بالصور.. «البيزنس» يسرق معالم الحي الهادئ.. والتاريخ المعماري يحتضر بالمعادي
أمل البرغوتي
لم يتصور أحد أن يشهد حي من أرقى وأقدم الأحياء الموجودة في مصر، محاولات جائرة لتشويه معالمه وتغير صورته الهادئة الراسخة في الأذهان، الزحف العشوائي وإزالة الفيلات الراقية وتشييد عمارات وأبراج سكنية من أجل جني المال، فضلا عن تغيير معالم بعض الطرق والحدائق والمنتزهات الخاصة بالحي، والذي يعد كارثة بشتى الطرق ويتوجب وقفها فورًا.
فالحي المعروف بهدوئه والذي يقع جنوب محافظة القاهرة، على الضفة الشرقية من نهر النيل من أجمل وأندر الأحياء من ناحية التخطيط والتصميم المعماري، ويعتبر حي "المعادي القديمة" من أرقى المناطق السكنية في العاصمة المصرية منذ إنشائها إلى وقتنا هذا.
«قصر الوالدة» وانبهار الأثرياء
إنشاء الحي بدأ على يد الخديوي إسماعيل، وشيد خط السكة الحديد لربط المعادى بمدينة حلوان، بعد أنشاء قصر بحلوان عام 1877 ووهبه لأمه وسمي بـ«قصر الوالدة»، وسميت بالمعادى لوجود "معدية" لعبور النيلـ، حيث كانت المعادي تخضع إداريا لمحافظة الجيزة من ناحية البساتين حتى نهاية الأربعينات.
تشييد القصر«قصر الوالدة»،شجع أبناء الأسرة المالكة والأثرياء والأجانب على إنشاء القصور والفيلات الفخمة في المناطق المجاورة، وهو ما استدعى ربط حلوان بالقاهرة بخط سكة حديد عام 1880 لتسهيل الوصول إليها.
محطة الطاقة الشمسية
بدأ المستثمرون في شراء الأراضي بجوار الطريق، وأسفرت عملية البيع في بداية القرن العشرين عن حصول أسرة موصيري أحد زعماء الجالية اليهودية في ذلك الوقت على مساحات كبيرة من تقسيم المعادي بعد شرائها من شركة أراضي الدلتا التي أسستها الطبقة الأرستقراطية البريطانية في مصر.
كما أنشأ الخديوي إسماعيل في عام 1912 و1913، أول محطة للطاقة الحرارية الشمسية في العالم في ضواحي المعادى، لضخ الماء نهر النيل إلى حقول القطن المجاورة، والتي صممها وشيد بنائها فرانك شومان.
وخطط الضابط الكندي آدامز المدينة كحي سكني ذي نسق واحد على الطراز البريطاني الاستعماري من خلال الشوارع المستقيمة وبناء الفيلات ذات الطابقين والحديقة الأمامية المليئة بأشجار الزينة النادرة.
تغيير أسماء الشوارع
وتولت الشركة الترويج للسكن في الحي الهادئ، وفي عام 1910 قامت الشركة المشرفة على تطوير المعادي بإنشاء ناد رياضي أطلقت عليه اسم «المعادي سبورتنج» وأقامت فيه ملاعب الجولف والكروكيت والهوكي والفروسية وحماما للسباحة إضافة إلى المساحات الخضراء والحدائق وعدة مبان للمطاعم والضيافة.
ومن محطة قطار المعادي، كانت تتفرع شوارع المنطقة بشكل مستقيم نحو الميادين الرئيسية في نواحي الحي المختلفة، وحمل الشارعان الرئيسيان اسمي ملوك مصر آنذاك، فؤاد الأول والأمير فاروق، بينما سميت الشوارع الأخرى بأسماء مؤسسيها من اليهود والبريطانيين.
كانت تسمى قطاوي وموصيري وآدامز ووليامسون، إلا أنها تغيرت في الأعوام الأخيرة لتحل محلها الأرقام مثل شارع 9 الرئيسي والموازي لخط المترو وشارع 105 وغيرها.
التراث اليهودي بالمعادي
ومع تزايد هجرة القاهريين إلى المعادي أنشأت الأقلية اليهودية معبدا في عام 1934 بناه الثري مائير بيتون وأسماه مائير عينايم، وأسس بعدها الحي اليهودي في المعادي وأصبح الحي مركز جذب لليهود المصريين، حيث شيدت فيه الفيلات الفاخرة لأثرياء الطائفة أمثال عائلة شيكوريل ومزراحي إلى جوار منازل اليهود الاشكناز من عائلات التمان وولف وليفشيش وروتشيلد.
وبلغ عددهم في منتصف الأربعينيات ما يقرب من 20 ألف شخص شكلوا ثلث سكان الحي.
بعدها أنشأ المسيحيون كنيسة كاثوليكية، كما شيد المسلمون أول مسجد في المعادي عام 1939 افتتحه الملك فاروق الأول ملك مصر في ذلك الوقت وأطلق عليه اسمه «مسجد الفاروق».
تدمير البنية التحتية
هدم فيلات المعادى القديمة الماثلة منذ أكثر من مئتي عام جريمة أثرية بموجب القانون المصري، بمعنى أن أي مبنى أو عقار يتخطى عمره المئة عام ويعد من أثار ومعالم الأحياء القديمة، كما جاء في قانون حماية الآثار، وعلى هذا فإن الهدم ينتج عنه هدم بالبنية التحتية للحى مثل شق الطرق، والكهرباء، المصارف، وخطوط الغاز في باطن الأرض، وإحداث منخفضات أرضيه نتيجة للحفر وتشويه الرسم التخطيطي للحى المصمم لها منذ نشأتها.
ووفق القانون،فأن المباني القديمة تعد آثارًا يجب الحفاظ عليها، واعتبر القانون كل شخص طبيعي أو معنوي يشغل بناء تاريخيا أو موقعا أثريا لم يتقرر نزع ملكيته أن يحافظ عليه من أي تلف أو نقصان.
إزالة الفيلات
وفى جولة صحفية،خاضها "الهلال اليوم" رصد فيها المخالفات والتجاوزات ومحاولات تشويه المعلم الحضاري لحى المعادى، حيث تنتشر مخلفات الهدم والبناء لفيلات التراث القديم.
وخلال الجولة، وجدنا كثير من الفيلات تم هدمها وأُقيمت على أرضها الكافيهات والمولات الفارهة، والعمارات السكنية الشاهقة وبعض الفيلات مهدومة ولم تستغل بعد، ففي شارع بورسعيد يوجد على جانبيه ثلاث فيلات تم هدمهم، ومن بينهم فيلا تملكها سيدة تدعى "ليلى المصري" قامت بهدم أجزاء منها لإقامة مشروع تجاري، وأوقف الحي إقامة المشروع وظلت الفيلا باقية على وضعها الحالي.
الإهمال يضرب فيلا نجيب الريحاني
أما فيلا نجيب الريحاني،فيقول "جميل.م" صاحب كشك تجاري، والذي يتواجد على ناصية الشارع، أنهتم تحويل ملكية الفيلا رقم 8 بشارع بورسعيد والمعروفة بفيلا الفنان نجيب الريحاني إلى مباحث الأموال العامة وهيئه الرقابة الإدارية، لم يطرأ عليها أي تغيرات ولا ترميم من قبل الحي، مع العلم أنها أصبحت من التراث وشاهده على حياة الفنان الراحل ويجب الحفاظ عليها.
مخلفات الإزالة تحاصر السفارة الأوكرانية
وفى شارع 83، على بعد 50 مترًا من مقر السفارة الأوكرانية تجد فيلا مهدومة، يقول الحاج محمود حارس فيلا مجاورة، أن العقار المهدوم كان عبارة عن فيلا ثلاثة طوابق أمامها حديقة صغيرة، باعها المالك الأصلي لأحد السماسرة وظلت معه سنوات ثم باعها لمالك أخر وظلت تتنقل من مالك لمالك إلى أن تم هدمها منذ عام، وسوف يقام عليها برج سكنى قريبًا ،وذكر أن مالكها القديم يدعى أحمد العبد.
الإبلاغ عن المخالفين
اللواء جمال عبد المنعم،رئيس جهاز التفتيش والمتابعة بوزارة التنمية،فسر ظاهرة هدم فيلات المعادي بأنها تعد على البنية التحتية للحي وتشويه معالمه، ويجب على كل مواطن يقطن بجوار فيلا مهدود أن يقدم شكوى على العنوان التالي، 44 شارع أبو بكر الصديق، متفرع من ميدان سفير، مصر الجديدة، قطاع التفتيش على المحليات.
وأشار إلى أن هناك بعض أعضاء مجلس النواب تعكف على إصدار قانون يمنع المالك من هدم العقارات التي مضى على إنشائها مئة عام، ونحن بصدد صدور هذا القانون للحفاظ على تراثنا المعماري من التغيرات الزمانية، وسوف يتم التحقيق والتحري حول هذه الظاهرة سواء مع الملاك أو المحليات وسيتم معاقبة المذنب على حد سواء.
جريمة تُراثية
السيد إبراهيم صابر، رئيس حي المعادى الأسبق، طالب رؤساء الأحياء بمحاربة هذه الظواهر التي تشوه معالم الأحياء، فضلا عن ضرورة سن قوانين وفرض عقوبات صارمة على المخالفين.
وأضاف أن العاتق الأكبر يقع على المحليات ولجان المتابعة والتفتيش، ومن المفترض أن يمنع منعًا باتًا هدم التراث المعماري المتميز، مشيرًا إلى أن هذا لم يحدث خلال توليه رئاسة الحي ولميتم هدم أي عقار معماري قديم، وهذه الظاهرة جديدة على الحي، وعلى الأحياء المصرية العريقة.