رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ثورة ولا انقلاب

17-7-2022 | 17:59


د. صلاح سلام

أرى تداول صور وبكثرة على الصفحات والجروبات تصور شوارع مصر أيام الملكية وأخرى تبرز كيف كانت مصر تنقق على دول الخليج، وأخرى تصور أن العالم كان يأتي إلى مصر لينال رضاها.. وكأن مصر كانت مستقلة تمامًا ولا يوجد مندوب سامي بريطاني يوجه كل حركات الملك، وكأن شعبها كان يعيش رغد العيش.. في الوقت الذي كان أحمد حسين، زعيم حزب مصر الفتاة، يطرح مشروع القرش لمكافحة الحفاء فأكثر من نصف الشعب، كان كذلك ناهيك عن سيركاريا البلهارسيا التي كانت تنهش أكباده.. ويروجون أن مصر كانت دائنة لإنجلترا، والحقيقة أنها مستحقات عن خدمات لوجستية قدمتها مصر لإنجلترا في الحرب العالمية الثانية قيمتها 4 ملايين جنيه، وأن الملك كان لمصر والسودان، وأن ثوار يوليو تخلوا عن السودان في تزوير واضح للتاريخ فهناك فرق بين دولة تحت التاج ذات سيادة ودولة تحكمها.. فأستراليا وكندا ونيوزيلندا مثلًا تحت التاج البريطاني لكنها دول ذات سيادة.. وكلام ولغط كثير يحتاج إلى مزيد من التدقيق.. وكما تعودنا من جماعات معينة التشكيك في كل شيء وعلى ثورة يونيو ثورة أم انقلاب نفس الكلام ونفس الجماعات، بالإضافة إلى القوى الرجعية وطبقة المستفيدين من باشوات ذاك العصر حيث تلاقت مصالحهم مع هذه الفئة كانوا يشككون في ثورة يوليو 1952.. نعم كانت حركة الجيش ولكن ما أن انطلقت إلا وهدرت الجماهير تملأ شوارع مصر تؤيدها ولم تكن هناك تنظيمات تحض الجماهير على الخروج فحزب الأغلبية آنذاك "الوفد"، لم يكن منضويًا تحت لواء الثورة ولا يوجد وقتها لا اتحاد قومي ولا اتحاد اشتراكي فمن الذي أخرج الجماهير؟..  نعم كانت كذلك حركة جيش أيدها الشعب دون أي سفك دماء، وهل هناك انقلاب يقف يودع الرئيس أو الملك السابق ويطلق له التحية بالمدفعية ويودعه على اليخت الملكي إلى منفاه الذي اختاره بحمل معه مخصصاته الملكية؟.. حتى في أزمة مارس 1954 حيث تم عزل الرئيس محمد نجيب بعد أن أبرم اتفاقات مع الإخوان ليعود الجيش لثكناته وبالطبع يتولون هم الحكم بصفتهم الجماعة المنظمة وقتها قالوا إن هذا هو انقلاب على الثورة والحقيقة أنه كان وقفًا لتيار الثورة المضادة.. أنا لا أدافع عن ثورة يوليو، لكني عندما استعرضت تاريخ الإنجازات في العشر سنوات الأولى وجدت تحولًا كبيرًا في تاريخ مصر، خاصة في تحقيق العدالة الاجتماعية التي ظلت مطلبًا جماهيريًا حتى ثورة يناير 2011.. ومجانية التعليم الجامعي الذي أفرز كل جيلنا وما قبله والألف مصنع الذين كانوا العمود الفقري لمصر وقت الحرب والسد العالي الذي كان درع أمان للوطن حتى عهد قريب كان مصدر الكهرباء الوحيد.. وتأميم القناة والاستقلال السياسي وغيرها أجد أن الثورة كانت ثورة شعب من أجل الشعب.. ولولا سوء التقدير الذي واكب حرب اليمن والتي كان هدفها الأول السيطرة على باب المندب، لضمان تأمين قناة السويس، لكن استغلها الغرب لتوسيع دائرتها لتوريط عبد الناصر في محاولة لكسب مشروعه في المنطقة، واستكمال المخطط بحرب يونيو 1967 وتلك الهزيمة التي كادت أن تقضي على المشروع تمامًا.. ودائمًا أسأل نفسي.. إذا كان عبد الناصر كان مدفع صوت كما يقول بعض الذين يقرأون التاريخ بعيونهن فقط، وأنه كان يريد الزعامة فقط.. أسأل إذا كانت إسرائيل قد استطاعت أن تهزم مصر، لأنها لم تكن تملك قدرات الحرب؟، فلماذا استطاعت إسرائيل أن تهزم سوريا وتحتل هضبة الجولان ولبنان وتحتل الجنوب والأردن وتحتل الضفة الغربية وغور الأردن.. وقوات منظمة التحرير الفلسطينية؟.. هل كانوا هؤلاء أيضًا يقودهم عبد الناصر.. أم أن المؤامرة التي حاكتها أمريكا وإنجلترا وحلفائهم محكمة لتكون كفيلة بإسقاط مشروع عبد الناصر في المنطقة العربية وفي أفريقيا بعد أن أيقظ شعوبها لتتمرد ضد الاستعمار الذي كان وما يزال ينهب ثرواتها ويبقى عليهم في غيابة الجب.. أنا لا أدافع عن عبد الناصر ولكني كنت أحلم مع الحالمين أن يكتمل المشروع مثلما بدأ، وأن تكون مصر في نفس التوقيت مع الهند والصين واليابان وبعض دول أوروبا الذين شكلوا مع عبد الناصر مجموعة عدم الانحياز.. لقد ظل الحلم مفقودًا برغم أنه يعيش في وجدان جيل كامل.. وأتفهم جيدًا كل قراءات الجيل الحالي، لكن أقول لهم لا يمكن أن تحكموا على حقبة لم تعيشوا أحداثها ولم تدرسوا ملابساتها.. والتاريخ المكتوب فيه من يحب وفيه من يكره، وعليك أن تدرس الأمور جيدًا قبل أن تحكم وفق معطيات مر عليها سبعة عقود.. فالمعايير مختلفة ولكل زمن دولة ورجال.