي الناعمة" (1954م)، ومن بعدها "الصفقة"(1956م)، فكانتا مؤشراً جديداً إلى أن الرقعة الواقعية أضحت تستأثر بمعظم المجال الفني في مسرحه، وأن خيوط هذه الرقعة قد تزدوج فيما بعد بأمشاج من الرمز أو التجريب أو العبث دون أن يؤدي ذلك إلى ضمور هذه الخيوط أو انطفاء ألوانها.
ترى هل نفسر تلك اللامذهبية بما فسرها به محمد مندور حين أرجعها إلى التوق المصري العام إلى الحرية، والنفور من كل قيد يحد من هذه الحرية حتى ولو كان قيداً أدبيا: "لأن حياتنا العامة كانت تهفو في تلك الفترة من تاريخنا - يعني ما بعد ثورة 1919م – لا إلى الحرية فحسب، بل والحرية المطلقة التي لا بد أن تصاحبها الفردية وأن تنفر من المذهب والتمذهب"؟(5) أو نعود بها إلى ما ينبغي أن تعود إليه من عدم توفر الظروف الموضوعية التي تهيئ المناخ لميلاد المذهب الأدبي ؟
إن غياب هذه الظروف الموضوعية بمفاهيمها التاريخية والاجتماعية هو الذي عاق عملية التطور الاجتماعي، التي كانت – بدورها – قمينة بخلق الشروط الأولية لفلسفة المذهب الأدبي، الأمر الذي حدا بحملة الأقلام في أدبنا – مثلهم في هذا مثل حملة الأقلام في كل أقطار المشرق العربي – إلى تعجل اللحاق بركب الآداب الأوروبية المتقدمة، عن طريق استرفاد كل أو بعض المناهج والتيارات التي اجتازتها تلك الآداب عبر آماد زمنية متطاولة، ومن ثم بدت هذه المناهج وكأنها قد استزرعت في غير بيئتها، كما بدت تكويناتها من المذاهب والفلسفات الاجتماعية والفنية، وكأنها اختصرت اختصارا حين عمدت إلى التراكم الجملي وأغفلت عنصر التعاقب أو قانون "الوراثة المذهبية" الذي حكم الآداب الأوروبية خلال تاريخها الممتد.
إلى هذا "التزامن" في نشأة ثم تطور الاتجاهات والمذاهب الفنية في أدبنا أشار الحكيم غير مرة. أشار إلى ذلك في "زهرة العمر" حين قال : "هذه الحرب الكبرى قد جاءت في الفنون والآداب بهذه الثورة التي يسمونها المودرنيزم، فكان لزاماً علي أن أتأثر بها، ولكنني – في الوقت ذاته- شرقي جاء ليرى ثقافة الغرب من أصولها، فأنا موزع الآن كما ترى بين الكلاسيك والمودرن، لا أستطيع أن أقول مع الثائرين فليسقط القديم؛ لأن هذا القديم أيضا جديد علي ... فأنا مع أولئك وهؤلاء"(6). لكأننا –إذاً- من كاتبنا بإزاء من يريد أن يقطع الطريق كله دفعة واحدة، ولو بالتواثب عبر شتى خطوطه و منحنياته، ولو بالتصادم مع تلك الحقيقة التي لا تقبل دفعاً، وهي أن من يريد أن يكون كل المذاهب جملة واحدة، فليس منها جميعا في القلب؛ لأنه يتجاهل تلك العلاقة الجدلية الحميمة بين الأساس الاجتماعي والمذهب الأدبي، ثم لأنه يرادف بين تراكم الاتجاهات الفنية ودواعي النهضة التي تقضي "بأن تكون كل أنواع الفن في المسرح وغيره ممثلة لدينا، وأن تفتح جميع الأبواب أمام كل السبل والطرق والأساليب، فإن ما ينبغي أن نخشاه هو أن يجمد فننا في قالب واحد، في الوقت الذي يتحرك فيه الفن العالمي في مختلف الاتجاهات"(7).
ويقطع المستشرق الأوروبي أغناطيوس كراتشكوفسكي بأن طريق الحكيم الصعب هو الذي أفضى به إلى ذلك المزيج العجيب من "الرمزية والانطباعية" عبر عملين لم تكد تفصل بينهما – من حيث الإصدار – سوى أشهر ذوات عدد : أهل الكهف 1933م، وشهرزاد 1934م (8). وربما أمكن تفسير هذا المزج بمقولة "التزامن" المشار إليها؛ لأنها تنهض أساساً على فكرة هذا الاصطفاء أو التوفيق أو التأثر الحر بأمشاج من التيارات الأدبية المختلفة، بيد أننا إن استطعنا فهم تلك "الانطباعية" والامتداد بجذورها إلى أعمال "سترندبرج" أو "بيرانديللو"، فربما لن نستطيع – وبنفس اليسر – أن نصنع ذات الصنيع مع الأصول الرمزية التي التفت بها هذه الجذور أو تفاعلت معها، لسبب بسيط، وهو أن جرعة الرمز فيها هي الغالبة، ثم لأن الانطباعية وما جرى مجراها من نزعات "المودرنيزم" الأوروبي كانت في الفترة التي ظهرت فيها بواكير أعمال الحكيم الذهنية قد خرجت للتو من تحت عباءة الرمزية، فمن السهل حينئذ الارتداد بالأمشاج الانطباعية القليلة إلى أصولها من الرمزية، وليس من السهل تعليل هذه الأصول الرمزية ذاتها دون كثير من الأناة و الجهد، وغير قليل من المراوغة وحسن التأتي.
في قصيدة "وشم الأفعى Ébauche d'un serpent" لأشد ورثة الرمزية Post - Symbolists لمعانا وبريقاً، وهو الشاعر الكاتب "بول فاليري"، لا نرى الجسد – فيما صوره – مجرد مرادف تلقائي للغريزة، بل نرى انتصار الأفعى على "إيفا" رمزاً لانتصار المعرفة على الجهل، وتغلب الطموح إلى الحقيقة على الخوف (9)، وكأن الغريزة والمعرفة ليستا في التحليل الأخير سوى وجهين لعملة واحدة، أو كأن حياتنا الحقة لا قوام لها بدون ذلك الخيط المشدود بين طرفين أصيلين هما الروح و الجسد، فبهما يكتمل الوجود الإنساني في أمثل صورة، ومنهما تتشكل حلقة النشاط البشري المتناغم، وحتى الأفعى – الجسد في هذه الحالة- تغدو من الضرورة بمثابة الحياة ذاتها.
أما "شهريار" الحكيم فلا يرى إلا ما يراه "دانتي" حين يصف الغريزة بأنها دنس، وحين يدين الجسد باعتباره بؤرة الفساد بل إن "شهريار" ليمضي إلى أبعد من هذا حين يلعن المشاعر قاطبة؛ لأنها ضعف، ويسحق القلب وما يختلج به من ذبذبات العواطف؛ لأنه – طبقا لتصوره المتحنث – لا يستحق سوى السحق والتدمير... تقول له شهرزاد باسمة:
أنا جسد جميل...هل أنا إلا جسد جميل؟
فيجيبها صائحا:
سحقا للجسد الجميل.
فتعلو به درجة عن الجسد إلى القلب، قائلة:
أنا قلب كبير..هل أنا إلا قلب كبير؟
فيجيبها بنفس النبرة:
سحقا للقلب الكبير!(10)
ثم ماذا بعد أن ينسلخ الإنسان من فصيلته باعترافه هو نفسه؟ ماذا بعد أن يضحى "معلقاً بين السماء و الأرض" كالوتر المشدود، لا هو إلى السماء فينعم بروحانياته، ولا هو إلى الأرض فيسكن إلى آدميته؟ ليس بعد إلا الذبول ثم الموت، تماماً كشعرة انقطع غذاؤها وجف فيها ماء الحياة فابيضت ولم يبق إلا انتزاعها، وما أهونه على اليد التي تريد.
وهكذا لا يكون أمام شهريار إلا أن يختفي وإلى الأبد، ولعله يعود من جديد، ولكنه هذه المرة سيكون لابساً إهاب إنسان سوي، فما الوجود إلا دورات تتقمص فيها الروح رداء الجسد، أما ذلك الذاهب الغارب "فليس إلا شعرة بيضاء قد نزعت.."
هل ينطلق الحكيم من ذلك إلى تأكيد فكرة "الخلود" في صورتها المصرية القديمة؟ أم تراه يخلط هذه الفكرة بشذرات من التناسخ الهندي العتيق؟ ليس هذا التصور أو ذاك بعيداً – على أية حال – عن أفق الحكيم، يشهد بذلك تلك الاقتباسات التي أودعها صدر عمله الروائي الذائع "عودة الروح"، كما توحي به عودته إلى التراث الفرعوني ممثلاً في مسرحيته "إيزيس"، بل و تؤكده – أكثر من هذا و ذاك – اعترافاته الصريحة في "زهرة العمر" بأنه كان في طائفة من أعماله واقعاً تحت تأثير مصر القديمة، وكتاب الموتى على وجه التحديد، "فالبعث كلمة ذات أربعة أوجه كالهرم، وجهها الأول الموت، ووجهها الثاني الزمن، ووجهها الثالث القلب، ووجهها الرابع الخلود"(11).
3-
أترى مسرح الحكيم الرمزي ذهنياً متمحض الذهنية كما حلا لبعض النقاد أن يصفه، بل وكما استمرأ الحكيم نفسه أن يصف هذا الضرب من المسرح حين جعله "مجرد أفكار تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز"(12)؟ وهل يفتقد بالتالي أية وشائج قد تصل ما بينه وبين حركة الحياة التي كانت تموج من حوله آنذاك؟
يمكن أن نختار الطريق الأسهل فنقول مع الناقد التركي الأصل إسماعيل أدهم: "إن توفيق الحكيم لم يتخلص من فردية باعدت بينه وبين المجتمع، وجعلته ينظر إليه نظرات شخص يشارك الشعب آلامه، ولكن من بين غدق السحاب، ثم كانت النزعة الغيبية عنده فاندفع يطلب للشعب حياة روحية تعلو عن معترك الحياة المادية ..."(13). ويمكن أن نتحرى الدقة – ولا تخلو الدقة أحياناً من غرابة – فنزعم أن الدلالة الرمزية، وهي الدلالة التي تشغل المستوى الثاني بعد الدلالة الأولى المباشرة، لا تلبث أن تشف عن دلالة فكرية عميقة تحتل بدورها – حسب تعدد طبقات المعنى – المستوى الثالث من مستويات الدلالة، وفي ضوء هذه الدلالة الفكرية العميقة قد نبصر في شهريار ومصيره الذي انتهى إليه "مصير كل شعب ينسى ذاتيته ويفقد أصالته"(14)، وبالمثل يمكن أن نرى في انسحاب "أهل الكهف" إلى كهفهم ضرباً من الاندياح مع منطق الأشياء، ونوعاً من العلاقة الحوارية الحميمة بين الإنسان ومناخه البشري زماناً ومكاناً، بما يعني في النهاية أن انسلاخ الإنسان عن هذا المكان بكل علاقاته البشرية والتاريخية هو ضرب من الانتحار الإرادي، ولهذا التصور – بدوره – قدر من الملامسة مع ظاهرة "التغريب" التي شاعت لدينا في مطلع القرن الماضي وارتبطت بهيمنة الخيار الأوروبي ثقافة وعادات وتقاليد، وكأن العمل المسرحي يدين هذه الظاهرة من بعيد حين يبرز عقم فكرة "الانسلاخ" و لا جدواها وانتهاءها – من ثمة – بالانسحاب.
هل يعني ذلك صلة – أكثر من مطلق التجريد – بين "شهرزاد" و"أهل الكهف"؟ لا شك في وجود هذه الصلة ، فبالإضافة إلى تلك الدلالة البعيدة التي تربط ما بين مسرح الحكيم الرمزي بعامة وحركة الحياة من حوله قبولاً ورفضاً، إيجاباً وسلباً، اندماجاً بها أو اعتزالاً لها، نلحظ بين العملين مستويات للتماثل، كما نلحظ بينهما مستويات للمخالفة، وأول ملامح التماثل يكمن في "إيقاع الفكر" السائد في كلتا المسرحيتين، ونعني بإيقاع الفكر أن كلتيهما تحاول أن تكون محكاً أو اختباراً أو برهنة على فكرة ترسبت في ذهن الكاتب وتسربت عبر أعصابه المدركة حتى تشبع بها تماماً قبل أن يخط حرفاً واحداً في عمله، و إذا كنا قد تابعنا خطوات هذا الإيقاع ودرجاته في "شهرزاد" فإننا لن نعدم أصداءه في "أهل الكهف" ممثلة في المفارقة الضخمة بين حقيقتي الزمن والخلود، لأن أولهما يتعلق بالفاني والمتغير، وثانيهما يتعلق بالثابت الذي لا يفنى ولا يتحول، وهي مفارقة كان إيقاعها الفكري سابقاً على العمل ذاته، بدليل شهادة الكاتب نفسه بسبق وقوعه تحت تأثير الكتب المقدسة على اختلافها فيما يخص فكرة الزمن ومتعلقاتها من الموت والبعث والخلود(15).
ونحن نحتفل بذكرى وفاة الحكيم (يوليو 1987) لا يفوتنا أن نقول إن هذا "الإيقاع الفكري" يفضي بنا إلى ملمح آخر من ملامح التماثل، وهو ملمح لا يؤاخي بين العملين فحسب، بل يكاد يكون آصرة مشتركة بين كل مفردات النتاج الذهني عند الحكيم، نعني بذلك انبثاق هذا الإيقاع من مجال الصراع الداخلي الذي بدأ يفرض نفسه على المبدعين منذ أواخر القرن التاسع عشر مروراً بالنصف الأول من القرن العشرين، سواء كان هذا الصراع بين المعرفة والعاطفة، أو بين الروح والمادة، أو بين العقل والجسد، أو بين الإنسان والزمن، وهو صراع مفهوم البواعث ساعد على احتدامه الطابع العلمي The Scientific Outlook للحقبة المشار إليها، وكان لا بد من معالجته، ثم وضعه كقضية من قبل كل مثقف، على اعتبار أنه أصبح يمثل ضرباً من مرض العصر Modern Sickness ، ثم ما لبث حين هدأ أن انعكس على معظم النتاج الأدبي في صورة حساسية ذاتية لم تكن لتوجد قبل ظروف القرن العشرين(16).