رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


يا متبولي

28-6-2022 | 15:24


محمد علي السيد,

على حائط آخر عمارة يمين تقاطع شارعي الجلاء ومخرج شبرا، لافتة زرقاء من سطرين، "شارع الجلاء - سيدي المدبولي سابقا".

حتي عام 1988 كان هناك مقام خشبي لسيدي إبراهيم المتبولي علي رصيف مبني هيئة التأمين الصحي (شمال ش الجلاء في اتجاهه لميدان الإسعاف) تم إزالته لتنفيذ هواية مترو أنفاق (حلوان - المرج).

والمرج موقع مسجده ببركة الحج (مدينة السلام)، وزاويا تعبد تشمل 7 أماكن (سطوح مساجد السيد البدوي بطنطا- والقاضي شرف الدين بالأزهر - والشيخ رستم بشبرا - ودرب السباع قرب السيدة نفيسة - والظاهر بيبرس  بغمرة).

وقد يكون سمي الشارع في عصر محمد على1820 م واستمر 130 سنه ثم أصبح شارع الجلاء عقب خروج الإنجليز 1956، ويمتد من ميدان رمسيس حتي كورنيش النيل ومسقوف حاليا بكوبري 6 أكتوبر.

حيث يتقاطع مع شارع 26 يوليو (رحيل الملك فاروق) وتطل عليه عدة مؤسسات منها مبنى للسكة الحديد وقسم الأزبكية ومستشفى الهلال الأحمر ونقابة العمال ومؤسسة الأهرام، وسنترال رمسيس ومعهد الموسيقي العربية والإسعاف ومستشفى الجلاء للولادة، والسفارة الإيطالية.

إذا تخيلنا المقام من 500 عام نجده يتوسط جزر وبرك ومستنقعات بين بركة الأزبكية وشرق النيل وجزيرة الفيل (شبرا حاليا). 

المتبولي من قرية "متبول" بقطاع غزة - فلسطين ولد 776هـ، وجاء مصر في عمر 23 عقب غزو التتار للشام 789هـ، في مستقره الأخير بقرية "بركة الحج" أصلح 50 فدانا "غيط المتبولي" للزراعة والنخيل والمواشي، ليصرف على المريدين وحفر ساقية باسم نبي الله شعيب "200م شرق مسجده".

توفي 880هـ عن مائة عام في "أسدود" شمال غزة عند قبر سليمان الفارسي في طريقه للقدس.

بركة الحج، شمال شرق القاهرة، شرق المرج غرب ترعة الإسماعيلية، جنوب الخانكة، ذات أرض منخفضة عن الأراضي الزراعية حولها فتكونت بها بركة مياه كبيرة، ويقال (البُركة) بضم الباء طائر مائي صغير أبيض، كان يحلق فوق مياه الفيضان فجذب أرباب الثراء والجاه لصيده، أو اسم أشراف من الحجاز عمروها.

ويقال من بروك جمال الحج ومحمل كسوة الكعبة لإضفاء هالة تبعد الاسم عن الماء الراكد وروائحه وقد ردمت وبني مكانها عمارات، تم إنشاءها 21هـ على خليج أمير المؤمنين، من شارع الخليج المصري إلى بركة الحج، ثم مسار ترعة الإسماعيلية الحالي حتى السويس 

سميت (جب عميرة) لواليها عميرة بن تميم بن جزء النجيبي، دارت بها معركة بين ليث بن فضل والي مصر العباسي، وأهل الحوف (الدلتا) 384هـ أستعرض بها العزيز بالله الفاطمي أسري الروم.

- استخدمها الأيوبيون قاعدة حشد للجيش.

- شجرة الدر جعلتها المحطة الأولى لدرب الحج المصري (القاهرة - أيله.. إيلات) باسم بركة الحج عندما غادرت للقدس 20 ذي الحجة 647هـ بعد وصول توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب الذي مات منذ 5 أشهر في 15 شعبان، فأدارت الحرب في المنصورة لصد الصليبيين (حملة لويس التاسع)، ومرت على البركة للتزود بالمياه، وكررتها في العودة بعد ٤ أسابيع، فقد قتل المماليك (توران شاه) 27 محرم 648 هـ بعد 37 يوم حكم وحكمت مصر 80 يوما  27 محرم - 18 ربيع آخر 648هـ.

ثم تنازلت عن العرش لقائد الجيش (عزالدين أيبك) في 19 ربيع أول 648 هـ وتزوجته وقبلها بيوم واحد 18 ربيع أول مزقت ريح عاتية كسوة الكعبة لتبقي عارية 12 يوما حتى اشتري والي مكة قماش أبيض صبغه بالسواد ووضعه عليها حتى تأتي الكسوة السنوية من مصر

وكان درب الحج المصري موقوفا 20 سنة باحتلال الصليبيين إيلات والسفر عن طريق (قوص ــ عيذاب) بالبحر الأحمر.

وكانت قد أمرت بتنفيذ كسوة باسمها قبل 6 أشهر من سفر الحجاج في شوال وصممت محملاً بهيكل هودج النساء، مزركشاً بالفضة والذهب يحمل أسمها وأرسلتهما.

فالظروف لا تسمح بسفرها  فالناصر يوسف الأيوبي وصل بجيشه للصالحية (بالشرقية) لاسترداد حكم الأيوبيين، فهزمه المماليك، ولكن تم تولية الإشرف موسى الأيوبي (سن 6 سنوات) حكم مصر بالصلح مع أيبك الذي قتلته بالقباقيب.

- بعد 19 عام سير الظاهر بيبرس محمل وكسوة الكعبة، وسافر للحج  25 ذي القعدة وفرض سلطانه على الحجاز وأمانه على طريق الحج  بتأديب العربان وتنظيم راتب سنوي لهم لحماية الحجاج  ومنع الضرائب التي كان يجمعها والي مكة من حجاج مصر وتعويضه بمنحة سنوية فسمي (درب الحج السلطاني -درب الحج المصري) وأنشئت بالقرية خانات وفنادق ومحلات للطعام  وأكبر سوق لمستلزمات الحجاج.

أهم أيامها (أسبوع المحمل)

 وجعلوه "مولد المتبولي" والذي أصبح حاليا الأسبوع الأول من أكتوبر، موسم جمع البلح ومولد  السيد البدوي، له مولد أخر بدمياط (29 رمضان) في مسجد المتبولي والمدرسة المتبولية لسلطان الأشرف قايتباي 1475م حاليا "معهد دمياط الديني".

  

بركة الحج مسيرة 5 ساعات من القاهرة بجمل المحمل - 22 كم قدر البريد المملوكي، وعلي رأس طريق القاهرة ــ السويس، مسيرة 3أيام  محطة تمويل وراحة للتجارة وصلت مساحتها 50 كم وزمامها 7 آلاف فدان فواكه و3 ملايين نخله من يمين خط حديد السويس - القاهرة وحتى يسار طريق بلبيس، فكانت منطقة لقصور الملوك والأمراء ومتنزها لسباق الخيل، ولعبة الكروكي "الرجبي".

ازدهرت القرية حتى ظهر قطار السكك الحديدية 1861م.

ويوجد مسجد المتبولي بالقرية، وكان متسع تحيط به خلاوي وغرف صغيرة للوافدين والحجيج يتوسطها بئر الوضوء وبجانبه الضريح في حجرة مربعة يعلوها قبة، وقد خضع لتجديدات وتوسعات فأصبح له مأذنة كبيرة ورمم  مقامة الخشبي وأصبح مركز ديني ومقرا لجمعية تنمية المجتمع في بركة الحج، وتغيرت الحياة حوله بمظاهر المدنية، تهدمت بيوت الطوب اللبن، وأقيمت مساكن بالحديد المسلح، ووسعت الشوارع  وتحول مكان "برك الجمال" إلى فرن للخبز، ورُدمت بركة المياه وارتفعت عمائر، وتم حماية الساقية بسور وزاوية للصلاة، تعدادها 60 ألف نسمة وتزرع الخضراوات والفواكه والنخيل.

وما يزال الولي مشهور بين مريديه بإرشاد الحجيج في الزحام يجدون رفاقهم إذا تاهو عندما يهتفون بأصوات مرتفعة قائلين "نروح فين يا متبولي ي ي ي".