رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


قائد أسس الصناعة المصرية.. وحماها

21-7-2017 | 17:09


بقلم: محمد فريد خميس

عندما أتحدث عن جمال عبد الناصر، إنما أتحدث عن سيرة ومسيرة من العطاء، عن جهد وإنجاز لا تخطئه العين عن وطنية مخلصة، قل أن يجود الزمان بمثلها.

لقد كان عبد الناصر قلباً نابضاً بالحب لمصر، وعقلاً مشغولاً على الدوام بهموم هذا الوطن، شخصية رائعة أذهلت الجميع، وشهد بمكانته القريب والغريب.

يقول عنه يوجين جوستين أحد رجال جهاز المخابرات الأمريكية:“مشكلتنا مع عبد الناصر أنه رجل بلا رذيلة، مما يجعله غير قابل للتجريح.. لا نساء لا خمر لا مخدرات، ولا يمكن رشوته ولا إخافته.. نحن نكرهه، لكننا لا نستطيع أن نفعل تجاهه أى شىء، لأنه غير قابل للفساد، وبلا رذيلة.”

إن أهم ما جعل الأمة تجتمع على حبه، هو شعوره بالإنسان البسيط، وبمعاناته، ومما يُحكى عنه، أنه عندما حاول مجلس الوزراء رفع سعر كيلو الشاى أثناء حكمه قرشين، رفض قائلاً إنه فاكهة الفقراء.

إننى ومثل كل مصرى عاش فترة الرئيس عبد الناصر، لدى الكثير الذى يمكن أن أقوله سياسياً واجتماعياً, لكننى فضلت أن أكتب عنه فى هذه المناسبة من منطلق أننى رجل صناعة أعرف جيداً كيف كانت لعبد الناصر بصمته فى هذا المجال، تلك البصمة التى غيرت وجه مصر فى فترة كانت عصيبة، مليئة بالتحديات، ورغم ذلك كان لإصراره على تحقيق هدفه، دور فى نجاح مشروعه الصناعى لمصر, وهذا هو المهم, فعبد الناصر لم يكن يتحرك فى هذا الملف بعشوائية أو بطموح غير مدروس, وإنما وفق مشروع صناعى واضح، له أسسه وضوابطه الحاكمة.

لقد احتلت الصناعة موقعا محوريا فى الفكر الاقتصادى للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وشكلت القاطرة الرئيسية للتنمية والنهوض بالمجتمع المصرى فى هذه الفترة المهمة فى تاريخ مصر الحديث، حيث أدركت القيادة السياسية آنذاك أن حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع المصري، لا يمكن أن يتم إلا من خلال برنامج مدروس للتنمية الصناعية الشاملة، وهو الإدراك الذى كان مرتبطاً بتصور أكبر عن طبيعة التطور الاقتصادى والاجتماعى المصرى فى تلك الفترة، وعكس فى نفس الوقت فهماً دقيقاً للواقع المصرى الذى كان سائداً قبل ثورة ١٩٥٢ بما حمله من مظاهر شتى للتخلف الاقتصادى بالإضافة للتفاوت الاجتماعى الصارخ بين الطبقات.

وقد ارتكزت إستراتيجية عبد الناصر فى مواجهة هذه التحديات على عنصريين رئيسيين: الأول هو زيادة الإنتاج وتعظيم الموارد الشاملة للدولة، والثانى هو الحل السلمى للصراع الاجتماعى من خلال التعاون بين الطبقات فى إطار نظرة مشتركة للصالح العام للمجتمع. وقد بدأت أولى خطوات هذا البرنامج بقوانين الإصلاح الزراعى التى استهدفت سد الفجوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء، والقضاء على الإقطاع الزراعي. إلا أنه سرعان ما تبين لقادة الثورة أن الإصلاح الزراعى وحده لا يكفى لإصلاح الخلل القائم، وأن هناك حاجة إلى إستراتيجية متكاملة للتنمية ترتكز على دخول مصر بقوة فى مجال التصنيع من أجل تعظيم القيمة المضافة للموارد والإمكانيات المتاحة.

و شهدت مصر فى عهد عبد الناصر تطورًا صناعيا كبيراً استهدف إقامة قاعدة صناعية حقيقية تفى بالاحتياجات التنموية لمصر، وتكسر التبعية الاقتصادية للخارج. ففى سبتمبر ١٩٥٢ تم إنشاء المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي، وهو المجلس الذى أصدر خطة الاستثمارات العامة فى يوليو ١٩٥٣ وهى خطة طموحة لمدة ٤سنوات بدأت بمقتضاها الدولة باستصلاح الأراضى، وبناء مشروعات الصناعات الثقيلة كالحديد والصلب، وشركة الأسمدة كيما، ومصانع إطارات السيارات الكاوتشوك، ومصانع عربات السكك الحديدية سيماف، ومصانع الكابلات الكهربائية.

وفى يوليو ١٩٥٦ قام عبد الناصر بتأميم شركة قناة السويس من أجل توفير التمويل اللازم لبناء السد العالى وتوفير الطاقة الكهربائية اللازمة للتوسع الصناعي. وفى نفس الشهر أنشأ عبد الناصر أول وزارة للصناعة فى مصر تحت إشراف الدكتور عزيز صدقي. وفى أعقاب العدوان الثلاثى على مصر عام ١٩٥٦ تم تمصير وتأميم ومصادرة الأموال البريطانية والفرنسية فى مصر وتم إنشاء المؤسسة الاقتصادية عام ١٩٥٧ والتى تعتبر النواة الأولى للقطاع العام المصري، وآلت إليها كل المؤسسات الأجنبية الممصرة. وفى نفس الفترة قامت وزارة الصناعة بالاشتراك مع لجنة التخطيط القومى بوضع أول برنامج للتنمية فى قطاع الصناعة، وكان دور القطاع الخاص محوريا فى تلك الخطة، حيث احتفظت الحكومة للقطاع الخاص بالصناعات ذات الإنتاج والربح السريع، واحتفظت لنفسها بالمشروعات الصناعية الأساسية التى لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها. غير أن القطاع الخاص لم يقم بإنجاز الاستثمارات الموكلة إليه واتجه إلى الاستثمارات العقارية. وقد ترتب على ذلك قيام الدولة فى عام ١٩٦٠ بتدشين أول خطة خمسية مركزية للتنمية الشاملة فى مصر، وهى الخطة التى منحت الدولة السيطرة الكاملة على النشاط الصناعى فى ظل تخاذل القطاع الخاص.

نتيجة لهذه الإجراءات شهدت الفترة الممتدة من عام ١٩٥٩ إلى ١٩٦٧ ارتفاعا ملحوظاً فى معدلات الاستثمار وفى متوسط دخل الفرد، وتغيراً واضحاً فى هيكل الاقتصاد المصرى ومعدل التصنيع. فقد ارتفع معدل الاستثمار خلال هذه الفترة من ١٢,٥٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى عام ١٩٥٩ الى ١٧,٨٪ فى عام ١٩٦٥، وهو ما ترتب علية أن حقق الاقتصاد القومى نمواً حقيقيا زاد على ٦٪، وارتفع مستوى الدخل الحقيقى للفرد بأكثر من ٣٪ سنويا بعد ركود فى متوسط الدخل استمر لأكثر من أربعين عاما, وهذا يعنى أن مصر استطاعت خلال عشر سنوات أن تقوم بتحقيق تنمية تماثل أربعة أضعاف ما استطاعت تحقيقه فى الأربعين سنة السابقة لعام ١٩٥٢ وذلك فى الوقت الذى لم تتجاوز فيه معدلات النمو فى دول العالم الثالث نسبة ٢,٥٪سنويا. وقد حظيت الصناعة والكهرباء بالنصيب الأكبر فى معدل النمو مقارنة بالقطاعات الأخرى، حيث نما الناتج الصناعى بمعدل ٨,٥ ٪ والكهرباء بمعدل ١٩٪ سنويا, وأدى ذلك إلى تغير واضح فى صورة الهيكل الاقتصادى المصري، وهو ما تمثل فى ارتفاع نصيب الصناعة والكهرباء فى الناتج المحلى الإجمالى من ١٧٪ فى عام ١٩٥٨ إلى ٢٣٪ فى عام ١٩٦٥، وزيادة نصيب الصناعة فى الصادرات من ١٨٪ إلى ٢٥٪، وزيادة حجم العمالة الصناعية خلال هذه الفترة بأكثر من ضعف الزيادة فى إجمالى القوى العاملة. وقد ترتب على ذلك أن حدث تحسن ملحوظ فى نمط توزيع الدخل، وهو ما انعكس فى ارتفاع نصيب الأجور الصناعية فى إجمالى الدخل الصناعى من ٢٧,٥٪ إلى ٣٣,٤٪، وازدياد متوسط الأجر الحقيقى فى الصناعة بنسبة ١٢٪ خلال نفس الفترة.

وقد يفاجئك أحدهم بسؤال : ماذا صنع عبد الناصر لمصر ؟

والإجابة : ما أكثر ما قدم هذا الزعيم الوطنى لبلده.

٧٢ عاماً من الاحتلال الإنجليزى، أنهاها عبد الناصر بالجلاء.

١٠٠عام من تدخل إدارة قناة السويس فى شئون مصر، بخلاف تورطها فى احتلال مصر، أنهاها عبد الناصر بالتأميم.

١٥٠ عاماً من احتكار أسرة محمد على لأراضى الفلاحين، أنهاها عبد الناصر بالإصلاح الزراعى.

١٥٠ عاماً من الملكية، أنهاها عبد الناصر بإعلان الجمهورية.

عقود طويلة من الجهل، أنهاها عبد الناصر بمجانية التعليم.

عقود طويلة من الفيضان، أنهاها عبد الناصر بالسد العالى.

عقود طويلة من المرض، أنهاها عبد الناصر بالتأمين الصحى.

فى عصر عبد الناصر، دخل العامل والفلاح فى البرلمان.

فى عصر عبد الناصر،أصبح للمرأة صوت انتخابى،وأصبحت وزيرة.

فى عصر عبد الناصر، أُرسلت البعثات الأزهرية إلى إفريقيا، واستقبلت مصر طلابها.

وفى عصر عبد الناصر، بدأت الإذاعة والتليفزيون بثهما .

فى عصر عبد الناصر، بدأت ثلاث منظمات دولية عملها، منظمة عدم الإنحياز، ومنظمة الوحدة الأفريقية، ومنظة المؤتمر الإسلامى.

فى عصر عبد الناصر، بدأت أول سيارة تصنيع مصرى كامل، تسير بشوارع القاهـرة (السيارة نصر ).

فى عصر عبد الناصر، بدأ طيران أول طائرة حربية مصرية (المقاتلة القاهرة  (٣٠٠ كما نجحت مصر فى تصنيع صواريخ القاهر والرائد والظافر.

وفى عصر عبد الناصر، لم تشهد مصر فتنة طائفية، وبنى عبد الناصر كاتدرائية العباسية، وضم مسيحيى أثيوبيا للكاتدرائية.

وفى عصره أيضاً :

أنشأت مصر أكبر قاعدة صناعية فى العالم الثالث، حيث بلغ عدد المصانع التى أُنشئت فى عهد عبد الناصر ١٢٠٠ مصنع، منها مصانع صناعات ثقيلة وتحويلية وإستراتيجية.

كانت المحلات المصرية تعرض وتبيع منتجات مصرية من مأكولات وملابس وأثاث وأجهزة كهربية، وكان الرئيس عبد الناصر يتفاخر بأنه يرتدى بدل وقمصان غزل المحلة، ويستخدم الأجهزة الكهربائية المصرية ( إيديال ).

تم بناء مجمع مصانع الألمونيوم فى نجع حمادي، وهو مشروع عملاق بلغت تكلفته نحو ٣ مليارات جنيه.

أنشئت شركة الحديد والصلب فى منطقة التبين بحلوان كأول مجمع متكامل لإنتاج الصلب فى العالم العربى برأسمال ٢,١ مليون جنيه، على مساحة تزيد على ٢٥٠٠ فدان.

تأسست الهيئة القومية للإنتاج الحربي، لتكون صرحاً من صروح المنشآت الصناعية الكبرى فى مصر، التى يجرى تطويرها بصفة مستمرة، وتضم مصانع «الإنتاج الحربي» ١٨مصنعاً، يقوم بعضها بتقديم خدماته للمجال العسكري، وتدعيم المركبات، والمعدات بما تحتاجه القوات المسلحة فنياً، إضافة لتلبية احتياجات المواطنين، وتقديم منتجاتها بأسعار تنافسية، وكانت النتائج مدهشة حيث دخلت منتجات «المصانع الحربية» إلى كل بيت مصري.

كان جمال عبد الناصر هو الأب الروحى لصناعة الغزل والنسيج فى مصر، وصاحب الفضل الأول فى الطفرة التى شهدتها هذه الصناعة الكبرى فى ستينيات القرن الماضى حتى أصبحت الصناعة الأولى فى مصر، ويضرب بها المثل بين مختلف دول العالم. ولهذا فإن عمال مصر بوجه عام، وعمال الغزل والنسيج بوجه خاص يعتبرون «عبد الناصر» هو قائد النهضة الصناعية، حيث أنشأ العديد من الشركات، التى مازالت موجودة حتى الآن، من بينها غزل المحلة وكفر الدوار للنسيج.

بلغ ثمن القطاع العام الذى بناه المصريون فى عهد الرئيس عبد الناصر بتقديرات البنك الدولى ١٤٠٠ مليار دولار.

استطاع الاقتصاد المصرى على الرغم من هزيمة ٦٧ أن يتحمل تكاليف إتمام بناء مشروع السد العالى الذى اختارته الأمم المتحدة عام ٢٠٠٠ كأعظم مشروع هندسى وتنموى فى القرن العشرين، والذى يعادل فى بنائه ١٧ هرماً من طراز هرم خوفو.

استطاعت مصر ورغم نكسة ٦٧ أن تحافظ على نسبة النمو الاقتصادى، كما كان قبل النكسة، بل إن هذه النسبة زادت فى عامى ١٩٦٩ و١٩٧٠ وبلغت ٨ ٪ سنويا.

استطاع الاقتصاد المصرى عام ١٩٦٩ أن يحقق فائضًا فى الميزان التجاري، لأول مرة، وآخر مرة، قدره ٤٦,٩ مليون جنيه.

توفى عبد الناصر واقتصاد مصر أقوى من اقتصاد كوريا الجنوبية، ولدى مصر فائض من العملة الصعبة تجاوز المائتين والخمسين مليون دولار، بشهادة البنك الدولى.

زادت مساحة الرقعة الزراعية، وزادت مساحة الأراضى المملوكة لفئة صغار الفلاحين من ٢,١ مليون فدان إلى حوالى ٤ ملايين فدان.

زاد عدد الشباب فى المدارس والجامعات والمعاهد العليا بأكثر من ٣٠٠٪، وانخفضت نسبة الأمية من ٨٠ ٪ قبل ١٩٥٢ إلى ٥٠ ٪ عام ١٩٧٠ بفضل مجانية التعليم فى كل مراحل الدراسة.

تم إدخال الكهرباء والمياه النظيفة والمدارس والوحدات الصحية والجمعيات الزراعية إلى كل قرى مصر، وتم ضمان التأمين الصحى والاجتماعى والمعاشات لكل مواطن مصري، وكل ذلك تم بدون ديون على مصر.

تم وضع حدود دنيا وعليا للرواتب والدخول، تحقيقاً للمساواة ومراعاة للعدالة الاجتماعية بين أفراد الشعب، فلا أحد يعيش برفاهة وبذخ، ولا أحد يعيش دون مستوى الكفاف, وكان الجنيه المصرى يساوى وقتئذ ثلاثة دولارات ونصف دولار، ويساوى أربعة عشر ريالاً سعودياً بأسعار البنك المركزى المصري.

كان هذا غيضاً من فيض، قليلاً من كثير عن ذلك الزعيم الوطنى المخلص، المحب لهذا الوطن والعاشق لكل ذرة من ترابه، جمال عبد الناصر.