في ذكرى ميلاده الـ 95.. محطات من حياة ثروت أباظة
يوافق اليوم الجمعة 15 يوليو، الذكرى الـ 95 على ميلاد الروائي ثروت أباظة، وتستعرض بوابة دار الهلال، فى هذا التقرير، سيرة الروائي الراحل، والذى ولد في 15 من يوليو عام 1927 في القاهرة لكن تم تسجيله في قرية غزالة بمحافظة الشرقية، حيث جذور العائلة.
ويقول ثروت أباظة فى مذكراته "ذكريات لا مذكرات" الصادرة عام 1988 عن دار غريب للطباعة والنشر: "ولدت بالقاهرة عام 1927 فى 28 يونيه وقد كنت فى غناء عن ذكر هذا التاريخ إلا أننى أذكره لأن أبى لم يشأ أن يقيد ميلادى بالقاهرة، وإنما انتظر حتى ذهب إلى بلدتنا فى الريف غزالة الخيس مركز الزقازيق بإقليم الشرقية وقيدنى هناك، ولذلك فتاريخ ميلادى الرسمى المقيد بشهادة الميلاد فى البطاقة هو 15 يوليو 1927 وقد ذكرت هذه الواقعة على بساطتها لأبين مدى ارتباطنا بالريف" .
ثروت أباظة وعائلته الأدبية
وأباظة من عائلة أدبية وسياسية من أعرق العائلات في مصر فوالده الأديب دسوقي باشا، وعمه الشاعر عزيز أباظة وابن عمه الكاتب فكري أباظة، وعلى الرغم من كونه سليل عائلة أدبية مرموقة إلا أنه لم يعط للدراسة بالاً؛ مما دفع والدته إلى تعنيفه، لحثه على الاجتهاد والتفوق في دراسته، حتى يرفع من شأن العائلة، واستجاب لها ثروت أباظة وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة الملك فؤاد الأول عام 1950، وهو في الـ23 من عمره، وبدأ بعدها حياته العملية التي كان في مقدمتها عمله بالمحاماة، والتي لم تأخذ حيزا كبيرا في حياته، ثم اتجه بعدها الأدب بشكل كامل، لأنه قد بدأ مشواره الأدبي قبل تخرجه من الجامعة بفترة من الزمن، إذ اثرت نشأته في بيت يذخر بالأدب والشعر ولا تنفض مجالسه الأدبية.
ويقول عن نشأته: "كان أبى أديبا.. وهكذا بدأت القراءة وأنا فى السابعة وكان يرعى بماله وجاهه الشعراء فكان بيتنا لا يخلو من شاعر كبير.. ولهذا اتقنت اللغة العربية اتقانا قل ان يتاح لمن تعلموا مثلى فى غير المدارس المتخصصة فى العلوم الدينية واللغوية وقد قضيت طفولتى الباكرة بحى المنيرة وهو حى شعبي، ثم انتقلت قبيل حصولى على الابتدائية الى حى العباسية وهو حى يجمع بين كل الطبقات، فصراع الطبقات الذى يقولون عنه انما هو عندى اكذوبة كبيرة لا حقيقة وراءها ابدا.
مشوار ثروت أباظة الأدبي
فبدأ أباظة مشواره بكتابة القصة القصيرة والتمثيلية الإذاعية ليبدأ اسمه في التردد بالإذاعة، ثم يتجه بعدها إلى القصة الطويلة، وكانت أول قصة يكتبها أباظة هي "ابن عمار" وكان أسلوبها العربي الرصين ولغتها الجزلة سببا في أن تقرر وزارة التربية والتعليم تدريسها في مطلع الستينيات.
وتولى أباظة عدد من المناصب منها: رئاسة تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون عام 1974، ورئاسة القسم الأدبى بصحيفة الأهرام بين عامى 1975 و1988 وظل يكتب فى الصحيفة نفسها حتى وفاته، كما أنه شغل منصب رئيس اتحاد الكتاب، وقد تولى منصب وكيل مجلس الشورى، كما كان عضواً بالمجلس الأعلى للثقافة وبالمجالس القومية المتخصصة ومجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون ورئيس شرف لرابطة الأدب الحديث وعضواً بنادى القلم الدولي.
ألف ثروت أباظة عددًا من القصص والروايات، تحول بعضها إلى أفلام ومسلسلات، وكتب ما يقرب من خمسين تمثيلية إذاعية، وأربعين قصة قصيرة، وسبعة وعشرين رواية طويلة، من بينها: شىء من الخوف، هارب من الأيام ، قصر على النيل، ثم تشرق الشمس، الضباب، أحلام في الظهيرة، النهر لا يحترق، و طارق من السماء، والغفران، بريق في السحاب، سمات من الزمان، لؤلؤة وأصداف، أمواج ولا شاطئ ، أوقات خادعة، جذور في الهواء، ونقوش من ذهب ونحاس، خائنة الأعين، وخيوط واهية.
ومن القصص القصيرة: الأيام الخضراء، لقاء هناك، ذكريات بعيدة، هذه اللعبة، حين يميل الميزان، السرد في القرآن الكريم، القصة في الشعر العربي، لأنه يحبها، السباحة في الرمال، وبقى شي، الشباب والحرية، طائر فى العنق، ذكريات لا مذكرات، الزمن الممزق، آمال وأقدار، جداول بلا ماء، وخواطر ثروت أباظة، ومن التمثيليات الإذاعية: رءوس فى السماء.
تكريم ثروت أباظة
حصد ثروت أباظة عدد من التكريمات، تقديرًا لمشواره الأدبي الممتد لنصف قرن من الزمان، ففي عام 1958 فاز بجائزة الدولة التشجيعية، ثم وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وجائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1982، ثم جائزة مصطفى وعلي أمين عام 1993.
كان معروف عن ثروت أباظة تمرده السياسي، فبالرغم من أنه ينبثق من عائلة أرستقراطية الا أنه كان من أشد الداعمين لثورة 1952، وذلك وفق ما صرحت به ابنته أمينة أباظة فى أحد حواراتها الصحفية، والتى قالت فيها: "أبى كان مؤيدًا لثورة 23 يوليو، وكان رأيه أن الملك فاروق فى سنواته الأخيرة أضر - أو من حوله - بمستقبل الأسرة المالكة وبالتالى بمصر".
وبالرغم من نشأة ثروت أباظة في أسرة أرستقراطية وتأديه لثورة 23 يوليو الا أنه كان معارضا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقال فى مذكراته : "لم أكتب فى كل ما كتب كلمة واحدة تمجد العهد السابق فى مصر فجزائى أننى لم أعين فى أى وظيفة منذ تخرجى عام 1950 أما جريدة القاهرة فقد كانت ملكا للأمير فيصل وعينى الرئيس السادات رئيسا لمجلس إدارة مجلة الإذاعة عام 1974، ولعله من الطريف أننى حين نلت جائزة الدولة التشجيعية فى أول سنة أنشأت فيها عام 1958 عن رواية "هارب من الأيام" نلت معها وسام العلوم والفنون، فصدرت البراءة به ووظفنى فى البراءة رئيس تحرير مجلة الإعلان حتى أحس حين استيقظ فى الصباح أن لى عملا يمكن أن أذهب إليه".
أعمال ثروت أباظة
ومن أكثر الأعمال التي أثارت جدلا واسعا في مسيرة أباظة الحافلة هي روايته " شيء من الخوف" التى تحولت لفيلم سينمائى، والتى آثارت غضب نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وعندما تحولت الرواية إلى فيلم اعترضت الرقابة عليه بحجة أن شخصية عتريس ترمز إلى الزعيم جمال عبد الناصر، الذى شاهد الفيلم بنفسه وسمح بعرضه أمام الجمهور، قائلا : "لو كنت بتلك البشاعة فمن حق الناس أن يقتلونى".
وفى كتابه "ذكريات لا مذكرات" يكشف أباظة، عن كواليس كتابتها، فأثناء لقاءه بالأديب الكبير نجيب محفوظ، في مقهى عرابي بميدان الجيش، بالعباسية، مع الحرافيش من أصدقائه، وأثناء الحديث فى الشؤون السياسية، قال "ثروت" لنجيب محفوظ: "نجيب بك، إن أحدًا لم يتكلم حتى الآن في شرعية حكم الطاغية"، فصمت نجيب لحظات ثم قال "فكرة جيدة" ليرد عليها الأول "ربما حاولتها".
ويتابع ثروت: "وما لبثت الأيام إلا وجدت نفسى أميل كل الميل أن أرمز إلى الشرعية بالزواج، وهكذا كان لابد لى أن أقرأ الفقه على المذاهب الأربعة، وأركز فى قراءتي على عقد الزواج، فوجدت أبا حنيفة وهو الذي نطبق مذهبه في أحوالنا الشخصية يقول إن الفتاة إذا لم تعط الوكالة لمن يزوجها يكون الزواج باطلاً نسبيًا، والبطلان النسبي يختلف عن البطلان؛ فالنسبى يمكن أن يزول ويصبح العقد صحيحًا إذا زال سبب البطلان، أما المطلق فلا يصح أبدًا"، ويقول أبو حنيفة فى حالة زواج البنت بتوكيل باطل: يزول البطلان إذا عادت البنت وقبلت الزواج فإنه في هذه الحالة يصبح زواجًا صحيحًا خاليًا من البطلان، وكتبت رواية "شيء من الخوف" معتمدًا على هذه القاعدة الشرعية حتى فرغت منها وكتبتها على الآلة الكاتبة".
وفاته
توفي في 17 مارس من عام 2002، عقب صراع طويل مع المرض الخبيث الذي أصابه بورم في معدته.