رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


«كيرة والجن» جرعة مكثفة من الحماس والوطنية

11-7-2022 | 18:29


محمد جلال

محمد جلال

بدء منذ أيام قليلة، عرض فيلم «كيرة والجن» للمخرج مروان حامد في السينمات المصرية، وهو الفيلم الذي استمرت مدة تصويره ما قارب الثلاثة أعوام ويدور في جو من الوطنية والدراما التاريخية والحركة والإثارة.

ويعد «كيرة والجن» التعاون الخامس بين كلاً من مروان حامد وأحمد مراد، وثالث روايات أحمد مراد التي تتحول لأفلام، والتي سبقتهما روايتي (تراب الماس، الفيل الأزرق)، وأخرجهما أيضًا مروان حامد.

الفيلم كان قد جمع بين عدد مميز من العناصر الإبداعية المتواجدة في المجال السينمائي المصري في السنوات الأخيرة، مثل المخرج مروان حامد، والكاتب أحمد مراد، والثنائي كريم عبد العزيز وأحمد عز، ومدير التصوير أحمد المرسي، والمونتير أحمد حافظ، بالإضافة للمؤلف الموسيقي هشام نزيه.

منذ أولى مشاهد الفيلم، ستدرك حجم الجهد والمال المبذول في الإنتاج، ولا عجب أن يكون «كيرة والجن» أكبر الإنتاجات المصرية على الإطلاق، فأحداث الفيلم تدور في فترة بدايات القرن العشرين، ما بين حادثة دنشواي وما بين جلاء القوات الإنجليزية عن مصر.

وهو ما تطلب من طاقم الديكور بناء حارات كاملة علي الطراز القديم، بجانب السيارات الكلاسيكية والتفجيرات ومشاهد الحركة، بالإضافة لكريم عبد العزيز وأحمد عز، وهما الاعلى أجرًا في السينما المصرية، وهو ما يتكلف ثروة بالطبع حتى يكون العمل في حجم المستوي المطلوب.

المؤلف أحمد مراد كتب الفيلم، واستلهم قصته من أحداث وشخصيات حقيقية مأخوذة عن القصص الوطنية التاريخية الحماسية المصرية، وبنى عليها خطوط درامية خيالية، كمثال فإن إبراهيم الهلباوي في الحقيقة هو واحد من أشهر المحاميين المصريين في ذلك الوقت، ولم يكن عضوًا في المقاومة، ولكن استخلص أحمد مراد طباعه ليبني عليها شخصية خيالية تخدم الهدف الدرامي الذي يريده.

هذه النوعية من المؤلفات تحتاج لكاتب من نوع خاص كثير الاطلاع، ولديه خيال خصب وواسع يستطيع استشفاف الأحداث من كتب التاريخ وتطعيمها بخطوط درامية؛ لينتج محتوى يواكب منظوره ورؤيته، وإلى حد كبير فقد نجح أحمد مراد في تأدية مهمته.

يوجد فقط ثغرتين في القصة، أولهما هو المشهد الذي جمع شحاتة الجن مع دولت فهمي وهارفي، فهو مشهد غير منطقي بالمرة، وتلك الشهادة الغريبة لم تكن لتؤثر في الحكم بأي شيء، يبدو أن أحمد مراد تمسك بوجود هذا المشهد لأنه كان المشهد الوحيد الذي جمع بين دولت والجن في الحقيقة، حيث أنه في الواقع فإن الثنائي لم يتقابلا وجهاً لوجه سوى مرة واحدة فقط، ولم يكن بينهما أي سابق معرفة.

وبرغم أن الحادثة وقعت بالفعل، لكن سياقات القصة كانت مختلفة تماماً، فالقصة الحقيقية كان للتنظيم الفدائي السري هدف من وراء إرسال دولت لقول شهادتها، وبسبب تلك الشهادة تم تخفيض الحكم علي الجن، بينما الخيوط الدرامية التي سبقت هذا المشهد مباشرة في الفيلم جعلت هذا المشهد غريباً وشاذاً، حيث مهما كانت شهادتها لم تكن لتؤثر في الحكم، بل جعلت المشاهدين تنتابهم الريبة في ذكاء دولت، ما بدا كأن الكاتب يبحث عن أي مخرج ليغلق الخيط الدرامي الذي يربط دولت بالجن فقط.

الثغرة الثانية كانت تتمثل في الجزء الأخير في الفيلم، والذي كان لا يتماشى مع إيقاع الفيلم السريع المميز، فالفيلم منذ المشهد الأول كان مبني علي إيقاع سريع وحبكة متماسكة، كل ذلك تغير مع قرب ختام الفيلم، فتحول إيقاعه إلى بطيء وممل، ومشاهد مليئة بالحشو، كان يمكن حذف الكثير منها ولم تكن لتؤثر علي النهاية بأي شكل.

بعد ترك القصة فإن واحدة من نقط الضعف التي تؤخذ على الفيلم أيضاً هو مشهد تفجير المعسكر الإنجليزي، فقد كان واضحاً علي النيران أنها غير حقيقة وأنها صنعت بتقنية الجرافيك.

أيضاً من المأخذ على الفيلم كمية الإصابات التي تعرض لها الأبطال، سواء بالرصاص أو الأسلحة البيضاء المختلفة، ورغم ذلك فإن تلك الإصابات لا تؤثر فيهم وتقتلهم أو تستغرقهم وقت طويل جدًا لتعطي مفعولها.

ورغم هذا فقد جمع الفيلم عدداً كبيراً من النقاط المضيئة، والتي لا يستطيع أحد أن يغفل عنها، مثل الكيمياء المتواجدة بين الثنائي كريم عبد العزيز وأحمد عز، حيث يشعر المشاهد أن هذا الثنائي معتاداً علي التمثيل معاً منذ مدة طويلة، كما لا يمكننا إغفال القدرة التمثيلية الكبيرة للمتميز سيد رجب، والذي استطاع بنظراته فقط إثارة الريبة والشك على وجوه المشاهدين منذ بداية الفيلم، وهو ما سيُكشف عن سببه لاحقاً، مع ظهور توجه الشخصية الحقيقي بنهاية كيرة والجن.

جانب آخر مثير للإعجاب يتمثل في مشهد السينما، فهو يعد أعظم  المشاهد في هذا الفيلم، وذلك بسبب وضوح إبداع عدد كبير من العناصر وتضافرها ليظهر هذا المشهد بهذا الشكل، ففي البداية ظهر فيلم لتشارلي شابلن في قاعة السينما وهو من الأفلام الصامتة، والتي كانت موجودة في الوقت الزمني الذي يحكي عنه الفيلم، والتي سبقت السينما الناطقة، وقد حرص مروان حامد على إظهار عازف البيانو وهو يعزف للجمهور أثناء مشاهدة الفيلم، ففي وقت ظهور الأفلام الصامتة كان يصاحبها عزف على البيانو في قاعات السينما، وذلك لإضفاء الموسيقى التصويرية على الأفلام، تلك اللقطة ورغم بساطتها لكنها أظهرت اهتمام المخرج بأدق التفاصيل التاريخية.

وفي نفس هذا المشهد، تأخذنا الكاميرا لنشاهد جو من الرومانسية بين كيرة والسيدة الإنجليزية في الكافيه بالطابق العلوي، بينما في السرداب بالطابق السفلي يدور مشهد رومانسي آخر بين الجن ودولت فهمي أثناء رقصهما، التناغم والربط بين كل من مدير التصوير أحمد المرسي والمونتير أحمد حافظ لهذين المشهدين معاً كان عبقرياً، فزاوية التصوير التي اختارها المرسي لتنفيذ تلك المشهدين هيئت للمشاهد عدم حدوث أي قطع في المشهد، وذلك بالتعاون مع المونتير المتميز أحمد حافظ، الذي ساهم بشكل كبير في خروج المشهد بتلك الصورة.

المشهد كما لو أن طفل يضع عينيه على طرف الطاولة، وينظر للأعلى في مشهد رومانسي يمسك فيه كيرة بيد الفتاة الإنجليزية، ثم يضع الطفل عينيه على طرف الطاولة، وينظر لأسفل فيجد مشهد رومانسي متزامن بين الجن ودولت فهمي، وهما يحاولان الرقص لأول مرة والمشهدين يرتبطان بنفس الموسيقى الرائعة للمؤلف والملحن الموسيقي هشام نزيه، كل تلك التفاصيل أوحت للمشاهد أن كل هذا يدور في مشهد واحد فقط، مع إن الواقع أنهما مشهدين مختلفين.

التجربة الإنتاجية الضخمة لفيلم «كيرة والجن» وطاقم العمل المبدع الذي شارك في ظهور هذا العمل، وجعله يظهر بهذا الشكل المتميز، ساهم في أن يكون «كيرة والجن» صاحب أعلى الإيرادات في تلك اللحظة، ومنذ بدء عرضه في السينمات المصرية وهو شيء ليس مستغرباً، فجمهور السينما متعطش لرؤية الأفلام الجيدة ولاسيما التي تشعل فيه الحماس والفخر والشعور بالوطنية.