رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


العيد

7-7-2022 | 19:29


باكينام قطامش,

عيد بأية حال عدت يا عيد.. بما قد مضى أم بأمر فيه تجديد.

عندما تغنى المتنبي بهذا البيت من الشعر منذ العصر العباسي، لم يكن يخطر بباله أنه سيتحول على ألسنة الأجيال اللاحقة له إلى سؤال ملح يبحث الجميع عن إجابة له، وبمقارنة بسيطة وواضحة، سوف نتعرف على الإجابة، ولكن دعونا أولًا نعود سنوات إلى الوراء لنتذكر معًا أول أيام العيد.

ها هو جرس باب المنزل يدق دقات متواصلة مع نقرات راقصة من أنامل صغيرة يبدو أنها أصابع أطفال صغار، المنزل هو ما كان يطلق عليه «البيت الكبير»، يعيش فيه من بقى على قيد الحياة من كبار أو كبيرات الأسرة التي يجتمع كل أفرادها دون استثناء، صغارًا وكبارًا ليقضوا اليوم معًا، ينفتح الباب فيدخل منه طابور من أبناء وبنات الأسرة يرتموا في أحضان كبارهم وهم سعداء باللقاء من جديد، لم يكن في يد أي واحدًا منهم هذا الجهاز الصغير (الموبايل)، الذي قطع ما أمر الله به أن يوصل.

وكانت الأحاديث والضحكات الرائقة تلف المكان وترتطم بجدرانه محدثة ضجيج محبب إلى القلب، وتأتي اللحظة التي ينتظرها الصغار بكل اشتياق وهي لحظة توزيع «العيدية»، وكلا منهم يحلم بما سيشتريه، ويقوم الكبار بتوزيعها عليهم كل حسب سنه، وحسب ما يمكن أن يحلم به، يمسك الصغار النقود الجديدة وكلهم شعور بالفرحة والفخر، وكأنهم أصبحوا أثرياء في غمضة عين، والثراء الذي يعتقدونه لا علاقة له بقيمة المبلغ الذي حصلوا عليه، بل يكفيهم إنهم سيذهبون إلى المتاجر ويقفون أمام ماكينة الدفع ويقومون بسداد قيمة ما اشتروه بأيديهم، فهذا هو الثراء بعينه من وجهة نظرهم، بعدها يبدأ التحضير لوجبة الغداء التي ستجمعهم حول مائدة واحدة عليها ما لذ وطاب، ولا يلذ الطعام أو يطيب بقيمته المادية، بل بالحب الذي يستطيع أن يحول أبسط الوجبات إلى أكثرها غلوًا ودسامة، بعد انتهاء ملحمة الطعام واختطاف اللقيمات من بعضهم البعض على سبيل الدعابة، يأتي دور مشاهدة مسرحية العيد على شاشة التليفزيون، وربما تكون مسرحية أعيد عرضها عشرات المرات إلا أنها ما زالت تبدو أمامهم كأنهم يرونها لأول مرة، إن السعادة والحب وفرحة العيد تضفي على تلك الشاشة الجامدة أضواءً تجعلها أكثر تألقًا، ثم يبدأ انتشار أفراد الأسرة في أماكن الترفيه المعروفة دون الخوف من الزحام وما قد يشوبه من شجار أو سرقة أو تحرش، وما إلى ذلك من أمراض لم يكن لها السطوة على حساب تقاليد الفرحة، فالجميع يبتسمون ويتبادلون التهاني حتى لو لم يكونوا على معرفة ببعضهم البعض.

هكذا كان العيد، والآن دعونا نبحر من الماضي إلى الحاضر لنرى الصورة أكثر وضوحًا، فها هو باب المنزل يعاني من صمته الطويل، حيث لا يد تحنو عليه بطرقاتها اللطيفة ولا أنامل تدق الجرس الذي علاه التراب، وداخل المنزل جدران صماء لا تغني أغاني العيد، والكبار يجلسون في أماكنهم المعتادة، ربما يتذكر صغارهم أن يهنئوهم بالعيد، ولكن الصغار لا يهتمون بهذه الشكليات الفارغة فلديهم ما هو أهم، فهم يتحدثون مع أصدقائهم أو ربما يتعرفون على أصدقاء جدد أمام شاشة تخلق عالمًا قد يجمع بين الأفكار عبر الحديث، ولكنه يفرق بين القلوب والأرواح التي لا تتآلف إلا إذا كانت العين في العين واليد محتضنة توأمها لدى الآخر، وحتى لحظات الفرحة بالعيدية، قتلتها إيقاعات العصر الجديد، فمهما بلغت قيمة هذه العيدية لن ترضى الصغار الذين يبحثون عن مشتريات باهظة الثمن، فهذا يريد لعبة «البلاي ستيشن»، وذاك يريد أحدث ماركات الملابس والأحذية التي يطلق عليها «البراند»، والثالث يريد اصطحاب أصدقاءه بما فيهم صديقته الخاصة، أو بلغة هذا العصر «المزة بتاعته» إلى مطعم فاخر يرضي غرور «المزة» ويترك على وجوه الأصدقاء علامات الحسرة والحسد، وعندما يجد الكبار أنفسهم أمام شاشة التليفزيون وحدهم، يفتقدون تألقها القديم ويلمحون ظلمتها وعودتها كآلة صماء تحاول أن تستعيد مكانتها وسط سخرية الصغار مما يعرض من خلالها، ونراهم يسخرون من الكبار قائلين: «هو إنتوا مزهقتوش من المسرحيات والأفلام القديمة»، وينصرفون كل إلى منصته الجديدة التي تعرض له أحلام بعيدة المنال، قادمة من بلاد لا تعرفه ولا بعرفها.

ويجد الكبار أنفسهم يرددون

«عيد بأية حال عدت يا عيد.. بما قد مضى أم بأمر فيه تجديد».