خطة رئاسية لإنقاذه مقر «قيادة الثورة».. شاهد على أخطر القرارات
بقلم – أماني عبد الحميد
بشكل شخصى أبدى الرئيس عبدالفتاح السيسى اهتماما بالغا بمشروع تطوير وترميم مبنى مجلس الثورة ينظر إليه بعين الرعاية الفائقة ويعقد اجتماعات دورية مع قيادات وزارة الثقافة وقطاع الفنون التشكيلية من أجل التوصل إلى الصيغة النهائية لما سيكون عليه المتحف الذى سيحكى للأجيال الجديدة تاريخ ثورة يوليو وما قبلها من تفاصيل الحياة الملكية وحكاية الضباط الأحرار الذين غيرت حركتهم التحررية وجه الحياة على أرض مصر بعدما تخلصوا من حكم الملكية ورفعوا شعارات الوحدة الحرية الاشتراكية.
وعلى أرض الواقع نجد أن المبنى هجرته مظاهر الأبهة والجمال, ظل قابعا لسنوات طويلة يجتر الذكريات وينتظر قرار الرئيس ليأمر بإنقاذه من براثن النسيان, مبنى ذو طراز معمارى رومانى قديم حمل بين جدرانه تاريخ أمة ثارت ضد الطغيان وكانت غرفاته الأربعون وردهاته وبهوه العظيم معقلا للثوار المتمردين على الملكية وشاهدة على أخطر قرارات غيرت وجه الحياة على أرض مصر, لم يبق من ذلك العصر الثورى سوى ختم النسر المعلق على أعمدة المداخل والأروقة مكتوب تحت رجليه شعار الثورة “وحدة, حرية, اشتراكية”, المتحف والمبنى يحتاج إلى ميزانيات لاستكمال مشروع تحويله إلى متحف يحكى تاريخ أحد عشر ضابطا قادوا أول حركة تمرد لقلب نظام الحكم فى مصر وتحويلها من الملكية إلى الجمهورية.
مجلس قيادة الثورة انعقدت أولى جلساته داخل المبنى الذى كان فى الأصل استراحة لليخوت الملكية, بقعة اختارها بعناية الملك فاروق قبيل انهيار سلطانه بأعوام قليلة, حيث أصدر فى عام١٩٤٩ قرار بإنشاء المرسى الملكى فى الجزيرة, وانتهت أعمال البناء فى عام ١٩٥١ بتكلفة بلغت وقتها ١١٨ ألف جنيه مصري, المبنى مكون من ثلاثة طوابق على شكل مربع مفرغ من القلب, يضم أربعين غرفة على مساحة ٣٢٠٠ متر مربع, لكن تغيرت الأحوال, ولم تطأ أقدام فاروق المكان, ولم يهنأ به, فقد باغتته ثور ٢٣ يوليو قبل أن يفتتحه رسميا, ليتحول بعدها إلى مقر لمجلس قيادة الثورة, وقع اختيار أعضائها على المبنى ليكون مقرا للقيادة, بعد أن كان مقر الثورة داخل مبنى القيادة العامة للجيش فى منطقة كوبرى القبة, ونظرًا لاحتواء المبنى على شرفة كبيرة تطل على النيل وتكشف ثكنات قصر النيل التى كانت مقر القوات البريطانية فى مصر قبيل الجلاء, وفى الوقت الذى اتخذ أوصياء العرش قصر عابدين مقرا لهم, شهد المبنى تنصيب محمد نجيب كأول رئيس جمهورية, وظلت جدرانه شاهد عيان على اجتماعات قادة الجيش الثوار, ومن داخل قاعاته صدرت أخطر القرارات التى غيرت مجرى الحياة السياسية فى مصر مثل عزل الملك فاروق وإعلان الجمهورية, مصادرة أملاك أسرة محمد على, حل الأحزاب, إعلان الجلاء, وإعلان دستور ١٩٥٦, بناء السد العالى, الوحدة مع سوريا, وفى ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ خرجت منه جنازة الرئيس جمال عبدالناصر, وكان آخر الأحداث التى شهدها المبنى القديم كانت محاكمات ثورة التصحيح التى أقامها الرئيس الراحل أنور السادات ودخل المبنى بعدها دائرة النسيان.
وفى عام ١٩٩٩ صدر قرار جمهورى رقم ٢٠٤ بتحويل المبنى إلى متحف يخلد ذكرى زعماء ثورة يوليو ومجلس قيادتهم لها, وتسلمت وزارة الثقافة المبنى فى حالة سيئة للغاية, الغرف عارية الجدران ذات أبواب وشبابيك محطمة تماما, طال الإهمال كل ركن من أركانه بعد أن دخل حيز النسيان أكثر من ثلاثين عامًا, حيث تحول بعد ثورة التصحيح إلى مقر للسكرتارية الخاصة بالرئيس السادات، نظرا لقربه من منزله بالجيزة, ثم تحول بعدها إلى مقر للجنة التى تم تشكيلها بقرار جمهورى فى عام ١٩٧٥ لتقوم بأعمال التوثيق والتأريخ لوثائق الثورة برئاسة حسنى مبارك، وكان وقتها نائبا لرئيس الجمهورية, ومع تطور الحياة السياسية فى مصر, توقف الزمن داخل المبنى وتاهت فى ردهاته كل ما هو متعلق بوثائق الثورة من محاضر اجتماعات وتسجيلات المحاكمات والمخاطبات والمراسلات التى صدرت من داخل قاعاته, حيث كان المبنى يضم قاعة المحاكمات التى شهدت محاكمات على سبيل المثال سلاح الفرسان عام ١٩٥٤ ومايو١٩٧١ لمراكز القوى خلال ما سمى بثورة التصحيح, كما كان لجمال عبدالناصر مكتب داخل إحدى غرفه.
وفى عام ٢٠٠٣ وضعت وزارة الثقافة ممثلة فى قطاع الفنون التشكيلية تصور لإقامة متحف ومركز ثقافى لتخليد ذكرى زعماء الثورة بدأت المرحلة الأولى والثانية منه بميزانية تقديرية ١٠٠ مليون جنيه, لكن للأسف توقفت الأعمال الإنشائية فى أعقاب ثورة يناير ٢٠١١, وبعدها حاول قطاع الفنون استكمال المشروع، لكن للأسف توقف العمل، نظرا لضخامة الميزانيات المطلوبة لتنفيذ التصور الموضوع, بالرغم من أن الوزارة كانت قد نفذت بالفعل بعضا من أعمال المرحلة الأولى ١٨ مليون جنيه والمرحلة الثانية بتكلفة ١٤ مليون جنيه ومن قبلها ٨ ملايين جنيه أيضا تم صرفها, كل ذلك ولم يصل المشروع إلى نهايته, وعند المرور بالقرب من المبنى لا نجد سوى بقايا مبنى ومعدات مخزونة عند الأركان ويظهر من داخله النسر المعدنى أحد ركائز التصميم القديم بعدما اعتلاه الصدأ, ولا نجد سوى وضع سيىء للغاية مقارنة بحالته عند البدء فى المشروع فى عام ٢٠٠٣.
واليوم بعد مرور ما يقرب من عشرين عاما على صدور قرار تحويل المبنى إلى متحف, تقوم مؤسسة الرئاسة بدراسة المشروع الذى تقدمت به وزارة الثقافة لإعادة صياغة المبنى وتحويله إلى متحف ومركز ثقافي, على أن يحوى المتحف ثلاثة محاور رئيسية, أولا تاريخ الملكية فى مصر وأسباب اندلاع ثورة يوليو ١٩٥٢, ثم تاريخ الثورة ومساراتها وإنجازاتها وأهم القرارات التى اتخذتها وغيرت وجه الحياة فى مصر, والمسار الأخير يرصد تأثيرات الثورة على حياة المصريين حتى وقتنا هذا, ولا يزال العمل يجرى على قدم وساق، حيث يتم عقد اجتماعات دورية، حتى يتم التوصل إلى تصور نهائى قبل اتخاذ القرار بالتنفيذ وتوقير الميزانيات بناء على الاتفاق بين مؤسسة الرئاسة المصرية وبين وزارة الثقافة.
وكان التصور القديم الذى وضعته وزارة الثقافة فى عام٢٠٠٨ يسعى إلى عرض عدد من مقتنيات زعماء الثورة والتى لا يزيد عدد ما تملكه عن ١١٨٦ قطعة, ويقضى تخصيص جناح خاص بكل رؤساء الجمهورية داخل مكتب كل منهم واستعراض عدد من النياشين والأوسمة وبعض من المتعلقات الشخصية للزعماء محمد نجيب وجمال عبدالناصر وأنور السادات, ومنها الميكرفون الذى استخدمه السادات لإذاعة بيان الثورة, وأول علم تم رفعه على أرض سيناء بعد العبور عام ٧٣, عدد من صور الرئيس جمال عبدالناصر وزعماء العالم, وصور للرئيس السادات وتماثيل نصفية, ومجموعة من الهدايا المقدمة للرئاسة فى مختلف المناسبات, طوابع بريد تذكارية صدرت خلال الفترة ما بين ٥٢ و حتى ٦٠ بمناسبة أعياد الثورة, تم الحصول على أغلب المقتنيات من رئاسة الجمهورية, على جانب قاعات لعرض فنون الميديا التى تعتمد على السرد الصوتى لتاريخ الثورة, والتى قد يتزامن استخدامها مع عرض كل الأفلام التسجيلية والوثائقية التى أرخت لتلك الفترة وأحداثها مثل حادثة المنشية, وكان المهندس الراحل أحمد ميتو قد وضع تصورًا معماريًا للمبنى يقضى بإقامة قاعة على عمق ١٨ مترًا تحت سطح النيل لتكون أول قاعة مؤتمرات تحت سطح مياه النيل وتضم ٨٠ كرسيًا تقريبًا, تشبه إلى حد كبير المدرج وأمامه مسرح ويتبعها كافيتريا ومنطقة خدمات, على أن يغلق السقف بتصميم نسر حديدى ضخم رمز الثورة يفرد جناحيه فوق سطح المبنى, يصل وزن الحديد المكون منه أكثر من ١٢٠ طنًا سيتم تغطيتها بمادة البولى كاربونايت, حتى يشع النسر باللون الفضى المضيء من فوق المبنى ويراه كل من يقف على الضفة الأخرى من النيل أو حتى عابرى كوبرى قصر النيل.